الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسماء التي تضل الطريق

فاديا سعد

2010 / 7 / 11
المجتمع المدني


بعيدا عن المماحكات السياسة والثقافية، كنت أقلّب بالأقنية قصد مشاهدة فلم لطيف يشغلني عن الفوضى العامة، أو الثبات على أغنية تداعب المشاعر من غير أن تهزّها، وتلعن والدها، وفي بعض الأحيان البحث عن أفلام كرتون من نوع عائلة سيمبسون الشهيرة.
ثبت بصري على ما سيعرض بعد حين في أقنية للأفلام، وكان: "في شقة مصر الجديدة" الذي استشهدت باسم بطلته وادعيت أن اسمها "غادة رزق" في مقال سابق: "كتب، وحرب، وحب"
قلت: آه هذا جيد ولا ضير من إعادة مشاهدته.
ولأني أسترطبت القصة والحوار وأداء الممثلين، والإخراج، كنت حضّرت منقوع المتة الخاص بالكسالى، وجلست أمنّي نفسي بهروب ساعتين بلا منغصات، فما تزال شارة البدء تستعرض أسماء الأبطال"
ثبت بصري على اسم البطلة وقد كتب بالبند العريض: "غادة عادل" وقلت باندهاش "غادة عادل"؟!
ظل الاسم الحقيقي للممثلة يتردد في ذهني وقتا غير قليل، وبات يعذبني هذا السؤال: من أين جئت باسم "غادة رزق" كما أوردته في مقالي، وكيف لي أن أغير الأسماء على مزاجي؟
والطامة ستكون قليلة الوقع لو أن خلطي للأسماء بقي بحدود الواقع المعاش مع أصدقائي، فعادة ما أقوم بمقالب غير مقصودة، فأختلق على سبيل المثال كنية للاسم -لا يروق للاوعيي- ثم أغير أحرفا معينة لأشكّل اسما آخر لشخص أعنيه هو نفسه!.
وإذ اعتاد عليّ بعض الأصدقاء واحتووا التداخلات العجيبة لأسمائهم برحابة صدر، لكن كيف للقارئ أن يتجاوز هفوتي؟
كيف لي ألا أتذكر الأشخاص بأسمائهم التي بحث عنها أهلهم وأطلقت عليهم بالذات ليشكلوا مع أسماءهم بصمة للحياة: مررت من عند هذا/هذه بكل التفاصيل المنطقية وغير المنطقية؟ كي يكونوا هم أنفسهم متفردين عن غيرهم؟
المسألة في اعتقادي لها أبعاد خطيرة غير المعنى المادي للذاكرة، فأنا إذ قمت بإلغاء ارتباط اسم "غادة عادل" بالشخصية نفسها، كنت أمارس ما نمارسه جميعا تجاه بعضنا البعض بإلغاء الكيانات البشرية مرفقا بعدم الاعتراف بهم، إنما هذه المرّة تجاه شخص ليس بيني وبينه معركة فكرية حقيقية.
أنا في حقيقة الأمر لا أفعل سوى أن أبرع بالقيام بالطريقة التي أرضعتنا إياها مجتمعاتنا أنفسها، حيث قامت بإلغاءنا أفرادا فلم تعترف بنا أو بحقوقنا، وربطتنا من جهة أخرى بهوية منّفرة حقا... هوية ليست بجديدة وإنما بأكثر ما يكون من الوضوح: حيث تطغى عليها سمات:
عدم التسامح، ونظيره التعصب بكل أشكاله
التخلف، ونظيره انسحاب النماء وحقوقنا السياسية والدينية والحقوقية.
انعدام الاحترام ونظيره الاستعلاء على ما يمثل ما ليس منا سياسيا ثقافيا مذهبيا.
انعدام شروط المواطنة ونظيرها من الفساد المستشري في حكومات ومؤسسات الدول العربية.

فالتقرير الأخير الذي عرض على شاشة الجزيرة، عن احتلال الجزائر ثم مصر ثم سوريا في قائمة الدول الأكثر فسادا، والذي جاء بعد تقرير آخر عرض على BBC
بكون مصر وسوريا تحتلان على التوالي بالأنظمة الأكثر فشلا في التنمية، والذي سبقه تقرير آخر عرض على نفس القناة استبعدت فيه سوريا نهائيا من قائمة الدول المساهمة في مجالات إبداع البحث العلمي والتعليمي وحتى الأدبي.

كل ذلك يثير الدهشة والذهول: أين ذهبت كل الإمكانات البشرية والطاقات الخلاقة والمشاريع الاقتصادية، التي كانت تتمتع بها سوريا أو مصر أو الجزائر، وبالتالي في أي مهب ريح ذهبت ذاكرتي؟
وكيف تشكلت هويتنا الجديدة حيث يحتل الفساد الجزء الأساسي من الهوية:
فالفساد المتجذّر في مجتمع ما، يفسد انسجام الشخصية.
يفرض عليها ادعاء ما ليس فيها ليسحب عنها أخلاقيات أفراد الدول الأقل فسادا: سمة الصدق
ويشكل الكذب والخداع والنفاق، وقتل حرية الاعتقاد، وتكريس الطقوس على حساب الأيمان وهو أحد أهم الظواهر الاجتماعية في المجتمعات الأكثر فسادا، لنجد أن الارتباط وثيقا بين الفساد وسمات الشخصية المفككة..
وغالبا يلجأ من يفرض عليه العيش في مثل هذه المجتمعات من جهة، ويرفض من جهة أخرى هذه الشروط اللا إنسانية للهروب من المواجهة، وتناسي الحقوق ثم النسيان كي تتوسع دائرة النسيان لتشمل حتى الأسماء، والأحداث، ولذلك نقول أننا شعوب بلا ذاكرة تاريخية، إنما في حقيقة الأمر:
نحن شعوب لكثرة كسر إرادتها الحرة وعدم معرفتها أو وعيها بطرق مواجهة هذا الفساد من غير أن تنقطع المسيرة بالإعدامات والسجون والقتل والحروب الأهلية قد شكلت لنفسها ذاكرة جديدة: قبول الواقع أو نسيان مظاهره وعدم الاعتراف بها:
نقلت صديقة بعد عودتها من هولندا هذا الانطباع: "يصف العرب هؤلاء أنهم كفار، والله نحن الكفار"، وتعليلها وتبريرها لجملتها أن الهولنديين، لن يطالبوا بجنة في السماء لأن بلدهم جنة يستمتعون بها ويحافظون عليها من عبث العابثين، وأنها وطفلتها اللتان عانتا بغياب الوالد، وقاستا الكثير، بعدم وجود فرص حقيقية للإهتمام بكرامتهما البشرية لم تجده في موطنها الأصلي "العراق" ثم لم تجده في سوريا يوم لجأت إليها.
يمكنكم القول: أن سمير الحمصي لا يختلف عن سمير الأرناؤوطي في هولندا إلا بما يتمتع كل منهما بسلوك حضاري بالتعامل مع هولندا كأرض وشعب وميزات من حقوق وواجبات.
لن أخفي أني غالبا أمنح نفسي إجازة حين ألتقط روحي وقد غلب عليها قذارات من هنا وهناك يفرضه المثل القئل: من يريد السباحة في الأوساخ لا بد أن يلطخ بها.
إذا: لا شرف لهوية وطنية تكسر إرادة الإنسان لحساب دينه ومذهبه وشدة تورطه بالفساد.
وعودة على نسيان الأسماء ومنحها ألقابا غير التي بالشخصيات الواقعية، الذي بدأ أثناء مسيرتي بسهو بسيط، بسبب كسر إرادتي عشرات بل آلاف المرات، وإذ اعتمدت طريقة المناكفة والمعاندة وقول المباح بما هو متاح بتّ أوسع دائرة النسيان لتشمل أسماء أناس لهم كياناتهم، فعذرا من الممثلة "غادة عادل" فإن أخطأت باسمها، فلي.. لنا... للجميع ما يبرر نسيان أسماء الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة هيومن رايتس ووتش تدين مواقف ألمانيا تجاه المسلمين.. ما


.. الخارجية السودانية: المجاعة تنتشر في أنحاء من السودان بسبب ا




.. ناشطون يتظاهرون أمام مصنع للطائرات المسيرة الإسرائيلية في بر


.. إسرائيل تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين عند حاجز عوفر




.. الأونروا تحذر... المساعدات زادت ولكنها غير كافية| #غرفة_الأخ