الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية والدين واليسار

حميد المصباحي

2010 / 7 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




العلمانية والدين
لم تظهر العلمانية في الغرب كرد على رفض المجتمع الأروبي لما هو ديني كما اعتقد الكثير من المفكرين العرب,بل كانت نتاجا لمخاضات تاريخية وثقافية توجت في الأخير بالحسم السياسي لعلاقة الدولة بالدين,أما المجتمع فبقي حرا في اختياراته الدينية العقدية التي اعتبرت مسألة شخصية لادخل للدولة فيها من بعيد أو قريب,لكن الحسم السياسي تفاعل مع التحولات الثقافية التي عاشتها المجتمعات الغربية,المدعومة بالإكتشافات العلمية وما تلاها من صراعات ضد سلطة الكنيسة المحتكرة للتأويل الديني المطلق الصلاحيات والحقائق الكونية الغير القابلة للمراجعة والمساءلة العلمية,وهي عملية ليست معزولة عما عرفه الفكر الغربي من مناوشات بدأت على جميع المستويات الفنية والأدبية لتنتهي بالتمهيد لما هو علمي,فلكي طبيعي وحتى طبي,لم يحدث أن تفاعلت كل هده العوامل صدفة,بل هناك ممهدات تاريخية,غالبا ما يتناساها المفكرون العرب,فالغرب في تاريخه السياسي,عرف التجربة الرومانية التي تبنت الديانة المسيحية رسميا حفاظا على وجودها السياسي الحضاري,لكنها عرفت أيضا التجربة اليونانية الديمقراطية,فالمقارنة كانت حاضرة في الوعي التاريخي الأروبي,وهي الحاسمة,لأنه وجد أمامه خيارين على الأقل,دعم أحدهما بالعلم والمعرفة للإنتصار له وتجاهل غيره,بينما نحن في العالم العربي بشكل عام لم نجد في التاريخ المصرح به إلا تجربة واحدة,هي تجربة الخلافة المعتبرة مقدسة وغير قابلة للنقد,ومع دلك فإن هنا دولا في عالمنا العربي طمس تاريخها السياسي ما قبل الإسلامي لأجل هده الغاية,كالعراق ومصر والمغرب وإيران وكأنها لم تعرف الدولة إلا مع الفتوحات الإسلامية,وهو حكم فيه من السياسة أكثر مما فيه من التاريخ,وهو حكم مشوه للحضارة والوجود الإنساني،بل يقدم دليلا على أن مفهوم الدولة لم تعرفه مجتمعاتنا العربية إلا بظهور الإسلام,مما عقد مهمة الباحث والسياسي والمفكر أيضا,بل خلق خلطا بين الحقيقة التاريخية والأوهام السياسية التي دعمتها دول العالم العربي ودعمت بها الحركات السلفية السياسية فيه,فجعلت منها الوريث المنتظر لتجربة الخلافة بل وتحولت إلى مهدد لها من خلال هدا الوهم السياسي المزعوم,مما عقد مهمة اليسار العربي,وأعاق رسالة التقدم التي جاء من أجلها.بل حتى اللحظة فإن التطور السياسي يعرف العديد من الهزات بسبب نمو الفكر التقليدي وتبعاته الثقافية والسياسية.كما أن اليسار العربي المتأرجح حاليا بين الشيوعية والحركات الإشتراكية الديمقراطية المتحولة في الكثثير من الدول العربية إلى قوى حداثية اختزلت قوتها في مجرد الدعوة إلى تحديث الدولة.وتطويرها تفاديا للعنف والمواجهات بتفعيل الديمقراطية والتمثيلية السياسية ,وقد اختلفت التقديرات السياسية لهده المرحلة السياسية,من منطلق أن المنطقة العربية لم تعد في حاجة إلى المزيد من التقاطبات الحادة بين السلطة السياسية والأحزاب دات التوجهات الإيديولوجية الشيوعية أو حتى الإشتراكية الديمقراطية,كما أن العولمة وما فرضته على العالم من إعادة الحسابات الإقتصادية والسياسية لم تساعد على بلورة رؤية سياسية لليسار العربي,الدي مني بهزيمة بعد مشاركته في اللعبة السياسية الإنتخابية وحتى الدي حقق تفوقا على مستوى التمثيل السياسي وجد نفسه في مواجهة مناضليه الدين أعجبوا باللعبة الديمقراطية فتفننوا في الدفاع عنها باسم الوطنية والحرص على المسارات السياسية الخالية من العنف والمواجهات الدامية مع أنظمة الحكم القابلة للدمقرطة والتحديث السياسي على المدى القريب والبعيد,كل هده الرهانات جعلت الحركات السلفية تنتزع المبادرة من اليسار وتنخرط بقوة في لعبة العنف وحتى المشاركة السياسية التي اختبرتها في العديد من الدول العربية وغير العربية,لكن شقها السلفي الجهادي لازال يتحرك بقوة,وينتظر الفرص للنيل من الأنظمة السياسية والمجتمع المدني دي التوجهات العلمانية وحتى الحداثية التي تحاول افتعال صراع ضده لتوهم أنظمتها بوحدة العدو وربما المصير على حد زعمهم,ناسية أو متناسية أن الحركات الجهادية وجهت من طرف بعض الأنظمة العربية نحو الخارج,ومولت من طرف بعضها ضد البعض الآخر,ومع انسحاب الإتحاد السوفياتي وتراكم التجارب في المواجهات وجد الجيش السري نفسه عاطلا عن العمل,فتسلح ضد مواطنيه بحجة الإنتصار للدين وفرض سلطة الخلافة التي تغنت بها حتى بعض الأنظمة العربية ولازالت لحد الآن تدكر في المساجد ويصرح بأنها النموذج الأمثل والأصلح للنظم السياسية العربية والغربية ,وبدلك فإن المشكلة ازدادت تعقدا,وانضافت إليها عوامل جديدة,حتمت التعامل الإيديولوجي المتطور مع ما تعرفه المجتمعات العربية من تحولات عصفت بالكثير من القيم اليسارية والتقدمية التي طالما دافع عنها اليسار,وفرض بعضها في صراعاته مع بعضه وضد خصومه السياسيين وحتى الطبقيين,لكن هدا التراث لم يستثمر في الصراعات الأخيرة التي عرفها العالم العربي,سواء كانت صراعات يسارية يسارية أو حتى قطرية وعرقية,بل إنها امتدت لبعض الإجتهادات النظرية,وأزعم أن اليسار لم يفقد صلاحية وجوده وقابليته للجواب على مثل هده الإشكالات النظرية والسياسية,فقد راكم طيلة تاريخه معارف وتجارب تؤهله لأن يقول كلمته مستقبلا وراهنا.لكن شريطة تجديد رؤاه الفكرية وإعادة شحد إيديولوجية الصراع من خلال تملكه لآليات الصراع حسب ما يقتضيه الفعل وتحدده موازين قواه ووجهات العالم راهنا,وأن يخرج الأجوبة الحاسمة على الأسئلة المؤرقة له وعجزه الفعلي عن إيجاد حلول لها بفعل غياب المثقف أو تهميشه من طرف حركت اليسار,التي صارت تبحث عن الحلول الآنية والظرفية لأجل التأقلم مع محيطها وما عرفه من تحولات,أهمها انتصار ثقافة الإستهلاك والسعي الحثيث لتحويل الرأسمال الرمزي والسياسي إلى ثروة مالية يتخلص بها أفراده من الحيف الإجتماعي الدي امتد إلى الطبقة الوسطى مهددا إياها بالتفقير وخنق طموحها في الرقي الإجتماعي و الإقتصادي,وقد عملت الإختيارات الرأسمالية على تدجين اليسار العربي أو إضعاف القوي منه والتاريخي,مما شوش مشروعه الفكري والسياسي وعرضه للتآكل,بل منه من غير اختياراته وسعى للتحول إلى قوى مدافعة عن العولمة باسم التحديث و ديمقراطية الواجهة التي تستفيد منها الأنظمة السياسية العربية وحركات الإسلام السياسي.
حميد المصباحي,عضو اتحاد كتاب المغرب ورواني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تجربة الاسلاميين في تركيا الكمالية
شهدي علي صالح ( 2010 / 7 / 28 - 05:52 )

كتاب جديد يرصد تاريخ الصراع بين الإسلام والعلمانية في تركيا

كيف استطاع الإسلام أن يصمد في تركيا وينتقل في ظل الجمهورية العلمانية من الاغتراب إلى الاختراق حتى نصل لرئيس وزراء ينتمي لحزب إسلامي في تركيا، ثم وصول حزب ذو جذور إسلامية وهو - العدالة والتنمية- بعد عام واحد من تأسيسه إلى حكم البلاد، مما يؤشر إلى أن الإسلاميين الأتراك تمكنوا بعد عقود من أسلمة الحداثة والعصرنة وتقديم وجه يزاوج بين الإسلام والديمقراطية والحداثة في ذات الوقت.
كل تلك الأسئلة يجيب عنها كتاب جديد صادر عن مكتبة الأسرة بعنوان -الدين و الدولة في تركيا .. صراع الإسلام والعلمانية- للباحث المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية وفي الشئون التركية الدكتور كمال السعيد حبيب ، ويعد هذا الكتاب الأول من نوعه باللغة العربية في موضوعه حيث يناقش تطورات العلاقة بين الدين والدولة في تركيا في مراحلها المختلفة منذ سقوط الخلافة العثمانية وإعلان الجمهورية وحتى خبرة حزب العدالة والتنمية وتطوراتها الجديدة والتي لا تزال في طور الاكتمال.

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت




.. 78-Al-Aanaam


.. نشر خريطة تظهر أهداف محتملة في إيران قد تضربها إسرائيل بينها




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف الكريوت شمال