الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن المُتعنونين!

شريف حافظ

2010 / 7 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت أغلب أوقات الماضي هادئة. لم تنشب المشاكل الدينية، لأن كل شئ كان يمضي وفقا لمنظومة، إتفق عليها الجميع، وكأنها عقد إجتماعي ثابت، لا يخرج طرف من أطرافه عليه. كان الأمر يسير وفقا للمقدس عبر العقود والسنين وكان التغيير المتطور على هذا الماضي، يجري وفقا للإجتهاد الناظر إلى طبيعة المجتمعات، لإخراجها من قيودها والتوسيع عليها، حتى لا تترك الملل وتذهب إلى ساحة الكفر الواسعة. كانت تصرفات الإنسان غير مراقبة ولا مكبلة وفقا لمؤسسة دينية أو أفراد نصبوا أنفسهم آلهة فوق رؤوس العباد. والإنسان أينما كان يعرف، أنه طالما عاد إلى الماضي، عاد إلى الطُهر الإنساني، ولكن العودة إلى هذا الطُهر، يستلزم إعادة الظرف كما كان عليه وقت هذا النقاء. إلا أن العودة بالظرف يكاد يكون مستحيل، نظراً إلى ما آلت إليه حضارة الإنسان من سرعة الحركة وتطور المفاهيم، حتى أن المصطلحات المجردة جوهرها تطور، ليصبح الحق الإنساني مُتاح للجميع، بما في ذلك المنحرف والشاذ عن النمط البشري الطبيعي في بعض الحالات، وفي بعض المجتمعات وليس في كلها. إلا أن الأساس، أننا تغيرنا مع تغير مُعطيات العصور.

ويريد البعض اليوم "فرض" الطُهر الكامل علينا، غير عابئ بمعطيات الزمن وتغيراته. يريد ذلك، بينما لا يمشي في الشوارع والمدن وينظر داخل أوكار المرض الذي أصابنا. يريد أن يُملي إرادته وليس إرادة الدين، لأن الدين يطبق في أغلب بقاع العالم وفيه من المرونة، ما أدى إلى صلاح أكثر مما لدينا، لأن الحياة أكثر رغداً في أماكن أخرى ولأن الهدوء يعم بقاع أخرى، بينما نحيا في ظل فوضى في أغلب جوانب حياتنا. تلك الفوضى ليست وليدة بضعة سنوات ولت وإنما هي راسخة منذ ما يزيد عن الأربعين سنة. ربما منذ الهزيمة المدوية التي كفَرت الناس بأغلب علم الإنسان وتجربته وأججت مشاعر إستقاء كل شئ من الإله!

لم يكن الإسلام المتأثر الوحيد، بل تأثرت أغلب الأديان، حتى دين المنتصر، أصيب بالعنجهية، حتى أنه شعر بالفعل وكما ينطوي إسم "إسرائيل"، بأنه هزم الإله، فأصبح هو "يهوه" الإله، والعياذ بالله! أصبح لرجال الدين اليد العليا في تحريكنا ووضعنا مكان ما يريدون هم، لأن القدسية إنتقلت مع الوقت إليهم، فصاروا هم الآلهة! إنهم يريدون لنا أن نركع ونبيع دنيانا لهم وما أن نركع لهم، سيهبونا الجنة التي هم بها موعدون. إنهم أصبحوا أكثر قوة من الملوك والرؤساء، حتى إنضم الأخيرون إلى اللعبة، فصاروا يلعبونها أيضاً وأصبح النص المُرشد للصلاح هو سيف مسلط على العباد، فان لم يرضخوا له، وضعوا في زنازين الشك والإتهام بالكفر، بعيداً عن روح النصوص! إنه زمن تلقين الحروف وليس فقط كلمات النصوص، وإن أخطأت حرفاً أصبحت خارجاً عن ملة الآباء والأجداد، ولا يهم ما آلت إليه الحياة من حداثة!

ستُفهم كلماتي بمنطلقات مختلفة، لأن أغلب الناس، لا يجيدون القراءة، ولا تهمهم الصياغة، ولكن الحروف هم يعبدون! فأنا أعرف أن ما يدينون به ليس الدين، ولكن يعشقون الوقوف تحت العناوين، هذا مسلم وهذا مسيحي وهذا يهودي، إسماً وليس فعلاً، لأن الدين التسامح والتماشي مع التطور الحكيم، وليس العشوائي للحياة. فهو لا يسمح بالعهر ولكن بالفضيلة، إلا أنك طالما مارست العهر سراً وليس علناً، فان الواقفون تحت العنوان يُسلمون لك بعبادة الحروف، ولا يهم أن تعبد الله، فتلك ليست قضيتهم، ولكن "شكلك" وأنت واقف تدافع عن العنوان! قل علناً ما يريدون، وأفعل سراً ما تريد! هذا هو التعريف الجديد للدين، وإياك أن تطالب بحق الإنسان تحت "مظلة" دين غيرك، وإلا خرج عليك مشجعي "العنوان" وقالوا لك: تكلم عن عقيدتك! هذا فريقنا نحن وليس فريقك! وأتصور أن يخرج المشجعون يوماً هاتفون: بيب بيب إسلام أو بيب بيب مسيحية!

إنه منطق اللامنطق، ومعركة الإحتماء بالعنوان في زمن الفوضى! إنه منطق الخوف على الهوية المصطنعة، وليس الهوية الحقيقية المتمثلة في الإنسان! إنه الخروج للحرب من أجل الأجوف على حساب المضمون، لبناء مجتمع مفتت، كي تنتصر العناوين على حساب الإنسان! إنه زمن "المُتعنونين" وليس زمن الحقيقة! إنهم يريدون لنا أن ندحر الحق والعدل والخير في ظل تعريفات جديدة تبدو في النور بما لا تبديه في الظلام! كل هذا باسم الدين والدين براء، لأن الدين كان ولا زال، لإرشاد الإنسان إلى الصلاح وليس تفشي الظلم وإعلاء إنسان فوق آخر في الدنيا وفقاً لقواعد الخضوع!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لقد اصبت كبد الحقيقة
شاهر الشرقاوى ( 2010 / 7 / 25 - 17:39 )
احييك الاخ الفاضل على موضوعك الموجز الرائع
فخير الكلام ما قل ودل
هذا فعلا هو روح الدين
الحق والحقيقة .والامانة والصدق
الصدق مع الله ومع النفس ومع الناس فى كل امر من امور الدنيا والاخرة
الدين فى جوهره وفى اصله كما تفضلت حضرتك واوضحت
الاخلاص
والاخلاص سر من اسرار الله يوضعه الله قلب من احب من عباده ..لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده

جعلك الله منهم يا اخى الفاضل
والسلام عليكم

اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا