الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلقة الدوائر

حسن الهاشمي

2010 / 7 / 19
المجتمع المدني



مادمنا ندعي إننا على أمة الإسلام سائرون، وعلى إثر نهجه ماضون، لابد أن نتحلى بالأخلاق الإسلامية، التي هي بلا شك أخلاق إنسانية نبيلة مرموقة إنما بلغت ما بلغت من العلو والشرف بفضل سيرة الرسول والأفذاذ من ذريته وصحبه المخلصين، وطالما طفق الكتاب العزيز بوصف سيد المرسلين بالخلق العظيم، وطالما وصف الرسول بعثته بأنها جاءت لإتمام مكارم الأخلاق، والذي ينتسب لتك المدرسة لابد أن يقتبس منها ما يؤكد انتسابه هذا ولو بنسبة معينة، ومازالت الأخلاق الفاضلة تهتف بالإنسانية أن تتقمصها لكي ترتقي الكمالات ودونها خرط للقتاد.
ونحن في زمن الديمقراطية ظهرت في أوساطنا نقيضها من الارستقراطية حيث نرى بعض الموظفين في الدوائر الحكومية وهو يجلس على كرسي الوظيفة وكأنه سلطان مارد! وطالما يجتر الظلم من قوم عاد وثمود ويتكبر على المراجعين ويستضعفهم ويستهين بهم، ويتصور أنه يحسن صنعا وأنه في منأى عن لوعة المظلوم وسخط الرب، والغريب أنه ومع كل هذا الإجحاف مع أبناء جلدته تراه يدعي الانتساب لمدرسة الرسول الأعظم وكأنما لم يقرأ سيرته الوضاءة! والحال أنه كان قائدا لأمة الإسلام وليس موظفا بسيطا في دائرة من دوائر الدولة!.
وجاء عن أنس أنه قال: كنت مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البُرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد إحمل لي علي بعيريّ هذين من مال اللّه الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا مال أبيك، فكست النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم قال: المال مال اللّه، وأنا عبده، ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟! قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحك النبي، ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً.
هكذا كان سيد المرسلين المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم الفضائل والخِلال، واستطاع بأخلاقه المثالية أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء اللّه تعالى عليه بقوله عز من قائل: (وإنّك لعلى خلق عظيم).
ولأننا لسنا ضربا من الخيال، ولأن فلسفة الوظائف في النظم والدساتير إنما دونت لإسداء الخدمة للمواطن وليس للتحكم بمصيره وإذلاله والتعالي عليه، فإننا بحاجة إلى ثورة أخلاقية في دوائر الدولة ترجعنا إلى أصولنا وأخلاقنا وتراثنا، وعلى جميع الموظفين العاملين في الدوائر الحكومية التحلي بالأخلاق الفاضلة، والابتعاد عن سوء الخلق، والابتعاد عن الرشوة والابتزاز والتكبر والاستهانة بحقوق الآخرين، فالإنسان إذا لم يلاحظ نفسه يتحول إلى طاغوت! والخطاب موجه إلى المسؤول من رأس الهرم إلى آخر شخص في الدولة، نحن بحاجة إلى ثورة أخلاقية في المدارس والجامعات والأسواق... ولابد من وجود نظم وقوانين تحفظ حقوق المواطن وتصون كرامته وهيبته لاسيما إذا راجع إحدى الدوائر الحكومية .. إننا بحاجة ملحة للعودة إلى الأخلاق الفاضلة ..
المواطن العراقي بات اليوم يتأرجح بين التأزم السياسي ونقص الخدمات وجفاء المعاملة من بعض الدوائر الحكومية!! وعلى المسؤول أن يتحسس المعاناة التي يواجهها المواطن ولاسيما الفقير والمسن والمريض الذي يتقلب من أزمة إلى أزمة تزيده هما على همه وغما على غمه! والمسؤول مطالب بالذهاب إلى الأحياء الفقيرة والاستماع إلى مشاكل الناس ليقوم بحلها لا أن يجلس في برجه العاجي أو يتحكم بالمصائر والناس بحاجة إليه! فالتخفيف عن المواطن يتحقق بالمواصلة معه وتقديم الخدمات له ومعاملته بأخلاق طيبة لا فضة وببشر لا بعبس، طبعا ضمن ما يتيحه له القانون والأخلاق، وليعلم إن المسؤولية التي ترفع صاحبها إلى مصاف الأنبياء والعظماء هي تقديم الخدمة للناس لا التسلط عليهم وجرهم إلى متاهات المجهول.
ولا بدع فالأخلاق الفاضلة هي التي تحقق في الإنسان معاني الإنسانية الرفيعة، وتحيطه بهالة وضّاءة من الجمال والكمال، وشرف النفس والضمير، وسمو العزة والكرامة، كما تمسخه الأخلاق الذميمة، وتحطّه إلى سويّ الهمج والوحوش، وليس أثر الأخلاق مقصوراً على الأفراد فحسب، بل يسري إلى الأمم والشعوب، حيث تعكس الأخلاق حياتها وخصائصها ومبلغ رقيها، أو تخلفها في مضمار الأمم، وقد زخر التاريخ بأحداث وعبر دلّت على أنّ فساد الأخلاق وتفسخها كان معولاً هدّاماً في تقويض صروح الحضارات، وانهيار كثير من الدول والممالك: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم*** فأقم عليهم مأتماً وعويلا.
حسن الخلق هو حالة تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، لا فرق في ذلك سواء أكان من الأب حيال أولاده وأهله أو من الموظف حيال مراجعيه أو البائع حيال المشترين، وكما عرّفه أحد عظمائنا حينما سُئل عن حدّه فقال: تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن.
من الأماني والآمال التي يطمح إليها كل عاقل حصيف، ويسعى جاهداً في كسبها وتحقيقها، أن يكون ذا شخصية جذّابة، ومكانة مرموقة، محبباً لدى الناس، عزيزاً عليهم، وإنها لأمنية غالية، وهدف سامي، لا يناله إلا ذوو الفضائل والخصائص التي تؤهلهم كفاءاتهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة، والتي نأمل أن يتقمصها المسؤول في الدولة العراقية، ولا يحصل ذلك إلا من خلال انفجار قنبلة أخلاقية في دوائرنا لتقضي على كل فاسد متقطب الوجه وتبقي على كل صالح بشر المحيا والطلعة والخصال، هذا هو قدرنا طالما ننشد الدولة المدنية التي تحافظ على كيان البشر من النيل والانتهاك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة


.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر




.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ