الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوقيت الحائر !

عادل عطية
كاتب صحفي، وقاص، وشاعر مصري

(Adel Attia)

2010 / 7 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



في عام 1784 ميلادية ولدت في عقل بنيامين فرانكلين فكرة نظام التوقيت الصيفي،
عندما كان سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية في فرنسا ..
ربما لأنه رأى ولع الباريسون لأنوار الشموع الفارطة كالنهار .
وربما لكونه صاحب المثل الشهير، والذي يقول : "النوم أو الذهاب للفراش مبكراً والنهوض منه مبكراً يجعل الإنسان صحيح البدن سليماً معافى، وثرياً، وحكيماً" .
ولكن هذه الفكرة بقيت في مكانها تتوهج أحياناً وتخفت أحياناً أخرى .
وبعد مضي حوالي 132سنة ،
أقتنعت ألمانيا بها، ونفذتها أثناء الحرب العالمية الأولى .
ومع أن التوقيت الصيفي هو تغيير التوقيت الرسمي في الدولة لمدة عدة اشهر من كل سنة، بزيادة ساعة لتبكير أوقات الشغل والفعليات العامة الأخرى؛ لكي يتم أكثر منها أثناء ساعات النهار التي تزداد تدريجياً من بداية الربيع حتى ذروة الصيف. ومع أن عالمنا الشرقي كان أحق بتطبيقه؛ لكوننا نحتكر الشمس الساطعة أغلب أيام السنة .
مع ذلك تأخرنا طويلاً !
بل وعندما طبقته مصر للمرة الأولى إبان الحرب العالمية الثانية من منتصف إبريل إلى منتصف سبتمبر في عام 1941 وحتى إنتهاء الحرب، بدأت حرب من نوع آخر ضده، فقد ألغي مراراً وتكراراً وأعيد العمل به أكثر من مرة، دون أن يشرح أحد للناس : "لماذا"؟!..
ومع أن الحديث عن التوقيت الصيفي يبدو نوعاً من الترف الفكري، كتعبير مهذب عن الهرب من مناقشة قضايا حياتية ضاغطة، لكن لا بد من تقييم تطبيق انجزناه ؛ لنكتشف أننا لم نفلح في الاستفادة منه؛ فالأنوار تضاء بإهمال في كل الأماكن الحكومية في وضح النهار، وأجهزة التكييف لا تزال تسخر من اصحاب القرار !
الشيء الوحيد الذي نحصل عليه، لكي نكون منصفين، هو أننا نذهب إلى أشغالنا وأعمالنا ونعود منها قبل أن تشتعل الشمس !
وإن كان التوقيت الصيفي منحنا مظلته من عين الشمس الحامية لمدة ساعة من الزمن، غير أنه أشعل في فكرنا أكثر من نزاع :
فكعادة شرقنا المتدين وغير المستنير، ادّعى البعض أن تقديم الساعة ساعة : "حرام"، معتبرين أن ذلك يعد تلاعباً في الزمن كما أوجده الله . وهذه نكتة سخيفة؛ لأن تقديم الساعة أو تأخيرها لن تغير من السنن الكونية في شيء . وإلا أصبح المُعلّم الذي يُعلّم أولادنا قراءة الساعة على ساعة الحائط بالمدرسة من المبتدعين الكافرين !
كما أثار في أيامنا هذه لغطاً آخر، على خلفية نيّة الحكومة منح التوقيت الصيفي إجازة قصيرة طوال شهر رمضان ويعود إلى مواصلة عمله مع بداية عيد الفطر المبارك ، ثم يعود بعد ذلك إلى بياته الشتوي في أول أكتوبر .. ويبدو أننا استمرأنا اللعب بعقربي الساعة دون خوف أو وجل ؛ كونهما ليسا من عقارب الصحراء اللاهبة، وليسا لديهما خاصية الأذية والموت !
لكن تبقى ممارسة تحريك العقارب، بالنسبة لي على الأقل، شيء ممل ومضيعة للوقت، إذ يتوجب عليّ تقديم أو تأخير عقارب الساعة لأكثر من ساعة حائط في بيتي، مع ساعة اليد، وساعة المنبه، وساعة المقلمة، وساعة المحمول، أضف إلى ذلك ساعات أخرى : كساعة التلفاز، والريسفير، والفيديو .
فلماذا لا نوفر على أنفسنا مثل هذه الأمور الباطلة، بأن نبقي الساعة كما هي دون تقديم أو تأخير؟!..
وإن كان ولابد من الإستفادة من النهار الأطول في الصيف ، فما علينا سوى تعديل المواعيد ، فنعلن للموظفين أن مواعيد العمل تبدأ من الساعة السابعة صباحاً بدلاً من الساعة الثامنة، وتنتهي الساعة الواحدة بعد الظهر بدلاً من الثانية بعد الظهر، وعلى هذا المنوال تحرك كل الجهات المعنية مواعيدها بالتبكير ساعة أو أكثر .
فإن فعلنا ذلك، نكون قد أرحنا أنفسنا، وحافظنا على وقتنا ، وعلى سلامة ساعاتنا، ورحمنا العم بنيامين فرانكلين وشركاه من العتاب القاسي !...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممزق الأحشاء وفاقد البصر.. الشاب الغزاوي رامي ضحية جديدة للا


.. فيضانات ودمار خلفه إعصار خلال مروره بجزيرة بربادوس في البحر




.. إعصار كارثي محتمل يضرب الولايات المتحدة


.. خارطة بالقواعد الأميركية المنتشرة في الدول الأوروبية.. وعدد




.. الخارجية التركية: جهود تركيا ومواقفها الراسخة من أجل الشعب ا