الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طاجيكستان تحظر تعليم -مبادئ الإسلام- منزلياً

عماد الدين رائف

2010 / 7 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يستمر التخوف من انتشار العنف على خلفية "التطرف الإسلامي" في آسيا الوسطى. ويمكننا القول إن جمهورية طاجيكستان، وبعد مرورها بحرب أهلية ضروس أوائل تسعينات القرن الماضي بعد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي السابق عام 1991، استطاعت تحت لواء رئيسها الحالي إمام علي رحمانوف، والمستمر في حكمها بيد من حديد منذ 1994، أن تعود إلى حالة من الاستقرار، المشوب دائماً بالترهيب من "صحوة دينية" باتت مرتبطة بعودة الحرب الأهلية إلى الأذهان.
وأرست التعديلات الدستورية في الأعوام 1994، 1999 و2003 علمانية الدولة، فنظمت عملية تعليم اللغة العربية والعقيدة الإسلامية بشكل صارم، في مدارس دينية متخصصة تخضع لرقابة السلطات. واعتبرت السلطات اللغة العربية مدخلاً يقود نحو التطرف فبات متعلمو هذه اللغة تحت مجهر الدولة. ومنعت الطالبات من ارتداء الحجاب في المدارس الرسمية، وبات الحجاب "غير مقبولاً" وينتهك الدستور العلماني، علماً بأن حوالي تسعين بالمئة من سكانها مسلمون. وتعتبر السلطات الطاجيكية قد نجحت إلى حد بعيد في إبعاد جيل كامل لست عشرة سنة عن "منطلقات التطرف"، التي تتمثل في "اللغة" و"الدين".
لكن، يبدو أن الأمر ليس كذلك، فقد تفلتت الأقاليم البعيدة عن العاصمة دوشنبه، مبتدعة طرقاً أخرى للوصول إلى تعليم الأبناء والبنات مبادئ الإسلام ولغته. ومع ضآلة المعلومات التي يمكن أن تصل إليها الصحافة المقننة في تلك الجمهورية، خاضت الزميلة الأستاذة تيلا رسول زاده، العاملة في وكالة "فرغانه" للأنباء، غمار تحقيق صحافي استمرت في العمل عليه لثلاثة أشهر، أنقل لكم جانباً منه، وذلك إثر صدور قرارات بتجريم من يعلم مبادئ الإسلام في منزله، وكذا تجريم أولياء أمور وأهالي التلامذة الذين يرسلون إلى منازل معلمي الإسلام والعربية.
فقد بدأ المسؤولون عن إنفاذ القانون في شمال جمهورية طاجيكستان، في آسيا الوسطى، أوائل شهر أيار/ مايو الماضي، بتنفيذ عملية أمنية خاصة حملت عنوان "عملية المدارس الدينية"، وذلك في إطار إقفال المدارس الخاصة غير القانونية. هذه "المدارس"، ذات التوجهات الإسلامية، يرتادها أطفال (دون ستة عشر عاماً)، ويتلقون دروساً على أيدي معلمين مدربين يجيدون اللغة العربية، ويحظون بالاحترام والتقدير من محيطهم.
وفي السادس والعشرين من أيار/ مايو الفائت، وخلال متابعة تنفيذ هذه العملية، تبين أن المواطن معروف رازقوف، القاطن في مقاطعة سرح اسفارينسك، كان يدرّس عدداً من الأطفال مبادئ وأساسيات الإسلام تتراوح أعمارهم بين 8 و 16 عاماً، وأنه ارتاد هذه "المدرسة" 20 متعلماً. وكأدلة على جرمه، صودر من دارته عدد من الكتب "الدينية الطابع". هذا ما تردد، وفق معلومات صحفية موثوقة في محافظة صغد الطاجيكي. ووفق معلومات مصادر لوكالة "فرغانة"، احتجزت السلطات رزاقوف بموجب المادة 474 من قانون العقوبات الطاجيكستاني. وأن دعوى المدعي العام ضده أرسلت إلى محكمة مدينة إسفار.
وكجزء من هذه العملية الأمنية، وقبل ذلك بأربعة أيام، تم تعليق الدروس في منزل المواطنة ي. ر.، في اسفارينسك، الذي ارتاده بشكل منتظم عدد من التلميذات، منهن فاطمة (15 سنة)، مهينة (10 سنوات)، مالينا (16 سنة) وتخمينة (14 سنة)، وصادرت السلطات الكتب التعليمية. ورفع الادعاء العام دعوى على المواطنة ي. ر. بموجب المادة 474 كذلك، من قانون العقوبات. كما طالت هذه العملية مدرسين آخرين في مقاطعات بوغوجدان غفور، اسفارينسك و ماتشنسك.
وبالإضافة إلى ذلك، هدد المدعون العامون أولياء أمور التلاميذ الذين يمنعون أولادهم من الالتحاق بمدارس التعليم الرسمي في مقاطعات ماتشنسك، استرافسانسك واسفارينسك بالمحاكمة، بموجب المادة 164 من قانون العقوبات كذلك، والمتعلقة بإعاقة الحصول على أساسيات التعليم العام الأساسي (حتى الصف التاسع). وفي حال ثبوت الجرم على الأهل يغرمون بدفع ألفي ضعف الحد الأدنى للأجور أو بالحبس لمدة تصل إلى عامين.
ووفقا لمدير "مدرسة مصلح الدين الدينية" (المرخصة من قبل السلطات) في مدينة خودجاند، عارفجان بايزويف، تعمل في مقاطعة صغد ثمانية مدارس دينية. وفي مدرسة خودجاند تتعلم تسعون فتاة، و65 فتى، أنهى 9 منهم تعليمه في هذه المدرسة. يقول بايزويف: "نعمل على تعليم طلابنا في إطار صارم، متبعين القوانين والتشريعات المرعية الإجراء. فإذا كان هنالك من يرغب بتنظيم دورات تعليمية حول مبادئ الإسلام، ينبغي عليه أن يقدم تصوراً حول هذه الدورات في دائرة الشؤون الدينية التابعة لحكومة جمهورية طاجيكستان. ولا يمنح إذنا بتعليم الأطفال إلا بعد تقديمه للامتحانات والوثائق المطلوبة".
"ولكي لا يتم تجنيد هؤلاء الأطفال الممنوعين من الدراسة المنزلية من قبل منظمات متطرفة"، يضيف بايزويف، "ينبغي، كبداية، أن يترددوا على المساجد الجوامع، ومن ثم تهيئة البيئة الملائمة، التي من خلالها يمكنهم تلقي مبادئ الإسلام الصحيحة. ويمكن كذلك لموظفي هذه الجوامع، وممثلي المدارس الدينية إرشاد من يرغبون في الحصول على المعرفة اللازمة. وقد صدر عدد من الكتب اللازمة، التي تخول المبتدئين دراسة الإسلام من دون مرشد، إذا كانت الرغبة في التعلم والموهبة متوفرتان لدى المتعلم". يضيف: "أما الفتيات فيمكنهن التوجه إلى مدرسي العلوم الدينية الثلاثة عشر في مدرستنا".
ويرى الخبراء أن مجموعة الشباب الذين يرغبون بتلقي العلم الدينية في المنازل لا تمثل نسبة كبيرة، ولكن نسبة الراغبين والراغبات في الانخراط في التعليم الديني في المدارس، أو الذين ينهون علومهم الدينية المدرسية والجامعية داخل طاجيكستان وخارجها يزدادون بشكل مطرد سنويا. أضف إلى ذلك أولئك الذين يعلمون أطفالهم بأنفسهم، بدون أي رقابة ولديهم الحق في ذلك، تعليم الإسلام.
وينطلق الباحث السياسي الشاب إلهام يعقوبوف من المادة الدراسية الجديدة التي أضيفت إلى المنهاج الدراسي الرسمي منذ مطلع العام الدراسي الماضي 2009 – 2010، وهي بعنوان "التربية الإسلامية"، ويرى أن "34 حصة دراسية خصصت لهذه المادة سنوياً هي غير كافية لمعرفة الإسلام من قبل المتعلمين. وأنه ينبغي زيادة تلك الحصص، وليس في الصف الأساسي الثامن فحسب"، كما هو الحال الآن، إنما "أن يتم البدء بتدريس هذه المادة على الأقل من الصف الأساسي الثالث حتى المرحلة الثانوية".
"ويجب البدء أولاً بتدريب وتأهيل المعلمين أنفسهم"، كما يقول يعقوبوف، "فليس كل مدرس، أو باحث أو مستشرق، لديه القدرة على تدريس هذه المادة، فالمعرفة للمعرفة أمر جيد، لكن المعلم ينبغي أن يكون مقتنعاً بما يعلم، وأن يكون ذا غنى روحي".
ويرى رئيس قسم التعليم في مقاطعة صغد سعيد مختار جلالوف، أنه "نمت لدى المواطنين، ومن بينهم الأطفال، اليوم أكثر من أي وقت مضى رغبة في التعرف إلى الإسلام. وذلك بالنظر إلى الدرجة العالية من التحفيز التي صاحبت تعميم مادة التربية الإسلامية على تلامذة الصف الأساسي الثامن، بدلا من تدريس مادة تاريخ الأديان". ووفق التعليمات التي وضعتها وزارة التربية والتعليم، "حصرت تعليم مادة التربية الإسلامية بمدرسي اللغة الطاجيكية، التاريخ والحقوق، أي أنها وضعت هذه المهمة بعهدة أناس لديهم مهارات تعليمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدرس الأول من هذه المادة ليس مطلوباً من التلامذة، وهو يتعلق بأحكام الطهارة والوضوء".
يضيف جلالوف: "حول الأهل الذين يرغبون في إرسال أطفالهم، الذين درسوا هذه المادة في المدرسة الرسمية، إلى منازل بعض المعلمين، ليس لدينا اليوم أي معطيات حول عدد الأطفال ممن هم في عمر الدراسة ويرتادون الدروس الخصوصية تلك. بل على العكس من ذلك، أعرف أن كثيرين من أولياء الأمور يرغبون بأن يتلقى أطفالهم المعارف الدينية في المدارس النظامية العلمانية. لكن الواقع يشير إلى أن عدداً من أولياء الأمور يرغب بتحديد المواد التي يتلقاها أولادهم، وهم يقومون بإرسالهم إلى تلك الدروس الخصوصية. وعندما يثبت ذلك عليهم، نتوجه نحن بأنفسنا إلى المدعي العام الحكومي أن يتخذ خطوات لمنع وقوعه. وفي العام الماضي رصدنا 229 ولي أمر ثبت عليه ذلك، وهذا العام 69. والحديث يدور هنا عن الأطفال ممن هم بين 7 و15 عاماً، فبجرم الأهل لم ينخرطوا في التعليم النظامي، ولدينا مشكلة تعليمية خاصة مع الفتيات اللواتي تلقين ذلك النوع من التعليم لتسع سنوات".
ويعتبر جلالوف أن "تلك الدروس الخصوصية لم تكن لتؤثر سلباً على الأطفال لو أنها نظمت من قبل أناس عاديين، والمشكلة تكمن في كونهم متطرفين راديكاليين، ولا يدرسون الإسلام المعتدل، ولو أن العكس كان صحيحاً لما منعوا من ذلك. فيمكنهم أن يحصلوا على إذن بالتعليم، كي لا يتسبب تعليمهم بالفوضى في البلاد".
ويعتقد خبراء مستقلون أن لدى أولياء الأمور الذين يتلقى أطفالهم التعليم الأساسي الرسمي متطلبات حقيقية وواقعية. فالمدرسة لا تحقق رسالتها الأساسية وجوهرها التربية ونقل المعرفة. ففي المدارس النظامية يتزايد تسجيل حالات من الفتيات الحوامل، وجرائم مختلفة يقوم بها الأطفال. ومع تسجيل تراجع في احترام مهنة التعليم في الآونة الأخيرة واحترام المعلمين، ترك مئات المعلمين من ذوي الخبرة في البلاد هذه المهنة إلى الأبد. وحل مكانهم خريجو الثانوية العامة، الذين لا يمكنهم بطبيعة الحال تلبية احتياجات التلاميذ وأولياء أمورهم، بمهاراتهم التعليمية المتواضعة إن وجدت.
ولا يوافق على ذلك، رئيس قسم التعليم في وزارة التربية في المقاطعة، فهو مقتنع بأنه "ينبغي محاسبة كل المجتمع على انهيار الأخلاق الحاصل. فالتلاميذ يبقون في المدرسة فقط لست ساعات، وفي باقي الأوقات هم تحت نظر الأهل والمحيط"، كما يقول جلالوف.
وقد نشأ حظر الدروس الخصوصية بالأساس، لأن وزارة التربية والتعليم في جمهورية طاجيكستان تعتزم تحقيق إلزامية التعليم العام، (في برنامج إلزامية التعليم لعشر سنوات)، يبدأ تطبيقه مطلع العام الدراسي المقبل في الأول من أيلول/ سبتمبر 2011. على أن تنتقل إلى خطة رفع مستوى التعليم الإلزامي لـ 12 عاماً في العام 2014. وهنا ينشأ سؤال يثير الحيرة والتناقض: هل ستزال العقوبات المفروضة على أولياء أمور التلاميذ الذين لا يريدون أن يتوجه أطفالهم إلى المدرسة؟ فبعد تمديد التعليم الإلزامي، لن يبتهج كثيرون منهم بالطبع. ومن المرجح أن يرتفع عدد أولئك الآباء والأمهات بشكل كبير.
وعلاوة على ذلك ، هناك مسألة أخرى لا تقل أهمية، فهل هناك رغبة لدى أولياء الأمور أن يتلقى أطفالهم التربية الإسلامية في المنازل من قبل معلمي الدروس الخصوصية؟ القانون لا يسمح. وباختصار، من سيساعد أولئك المراهقين الذين تعرضوا للتضليل على مفترق طرق التفكير : إلى أين نذهب؟ ومع من نذهب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليتها لنا
أحمد فرماوي ( 2010 / 7 / 17 - 08:29 )
أريد أن أعرف لو كانت هذه الحكومة الرائعة عندنا ماذا كانت فاعلة بالقنوات الفضائية التي تضخ الإرهاب طوال الليل وطوال النهار؟

اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا