الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العِلموية والإسلام (1)

وليد مهدي

2010 / 7 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المقدمـــة

الدين ، والإسلامي تحديداً ، يتعرض لنقد ممنهج على كافة الصعد والأطر ، فالفكر العلماني يقوم هذه الأيام بتسليط الأضواء على الجانب التراجعي الأسطوري المضاد لمفاهيم النهوض والتقدم وموجات العصرنة الحديثة ، لكن .. هناك جانب ٌ آخر للدين لا يزال معتماً لم تسلط الأضواء عليه بعد ...!

إنه جانب ٌ آخر ، يشبه الوجه الثاني للقمر الذي لم تره عيون البشر منذ بدء الخليقة على وجه الكوكب الأزرق ، وهو الجانب الاعماقي الإنثروبولوجي والسيكولوجي في الفرد والوعي الجمعي بصورة ٍ عامة وهو ما سندرسه في هذه السلسلة بالتفصيل تحليلاً ومناقشة ..

فالجانب التقليدي المرئي من الدين معرفياً ، هو الجانب الذي تتولاه معاول العلمانية ليل نهار منذ بدء النهضة في أوربا وحتى يومنا هذا ، وهو الجانب المعرفي والتشريعي الذي يتعارض مع سير وتقدم الحضارة وتنقضه المكتشفات العلمية وتحط من قدره باستمرار على مر الزمن وتنبئنا على هذا المنوال بتلاشيه من حياتنا بصورة مطلقة ، لذا ، كانت العلمانية هي المنتصرة حتى اللحظة في حربها على هذا الجانب المعيق للتقدم الحضاري في أوربا وبعض مناطق العالم الأخرى ..

لكن ، في الشرق الأوسط ، حيث كانت البدايات الأولى للدين وحيث يوجد الجذر الأساسي لتشكل الدين ونسقه الانثروبولوجي التراكمي لا تزال العلمانية مهزومة إلى درجة ٍ إن العالم كله اليوم يجتمع لاقتلاع الإسلام من جذوره وبشتى الوسائل الثقافية و الاقتصادية و " العسكرية " .. ولكن ، دون جدوى !

الدين من زاوية انثروبولوجية ( إنسانوية ) معرفية عقل جمعي تتشارك الأمم في وضعه عبر تحولات تاريخية يؤدي وظيفة تنظيم الشؤون السياسية والاجتماعية للأمم على مر التأريخ ، وقد بقي الدين مسيطراً على ساحة السياسة والثقافة لعهود ٍ طويلة حتى جاءت النهضة في أوربا وظهرت الحاجة إلى فصل الدين عن السياسة بما يصطلح عليه بالعـَـلمانية ( بفتح العين ) ، إذ أن الجانب السطحي الظاهري من الدين المتعلق بإدارة سياسة الدولة وتشريع القوانين أصبح معيقاً للتطور الحضاري الاجتماعي ، خصوصاً بعد نهضة أوروبا الثقافية السياسية الاقتصادية العلمية قبل أربعة قرون ، فظهرت مفردة العلمانية secularism والتي عنت في جملة ما تعنيه فصل الدين عن السياسة ، فقتل الملك في فرنسا كان يعني نهاية الحاكم المقدس في أوربا , واحتاج العالم الإسلامي دخول القرن العشرين قبل ان يتمكن مصطفى كمال أتاتورك من القضاء على قداسة الخليفة الإسلامي في عشرينيات القرن الماضي ..

إذن ، وها نحن إذ ندخل القرن الحادي والعشرين ، يكاد العالم أن يُجمع على ان العلمانية هي الحل النهائي لنظم الحكم التي يجب أن تعتمد في تشريعاتها وآليات تطبيقها على الحاجة الواقعية الفعلية للوجود الإنساني وفق معايير ومفاهيم جديدة تأخذ في حسابها الإنسان وفرديته بالمقام الأول ، وهي أهم بصمات الثقافة السياسية الأوربية التي أنتجتها عجلة الإقتصاد الرأسمالي ..

فالرأسمالية ومنذ بواكير النهضة قامت بتكييف منظومة العلاقات السياسية الليبرالية في أوربا ضمن بيئتها السياسية الاجتماعية التي كيفت لنفسها وطورت تشريعات تحترم التحرر الفردي والقيم الإنسانوية العصرية كما نعرفها اليوم ، منظومة القيم هذه هي التي رسمت العلاقة بين الدولة في شكلها الغربي الحالي وتبنت العلمانية كحل ٍ نهائي بفصل الدين وتشريعاته عن سياسة الحكم التي أضحت براجماتية ( نفعية ) واقعية ذات منطلقات لا علاقة لها بالقيم الدينية ، مع ذلك احتفظ الدين بوجوده الرمزي في المؤسسات السياسية الأوربية بدليل الصليب الذي لا تزال تحمله أعلام بعض الدول فيها .

وعوداً على بدء ، فإن الحملة التي يتعرض لها الدين الإسلامي في الشرق الأوسط وعلى نطاق واسع بشكل غير مسبوق هذه الأيام إنما هي موجهة بنفس الدوافع التي كانت في أوروبا اذ بان نهضتها ويمكن إيجاز غايات هذه الدوافع بالآتي :

• تحجيم دور الدين في حياة المجتمع إلى أدنى قدر ٍ ممكن كي يصبح مجرد ممارسات وطقوس يقوم بها الفرد بمعزل ٍ عن ترابطه المجتمعي إلى درجة ٍ يرى فيها إن سلوك الدولة التي تحكمه صائب حتى ولو تعارض مع معتقداته الدينية مثل النظام الاقتصادي المبيح للربا الذي تتبناه دول الغرب المتعارض مع المسيحية .

• الإيغال عميقاً بعد تحقق الغاية الأولى في تفكيك و حلحلة المفاهيم الدينية الفردية التي يتبناها أفراد المجتمع وتحويلها من بنى ثقافية راسخة إلى قيم هشة غير مستقرة تتميز بالرمزية أكثر منها مفاهيم جذرية ، فمنع الرموز الدينية على سبيل المثال في المدارس الفرنسية وكذلك النشاطات الفنية والثقافية مثل الكاريكاتورات المتعرضة للدين المسيحي ورموزه هي أمور مألوفة لا تلقى معارضة شعبية في الغرب على النقيض من العالم الإسلامي الذي يهيج كلما حدث مثل هذا التعدي على رمزية الدين .

لكن ، لماذا تحتاج الحضارة الغربية لتحقيق هذه الأهداف في العالمين الغربي والإسلامي ؟

من خلال القراءة التاريخية لأحداث القرون الماضية منذ عصر النهضة الصناعية وما شهده من إنتاج ثقافي مناهض للدين يصل للإلحاد مواكباً للتطور الاقتصادي والتقني نجد بأن الحضارة الغربية في طريق ديمومتها واستمرارها كانت على مفترق طرق :

1. استبدال الدين بالعلم بصورة ٍ تدريجية ، وصولاً إلى النظرية العلمية الديالكتيكية في تفسير التطور الإقتصادي للمجتمع البشري فيما عرف بالماركسية الشيوعية لاحقاً .

2. التعري القيمي الكامل من أي اعتقاد ( اللا دينية ) في خط ٍ يماشي غريزة التفرد وروح المنافسة التي يفرضها السوق و المعتقد السياسي الإمبريالي الرأسمالي الذي تتوج في النيوليبرالية الأمريكية أواخر القرن الماضي ..

فشلت الماركسية في أن تكون العقيدة ( بديل الدينية ) العقلانية العلمية لدى سكان الغرب والشمال من كوكبنا الأرضي ، مع ثمة بعض ٌ من يعتنقها هناك ، فيما الرأسمالية كانت الأكثر استفادة من فصل الدين عن الدولة أولا ً ومن ثم الاستفادة من الحلحلة القيمية في داخل الفرد لتوسيع نطاق سطوتها التي تتبنى أيديولوجيا اللا أيديولوجيا ..!!

فالرأسمالية ميكافيلية تنافسية أنانية لا يمكن تحجيمها بأي قوانين علمية أو دينية ، وبالتالي لابد لها من مصارعة القيم و الايدولوجيا في العالم سواء كانت ماركسية أو كونفوشية أو محمدية ...!!

فما أن فرغت من الماركسية وجعلتها تركع ، ها هي توجه حربها التاريخية الكبرى ضد الدين الإسلامي تحت مسمى محاربة الإرهاب ..!

إن " اللا دينية " هي أهم نقاط ضعف الرأسمالية على صعيد الأيديولوجيا ، ورغم أن راس المال عادة ما يستر عورته بالقومية مثل دول أوربا أو الدينية الهشة كحالها في الولايات المتحدة وإسرائيل ، إلا إنه نجح في التخفي وراء الأيديولوجيا في الظلام انطلاقاً من إيمان قباطنة الإمبريالية العالمية بفداحة العري الرأسمالي الذي لا يحتمل ضوء نهار المعرفة والعلم ، فأظهر راس المال في ساحات السياسة الدولية على إنه رأسمال ٍ مجرد لا يرتبط بوطن ٍ أو دين ..!!

فكانت العولمة Globalization وكانت العـَـلمانية secularism كعناوين براقة يتمترس خلفها راس المال النفعي الغريزي اللا قيمي بصورة تحت إنسانوية لحد بعيد لا يمكن على العقل ذي الثقافة المحدودة توقعه ..

فبعد هزيمتها للشيوعية ، تعمد الرأسمالية اللاقيمية و اللادينية إلى التخفي وراء قيم افتراضية ظاهرية خالية من المحتوى التطبيقي لاقتلاع الإسلام من جذوره ومن ثم تتجه نحو أقصى آسيا في مسار طبيعي لعولمة راس المال الناشر لعقيدة اللا عقيدة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع


.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح




.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran