الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهوة التسلط

ابراهيم هيبة

2010 / 7 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أحيانا عندما أتأمل في المصاعب التي أواجهها في حياتي العملية وفي علاقاتي بالبشر، أجد بأن كل ذلك يحدث لي جرّاء عجز واحد أعاني منه: كوني لا أستطيع العيش في الغابة. المجتمع جحيم من الجَلْد المتبادل؛ الكل يريد أن يتسلط على الكل. دلوني على إنسان واحد لا يُفعِّل ميوله الديكتاتورية ! كل واحد منا يسعى إلى أن يكون الأول في أي تنظيم يقع تحت يديه، سواء كان هذا التنظيم دولة أو طائفة أو قبيلة أو حتى أسرة. من بين مجموع السكان لأي بلد ما، لا يوجد شخص واحد لا يتمنى، على الأقل في لا شعوره، أن يكون المواطن رقم واحد في بلده. لا أحد منا يكتفي بذاته؛ لا أحد منا يتحمل عدمه الداخلي- الكل يتطلع إلى العالم الخارجي بحثا عن زمرة من العبيد ليصب عليهم جام غضبه و كراهيته.
في كل إنسان يرقد ديكتاتور؛ وعندما تتاح له الفرصة لممارسة مواهبه الاستبدادية ينضاف قدْر من الشر إلى العالم. إن الإنسان لا يكون طبيعيا إلا إذا كان في حالة من الضعف والعوز؛ وإن كان لكم شك في الأمر، إمنحوا أكثر الناس تواضعا وأشدهم ورعا قدرا من المال والسلطة وسترونه كيف سيتحول إلى فرعون آخر. شهوة السلطة متجذرة في نفس كل واحد منا، ولا ينقص إلا بعض الشروط السياسية والمادية لكي تسقط كل الأقنعة وتظهر الهوية الحقيقية للطاغوت الذي يسكننا.
"حرية، مساواة، إيخاء." هذا شعار جذاب وطموح لكل ثورة تريد أن تتقدم بالمجتمع خطوات إلى الإمام، لكن مثالية هذا الشعار تتناقض على طول الخط مع ما يعنيه مفهوم المجتمع الإنساني في حد ذاته؛ حيث الكراهية المشتركة وما يترتب عنها من قهر وتجبر وتسلط. حاول فقط أن تطبق مكونا واحد من مكونات هذا الشعار- أي حاول أن تكون إنسانا حرا أو أن تكون أخا للجميع وسترى كيف ستموت من الجوع. المجتمع لا يقبل بالمثل والأخلاق السامية إلا في المواعظ والخطب العصماء؛ لكنه في الواقع لا يعترف إلا بمبدأ هوبس فقط: "الإنسان ذئب للإنسان."
في الحقيقة لو قمنا، بطريقة ما، باجتثاث هوى التسلط من قلوب البشر، لربما أدى هذا بالمجتمع والتاريخ إلى أن يفقدا الكثير من ديناميكيتها؛ فالتاريخ، مثلا، لا يحركه بحث البشر عن العدالة بقدر ما يحركه تعطشهم للسلطة؛ الذين يوجدون في قاعدة المجتمع لا يريدون فقط إقتسام الثروات مع الذين في القمة ، بل يريدون كذلك أن يضعوهم تحت تصرفهم لكي يذلوهم ويحتقرونهم ـ إنه الانتقام الدوري، بنزين كل القلاقل والثورات.
مفهوم السلطة يرعبني؛ وما يرعبني فيه أكثر هو أنني أراه ثاويا في طبائع كل الأشياء، من حركة الإلكترون إلى حركة كل المذاهب والكتب المقدسة؛ بل يمكنني القول بأنني لا أرى في وجه كل طفل بريء إلا ديكتاتورا في حالة كمون، ماذا أقول؟ إنني أقبل بأية وظيفة تعرض علي، إلا وظيفة إعطاء الأوامر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا