الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالكريم صديقي

عبدالجليل الكناني

2010 / 7 / 13
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


نعم صديقي فهو أول من عرفت ممن لم اعتد معرفتهم وهو الرجل الذي لامستُ كفه حين لم تلامس كفي غريبا قط . بدأت علاقتي به لما اقتحم مخيلتي كمعبد زاره طيف اله لم يكن عقلي الصغير يلامس الأحداث إلا من خلال مجسات حسية واستجابات غريزية . الحدث الذي حفر في ذاكرتي لم يكن حينها مألوفا إنما بدا كمشهد أُقحم في سلسلة الأحداث الرتيبة لطفل لم يتجاوز الخامسة كثيرا حين لذت خلف أمي لدن رؤيتي معلمتي في الروضة وهي تدخل بيتنا الفقير ومن خلفها جمهرة من النساء . كنا نسكن بيتا نصفه من الطين مغطى بحصران القصب المسندة بأعمدة من سيقان وفروع الأشجار . عرفت من حديث معلمتي وهي لا تراني إذ أجدت الاختباء ممسكا بأذيال ثوب أمي . عرفت أنها تدعو النساء للخروج في تظاهرة تمجد الزعيم وتدعو له بالشفاء وتندد بمن حاول قتله . عرفته بإحساسي احد الصالحين وفي صور أراها معلقة على الحائط لرجال ينبعث النور من وجوههم . عرفته من اللغط والحماس الذي يرتسم على وجوه النساء، كيومٍ رأيت فيه أطفالا يرتدون ثيابا خضراء يلحق بهم سيّاف لعين والنساء تصرخ - وا ويلتاه ، ألا من معين . وهرعت أمي ونساء القرية ، في تل محمد الملاصق لبغداد الجديدة . عرفت انه عبدالكريم وانه الزعيم وانه الرجل الذي يدير الحياة وانه الراعي والوالي وهو الذي تسير ببركته شؤون الناس فدعوت ان لا يموت ومع تنامي وعيي الصغير عرفت أن لكل ناس زعيم يرعاهم ويعطيهم ويطعمهم ويؤيهم ذلك ما جسده حديث أبي حين قال ان الزعيم أعطاهم أرضا ومالا ليبنوا بيتنا من الطابوق والحديد مثل بيوت بغداد الجديدة مثل روضني ومدرستي الأولى .
سكنا مدينة الثورة وتنامت صورة الزعيم وتجسدت لم يكن النور مرسوما على إطار وجهه إنما يشع من ابتسامته في الصورة المعلقة إلى جوار صورة الإمام كان إشعاعا سلسا يداخل الروح التي لم افهم ما هي ، إشعاعا حيا أكثر منه صورة عبثت بها فرشاة رسام . عرفته وآمنت به ، حتى إذا جاءني أبي بثياب عسكرية تناسب مقاسي دهشت واضطربت لأنه قال لي أنني سأقابل الزعيم بلحمه ودمه . هذا الزعيم الذي في الصورة وفي الروح التي لم افهم ما هي .
وبدأ الاستعراض الذي يبدو انه قد نقل مباشرة من خلال شاشة التلفاز ولعلي كغيري صافحت الزعيم حين قلدني ميدالية ذهبية نقشت عليها صورته ، ولا أسامح أبي لأنه باعها ذات يوم . قالت خالتي أنت فعلت ما لم يفعله غيرك رأيناك تصافحه وتقبل يده وتنحني على قدميه . دهشت وكم تمنيت حينها لو أتذكر ملمس كف الزعيم فلعلي لم أصافحه قط ، فمن فرط خجلي سارعت بالهرب من بين يديه ، لا أتذكر ، غير أني واثق من أنني لا امتلك الجرأة على تقبيل يده وكم تمنيت ، حينها ، لو أنني قادر على ذلك الأداء المستحيل . ولمرتين أو ثلاث كنت قريبا منه مرة حين عدت من المدرسة وقد مددت يدي لاستسمح أصحاب السيارات بنقلي من مدرستي البعيدة ، في بداية مدينة الثورة ،حين ابتسم لي الرجل الجالس إلى الخلف ، كنت أول من رآه وقد خصني بابتسامته ، أحسست من خلالها بصلة حميمة تشدني إليه فلعله قد عرفني إلا انه لم يتوقف . صحت بخجل انه الزعيم . أليس هو الزعيم نعم هو الزعيم ، وما زادني يقينا غير لحاقي به ، بعد حين ، وقد تحلق الناس حوله وغطوا عليه بهوس وصراخ - عاش الزعيم ..عاش الزعيم . وغمرني فرح جارف أنني أول من رأيته وقد خصني بابتسامته الرائعة . رأيت موكب الزعيم مرارا بعدها . غير أني في شك من أنني قد رايته كما رأيته من قبل إلا حينما اصطحبني أبي مرة ثانية لملاقاة الزعيم . أدخلنا أنا ومجموعة من الأطفال في قاعة تصطف فيها المقاعد على شكل مدرجات فاخترت آخرها وأعلاها ودخل الزعيم بابتسامته المضيئة بغير رتوش ، بلحمه ودمه ليلقي فينا خطابا مطولا لا اذكر منه شيئا غير هتافات الصبية وهم يقاطعونه ويهتفون بحياته وكنت خلال ذلك كله أشحذ همتي كي اهتف مثلهم حتى اذا واتتني الجرأة صاح بي الصبي الجالس إلى جواري – كفى ، كفى ، لقد خرج الزعيم .
خرج الزعيم وفي ذاكرتي صورة النساء وهي تشق ثيابها والرجال الأقوياء ينحبون صراخ وعويل دموع وألم لا احد يصدق هول المأساة ..
ولا يفارقني حتى يومنا هذا منظر المرأة التي تتلفع بالسواد وتفترش الأرض و تنثر فوق رأسها التراب وهي تنوح نواحا مرعبا . لقد قتلوا الزعيم . قتلوا الزعيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأخ الأستاذ عبد الجليل ..
موسى فرج ( 2010 / 7 / 13 - 18:52 )
أنا لم اشاهد عيانيا عبد الكريم وحتى أني لم اشاهده على التلفاز إلا قبل أشهر فقط لكني عشت مع قيمه ربما قبل أن تدخل عليك المعلمة وتلوذ بوالدتك ..لكني شاهدت عيانيا من جاءوا بعده من عبد السلام الى طاهر يحيى الى البكر الى صدام الى كشتلة مابعد 2003 ولو صادفت واحد منهم فقط يفوق ماعنده مما لدى عبد الكريم بـ 1 ./. فقط لنسيت عبد الكريم ..لقد كتبيت في اليام الماضية عن عبد الكريم لكني غكراما لعيونك يو كانت غضه ولإناملك يوم كانت صغيرة التي رايت بهما ولمست بهما عبد الكريم لفاني ساكتب وقبل ان ينتصف الليل وهي مهداة لك وكل الطيبين في العراق ..مع التقدير

اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين لفلسطين في أورلاندو


.. فيديو: ابنة كاسترو ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتقدم مسيرة لمج




.. Vietnamese Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الفيت


.. آلاف المحتجين يخرجون في مدينة مالمو السويدية ضد مشاركة إسرائ




.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين المطالبين بإسقاط