الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائية الخير والشر الكامنة في الذات

صاحب الربيعي

2010 / 7 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يمكن التعامل مع الشيء من دون الاعتراف به كمادة أو ذات أو نقيض ليصار إلى فهمه على نحو أفضل، فلا يمكن تجاهل الشيء وفي الوقت ذاته محاكاته وتسفيه منطلقاته تهميداً لرفضه وعدم الاعتراف به. إن الإقرار بعالم الفضيلة يعني رفض الاعتراف بالعالم المضاد عالم الرذيلية على الرغم من أن عدم وجوده يلغي وجود عالم الفضيلة لأنه مشيد على أسس وقيم متعارضة مع عالم الرذيلة.
وبما أنه لا يمكن الإقرار الكامل بكل القيم الخيرة على أنها تنتمي لعالم الفضيلة، ولا الإقرار الكامل بكل القيم الشريرة على أنها تنتمي لعالم الرذيلية تبعاً لاختلاف الأنماط والقيم الاجتماعية. فعليه لا بد من الاعتراف بوجود عالمين وهمين تفصلهما حدود ما لتمييز الخير عن الشر، لكن عند الاحتكام إلى العقل للتمييز بين عالمين وجودهما متوقف أحدهما على الآخر تتطلب الحكمة الإقرار بتداخلهما والاعتراف أن لكل ذات خيرة رواسب شريرة كامنة، ولكل ذات شريرة رواسب خيرة كامنة فعند تحفيز الرواسب الخيرة بآليات الاكتساب المعرفي تتعاظم الرواسب الخيرة لتحتل القسم الأعظم من مساحة الرواسب الكامنة على حساب الرواسب الشريرة الكامنة في الذات. وفي المقابل فإن الجهل والتخلف والبيئة الشريرة تعظم من مساحة الرواسب الشريرة على حساب مساحة الرواسب الخيرة في الذات، فتأتي الأحكام على الذوات الاجتماعية خلال الحكم على سلوكها إنها ذواتاً خيرة أو شريرة.
يقول (( نيتشه )) " إن سر عظمة رجال عهودنا السابقين يكمن بقدرتهم الشجاعة على فضح الشر الكامن في مساكن الخير فيهم ".
إن البيئة الاجتماعية هي المصنع المورد للقيم الاجتماعية والدينية وبإختلافها تختلف القيم والعادات الاجتماعية التي تظهر السلوكيات والممارسات اليومية للفرد سواءاً منها المتوافق مع القيم الاجتماعية أو المتعارض معها.
إذاً قيم الخير والشر نتاجاً للقيم الاجتماعية الدينية السائدة في المجتمع، لذلك لا يمكن عدّها قيماً ثابتة وأزلية فما كان محذوراً ومنافياً للقيم الاجتماعية أو يعدّ شراً في مرحلة زمنية ما من حياة المجتمع ليس بالضرورة أن تكون هي ذاتها في الوقت الراهن على الرغم من أن تغييرها يحتاج إلى فترة زمنية ليست بالقصيرة فتحطم القيم الاجتماعية أو الدينية السائدة في مرحلة زمنية ما من حياة المجتمع تؤدي إلى الإخلال بمعادلة قيم الخير والشر ومن ثم يحصل المزيد من التداخل أو الاكتساح لمساحات أو تبادل المواقع بين عالم الفضيلة والرذيلة.
بذلك يجب الإقرار أن القيم الاجتماعية ليست ذاتها في كل الأزمنة من حياة المجتمع، وكذلك الأمر للقيم الدينية رغم ثباتها النسبي عبر الزمن. وعليه أن عالم الخير والشر ليسا عالمين منفصلين تماماً وإنما عالمين لا يعرفان الثبات بحدودهما حيث يجتاح أحدهما لمساحة الآخر باستمرار وغالباً ما يحدث التداخل بينهما.
يعتقد (( نيتشه )) " أن كل من يريد أن يكون مبدعاً في الخير والشر عليه أن يكون أولاً مدمراً ومحطماً للقيم السائدة في المجتمع ".
إن الافتراض بوجود عالمين للخير والشر بعدّهما ثنائية التناقض أو التقابل في الكثير من الأشياء والتفسيرات في الحياة، فلا بد من وجود امتداد لهما في داخل الكائن الاجتماعي المتوحد في المظهر العام بكينونة والمنقسم في الوقت ذاته إلى عوالم متعددة في الباطن الكامن بمثابة صور شتى من الوعي واللاوعي، والروح والجسد، والرواسب الخيرة والشريرة... وغيرها حيث تبدو الثنائية المفترضة للعالم في الأشياء والظواهر اليومية جذرها الأساس في الكينونة ذاتها.
هذا التوحد الظاهر للكينونة المتفاعلة اجتماعياً بعدّها وحدة قائمة بذاتها تتعامل مع أقرانها في المجتمع كذات منفصلة لكنها في حقيقة الأمر أنها تتواصل وتتعامل مع أقرانها ليس بوصفها المظهري العام كوحدة منفصلة وإنما وحدة ذات عوالم متعدةة كامنة في الذات تتواصل مع أقرانها باللاوعي لكنه معبراً عنه في أنعكاس مقابل لصورة ذهنية في الوعي خلال قيم وأعراف وتوجهات لعوالم افتراضية ليس لها وجود ظاهري على أرض الواقع لكنها شاخصة بآلياتها المتعددة في الحياة اليومية التي تحيك شبكة العلاقات الاجتماعية غير المنظورة.
إن وجود عوالم متعددة في الذات المتوحدة ظاهرياً هي التي تمنحها القدرة على التعامل والتواصل مع كل العوالم المفترضة، فعالم الفضيلة قادر على التعامل والتواصل مع عالم الرذيلة ويتعايش معه ضمن المجتمع الواحد ولا يمكن أن يلغي أحدهما الآخر. فالسمات الأبرز في عالم الشر هي الخداع، والكذب، والنفاق، والحقد، والكراهية... وغيرها على الرغم من رفضها الكلي من عالم الفضيلة وإنكارها التام من الذوات المنتمين لعالم الفضيلة المفترض لكنهم أحياناً يلجئون إليها لتمرير مصالحهم في المجتمع ولا يعدّونها حينئذ نقيصة في ذواتهم فمن المعتاد في الحياة العامة التعامل مع الكثير من المنتمين لعالم الشر على الرغم من رفضهم.
هذه الازدواجية أو الثنائية في إتباع قيم عالمين متضادين في وقت واحد وحشد المبررات لاعفاء الذات من المحاكاة العقلية مرده الأساس ليس التناقض القائم بقدر ما هو انصياع وتأرجح الذات بين عالمين مفترضين يتعايشان في ذات موحدة مجازاً تخضع لهما تبعاً للظروف البيئية والاجتماعية والدينية لكن القبول بقيم عالم واحد مفترض بفرض سلوكه على الذات مرده الأساس المعرفة والارتقاء بالنفس لمراتب أعلى حيث تنحسر الرواسب الشريرة الكامنة لصالح الرواسب الخيرة الكامنة.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة ساخنة بين بايدن وترامب؟ | المسائية


.. الإصلاحي بيزشكيان والمحافظ جليلي يتأهلان للدور الثاني من الا




.. ميقاتي: لبنان سيتجاوز هذه المرحلة والتهديدات التي نتعرض لها


.. حماس تدعو الأردن للتحرك من أجل مواجهة مشروع ضمّ الضفة الغربي




.. أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطيين في حال أرادوا استبدال