الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معيار الفضيلة والرذيلة في المجتمع

صاحب الربيعي

2010 / 7 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن ثنائية الفضلية والرذيلة بمثابة قيم أنتجها المجتمع خلال سلسلة زمنية طويلة من تاريخه لتحكم العلاقة بين أفراده ولا ينكر جذرها الديني، فهي لا تصلح قاعدة عامة لكل المجتمعات البشرية، لاختلاف منظومة قيمها الاجتماعية والدينية لكنها تنطلق من ذات المنطلقات في تفسير الظاهرة والأحداث والسلوكيات والتصرفات للبشر وتصنفها تصنيف منسجم مع أعرافها وقيمها. وليس بالضرورة أن تقر كل الفئات الاجتماعية بالتفسيرات والتصنيفات ذاتها تبعاً لمستوى وعيها وتمسكها أو تحررها من قيود القيم الاجتماعية الصارمة المتعارضة مع التطور الراهن خاصة منها الحريات الشخصية فقد تكون فئة اجتماعية أقل صرامة بتمسكها للقيم والعادات الاجتماعية الخاصة بالعلاقة بين الرجل والمرأة ولا تجدها انتهاكاً لعالم الفضيلة وعلى خلافه تجدها فئة اجتماعية أخرى.
وبما أن القيم الأخلاقية للمجتمعات المختلفة قيماً نسبية مرتبطة بثقافة المجتمع والفترة الزمنية التي قطعها في الارتقاء بمستوى وعيه لا يمكن عدّها مسطرة قياس لتصنيف البشر، فقد يعدّ مجتمعاً ما أن من أولوياته رفض الكذب، والغش، والخداع، والنفاق... يليها ما يصنف على أنها قيماً أخلاقية متعلقة بالعلاقة بين الجنسين، وعلى الضد من ذلك تجد المجتمعات المتشددة أن أولوياتها الالتزام بقيم الفضيلة والرذيلة بوجوب الفصل بين الجنسين يليها الكذب، والغش.... .
يقول (( نيتشه )) " ليس النفاق انحطاطاً للفضلية وحسب، بل وبنسبة كبيرة شرطها الأساس ".
لذلك لا يمكن التعويل بصورة كاملة على قيم الفضيلة والرذيلة بخاصتها النسبية وعدّها الأساس للاصلاح الاجتماعي على الرغم من أهميتها في صياغة القوانين الوضعية لتحديد نسبة الضرر للأفراد والجماعات فمثلاً يبالغ المجتمع المتخلف عادة بخصال فرد ما لتمسكة بقيم الفضيلة، وفي المقابل قد يبالغ في تحقيره لفرد آخر لاتباعه قيم الرذيلة في سلوكه اليومي. وتلك الأحكام في الغالب لا تكون منصفة لأنها تغض الطرف عن إرتكاب الرذائل من المتنفذين في المجتمع وتبالغ بالمديح في خصالهم الفضيلة وتقسو على غير المتنفذين في المجتمع عند ارتكابهم لسلوك رذيل، ولا تهتم بذكر ممارستهم للفضيلة.
في حين أن القانون الوضعي لا يهتم أن يكون الفرد متبعاً لقيم الفضيلة أو الرذيلة بقدر اهتمامه بسلوكه وممارسته التي تضر الآخرين فيسعى لردعها. وقد تكون أحياناً العقوبة الاجتماعية أقسى من عقوبة القانون لأنها عقوبة لا تتحدد بفترة زمنية وقد تلاحق الفرد لأجيال قادمة إن كانت مخلة بالشرف وأعراف وقيم المجتمع والمصنفة ضمن قيم الرذيلة، وعقوبة القانون لفعل الانتهاك والاضرار بالآخرين مشرع لها بفترة زمنية محددة يعود الفرد بعدها يمارس حراكه في المجتمع من دون نبذ اجتماعي.
يرى (( كونفوشيوس )) " أن الإنسان بفقدانه للفضيلة يدين نفسه بنفسه، ويعترف بذنوبه ويقر بإنحداره إلى أسفل الدرك الاجتماعي ".
إن نسبية قيم الفضيلة والرذيلة تجعل أحكامها نسبية أيضاً وليست قاطعة بشأن سلوك أو ممارسة ما فتخلق حالة ازدواجية في اطلاق الاحكام على السلوكيات والممارسات اليومية لأفراد المجتمع، فالبعض يصنف الكذب نوعان، كذب أبيض وكذب أسود، فالكذب الأبيض مسموح به ولا يعدّه من الرذائل طالما لا يسبب الأذى الكبير. في حين يجد البعض الآخر أن الكذب ليس له لون ومدلوله الكذب ليس إلا وأنه من الرذائل. وتؤدي إزدواجية اطلاق الأحكام في معظم المجتمعات المتخلفة لتبرير السلوك الشائن و تحيده عن مسار الرذيلة واستنكاره عند الآخرين، ولربما أصبح الكذب جزءاً من سلوك وممارسة الكثير من البشر لأنه أداة للكسب من خداع الآخرين ولم يعد يخجل فاعله طالما أغلب أفراد المجتمع يمارسه يومياً وتناسل الكذب حتى أصبح البعض يكذب على نفسه كذبةً ويصدقها فيما بعد.
يعتقد (( معروف الرصافي )) " أن الإنسان إذا فسدت أخلاقه جاز أن يكذب على غيره ولكنه مهما تناهت في الفساد أخلاقه لا يجوز عقلاً ولا عادةً أن يكذب على نفسه ".
إن الاحتكام إلى العقل في إدراك قيم الفضيلة أو الرذيلة ومن ثم جعلها سلوكاً وممارسة يومية يدل على الارتقاء بمستوى وعي الفرد الذي يعدّ السلوكيات والممارسات التي تسبب الأذى النفسي للآخرين أو الجسدي صورة من الرذيلة وكل سلوك وممارسة تفيد الآخرين تعدّ صورة من الفضيلة.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن