الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إحكام العقل ، وما ينتظرنا في رمضان .

حامد حمودي عباس

2010 / 7 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت عيونه تحملق في وجهي ، وكأنني مقدم على فعل منكر سيهد البلاد ، ويعرض العباد للويل والثبور .. لم يسعه ان يتحمل جميع أعذاري بأنني مريض ، وانني لا استطيع الصيام ، وبأن الله قد سن في محكم كتابه الكريم ، أن لا حرج على المريض في تأجيل صيامه الى أيام أخر .
لقد كان يتلوى في مكانه وهو يسمع مقدمتي لبيان الحجة الشرعية لعدم قدرتي على الصيام ، ولم افلح في زحزحة فكرته بأنني يجب ان ارجم أو أشنق ، أو يحاط بي من كل جانب لانزال القصاص بي وبمن خلفوني وبشكل عاجل .
( كيف يمكن ان يحدث هذا ، اصادق انت بانك سوف لن تصوم شهر رمضان ؟ ) ..
( إنني مصاب بداء القرحه يارجل ، وقرحتي من النوع النازف ، وقد سبق لي وان اجريت عملية جراحية كبرى لازالتها ، غير ان الطبيب كان قد اخبرني بضرورة الحذر الشديد من امكانية عودتها في اية لحضه ، وطلب مني اتباع نظام غذائي لا يبيح لي الانقطاع عن الطعام او شرب الماء ولفترات طويله ) .
( أية قرحة وأي عار هذا الذي تقوله وبكل جرأة أمامي ؟! .. لابد وانك مجنون أو كافر يجب فرض الحد عليك .. قم من امامي ولا تدعني الطمك بنعالي هذا .. ) .

لم اشعر حينها بوقع اهانته لي بقدر انزعاجي لانقطاع صحبة دامت لعدة شهور ، فرضتها علينا انا وهو ظروف العمل كي نتزاور في كل مساء .. انه يحمل طيبة ومن النوع الذي يجعل التعامل معه سهلا ، ويشيع جوا يعيد المتلقي الى اركان ماضيه ، حينما تتجلى امامه صور من ذلك الماضي ، من خلال حكايا كانت ترد متسلسلة وبشكل مريح ، منطلقة من فمه دون تكلف .. لم يحدث أن طالبني يوما بمرافقته الى المسجد القريب لأداء الصلاة ، كوني كنت قد اقنعته بانني افضل ادائها في غرفتي .. غير أنه لم تفته فرصة الاستفادة من تغيير المنكر باللسان ، فقال لي في آخر مرة ، ستفقد طائعا حسنات عظيمه بعدم ذهابك الى المسجد .

منذ ذلك الحين ، والحاج سلمان ، الحارس المخضرم في الدائرة التي اعمل فيها ، لا يطيق النظر في وجهي ، بل كان يتعمد البصق على الارض حينما يراني ولو عن بعد .

ومنذ ذلك الحين ايضا ، وأنا اتقصى سببا بعينه ، لأن يتعمد رجال الدين ، ممن حملوا على عاتقهم – دون ان يكلفهم أحد في الغالب – أمر الوقوف بين العبد وربه ، متلبسين بلباس الفقه ، متحملين وزر من افتى بغير الحق ، ليسيروا بالناس الى حتوفهم جوعا ومرضا وجهلا ، في حين يقفون هم متشفين لا نادمين ، يمرحون .. ( ويقضمون مال الله قضم الابل نبتة الربيع ) ؟؟ .. اولئك الذين اوحوا للحاج سلمان ، بأن من لا يصوم شهر رمضان لإعتلال في صحته ، سيكون يوم الحشر الاعظم ، حطبا للنار ؟؟ ..
وإن لم يكن أحد من هؤلاء قد بث الجهل في رأس هذا المسكين ، فكيف يترك والملايين من حوله ، ممن يرتادون المساجد خمس مرات في اليوم ، ويستمعون الى مناهج الوعظ عند ظهيرة كل جمعه ، كيف يتركونهم دون ان يبلغوهم ما نص عليه القرآن ، بان المريض لا حرج عليه في ان يفرق ايام صيامه على بقية اشهر السنه ؟ .. ثم من أباح لحملة راية الفقه والافتاء ، حق القصاص ممن يشأ ان لا يصوم أصلا ، ولا يصلي أصلا ، ولا يجلس تحت منابر وعظهم الخاويه ، ما دامت لا تنبيء بعلم او جديد ؟؟ ..

انهم شياطين بكل ما تحمله الشياطين من مواصفات ، وما ينبيء بصدق دعواي ، هو أنهم خرسوا عن النطق بالحق ، وشوهوا صور الحياة حين أظهروها دميمة الوجه ، لا توحي بغير ملامح الموت ، ليأمروا الناس بالتباكي وتجهم الوجوه ، واوحوا للمؤمنين من اتباعهم ، بأن السماء تحمل هراوة وتجري خلف الناس فرادى ومجتمعين ، لتكيل لهم سوء العذاب في دنياهم ، وتتوعدهم باشد من ذلك حينما تحل الاخره .

وبعيدا عن المتاعب التي تتسبب بها عوامل الاحتكاك الفكري بمصادر التطرف ومعاقل التخلف السلفي ، الداعية للتقهقر والبقاء في حوزة الماضي وترهاته التي لا تنتسب للحاضر ، ولا توحي بما سيكون عليه المستقبل .. فانني ميال دائما لمعرفة ما يقول به رجال الدين ، ممن ينتسبون لإحكام العقل في تفسير النصوص المقدسه ، اولئك الذين هم اقرب لحدود المنطق في تعاملهم مع سبل الحياة ومفاهيمها ، وهم ، مع قلتهم ، يعتبرون اللبنة الواعدة لبناء صرح يأتلف مع المفاهيم العلمانية المنصفه ، والتي تدعو لعزل الدين عن السياسة ومعتركات بناء الدوله .. ترى ماذا يقولون في مقدار الخراب الذي تحدثه العشرات من مصادر البث المعطلة لأذهان الناس ، والتي تشيع هذا الكم الهائل من المفاهيم الغريبة عن واقع ما تعيشه المجتمعات المتطورة في العالم الاخر ، الى الحد الذي جعل الحاج سلمان لا يتقبل حتى تعاليم دينه في معالجة مسألة تتعلق بالصيام ؟ .. ناهيكم عن أن ما يؤمن به الحاج سلمان قد أصبح الان وفي غالب المجتمعات العربية عرفا سائدا لا يقبل التغيير ، ولا يحق لأحد محاورة فصوله وباي صيغة كانت .

رمضان قادم ، ولم يتبقى على حلوله الا ايام قليله ، واستعدت فضائياتنا للقائه بالمئات من المسلسلات الترفيهية وبرامج التسالي والحزورات .. ونشط فرسان نشر الوعي الديني من خلال الظهور المستمر ليل نهار على الشاشة الصغيره ( ليسهموا في بث الوعي ) في اذهان مريديهم ، ولكن باتجاه استخدام الرقية الشرعية ، والاستخارة ، وتفسير الاحلام ، والدعوة لستر عورات النساء ، واطلاق قيمومة الرجال عليهن ، وبيان ضرورة اللجوء للاعشاب في التداوي ، وترك ما اخترعه الاعداء من علاجات طبية ثبتت نجاستها بفعل احتوائها على زيت الخنزير .. وبدأ الاستعداد حثيثا للاستعجال من قبل البعض في انهاء معاملاتهم الرسميه ، لان الدوائر سوف تتعطل كليا عند حلول شهر الصيام ، وسيزداد عدد ضحايا السير ، وتمتليء سجلات مراكز الشرطة بمحاضر العراك الناجم عن آثار الحرمان من التدخين ، وسيصبح من العسيرجدا أن تجد من يجيبك عن استفسار عابر .. وسوف يخفي الكثيرون من أمثالي قطعة خبز تحت اسمالهم ، ليزيلوا من امعائهم آثار الكي الذي تسببه الاحماض ، متخفين عن الانظار ، حتى لا يصيبهم الشرر ، وتكون العاقبة وخيمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكراً
شامل عبد العزيز ( 2010 / 7 / 27 - 15:53 )
الصديق العزيز تحياتي وتقديري أول مرة أعلم بانك تؤدي فروضك الدينية - المهم تقبل الله منكم سائر الأعمال .. الصوم فيه رخصة : من كان منكم مريضاً او على سفر فعدة أيام ... حشو العقول بالغيبيات هو الكارثة .. غالبية المتدينين يفهمون جزء بسيط من الدين وبمرور الأيام والسنين يتحولون إلى مبرمجين يرددون بعض الأقوال كالببغاء دون وعي ..
مع الاحترام


2 - يا أخانا حامد
ليندا كبرييل ( 2010 / 7 / 27 - 17:01 )
أولاً سلامتك وعافية عليك . يا أخي أما سمعت بفتوى البديل الذي يصوم عنك رمضان مقابل قرشين ؟ قلْ له أنك تفعل هذا وتخلص من الورطة , أحد عشر شهراً كلها تخبيصات ورذالات ثم معليش نصوم عنها شهراً فالله يمحي كل الذنوب السابقة . آه عفوأً يمحيها استعداداً لارتكاب الذنوب القادمة , قرأت أنه سيلطمك بنعاله ويبصق كلما رآك , أهذا ما علمه دينه ؟ أهذا هو التقي الورع الذي سيستقبل رمضان بنفس رضية ؟ يا عيني على هيك مقدمين على رمضان , هلتً البركات ولسه ما إجا , انتظر الأعظم


3 - شهر الجنون والعته
محمد البدري ( 2010 / 7 / 28 - 00:32 )
ما ان ياتي هذا الشهر حتي يخلع المسلمون عقولهم مثلما يخلعوا نعالهم علي باب المسجد. ويبدأ المسلمون منذ اللحظة الاولي ممارسة الجنون والهبل عامدين متعمدين. جوع وعطش وغثاء وكسل وغيبوبة ثم نهم وطفاسة وجشع وسعار غذائي. شهر كامل تتحول فيه المنطقة الي صراخ من المساجد وبلاهات الاسئلة عن كيفية الصيام وكيفية تحاشي المفطرات الي حد السؤال عن حرمة قطرة العين وهل تفطر الصائم. اما عن الدماء التي تسال من بين فخذي المرأة وعلاقتها بالجوع والاكل فتلك من المشهيات في برامج الفتاوي الرمضانية. وكذلك الجماع ولو بالخطا. اما اكثر المضحكات الدينية فتاتي في فتوي الصيام شهرين متتابعين مقابل الافطار عمدا في هذا الشهر الفضيل. ولنضحك اكثر عندما يحتفل المسلمون بالعيد عندما يعودوا الي طبيعتهم السوية مثل باقي البشر بعد نهاية هذا الشهر الملاخوليا. فالعيد ليس سوي دليل علي ان ما مارسوه في هذا الشهر ليس سوي جريمة تستحق الاحتفال بها لانقضاء فترة العقوبة.


4 - جيرة بحصيرة
الحكيم البابلي ( 2010 / 7 / 28 - 06:18 )
صدقني يا أخي حامد لا يهمني شخصياً ماذا يأكل هؤلاء الناس أو ماذا يشربون أو يلبسون أو يعبدون أو يحبون أو يكرهون
كل ما أطلبه منهم أن يتركوا البشر الأخرين يعيشون بسلام
لكني أعرف بأن هذا لن يحدث ، إذ كيف سيترك الأنسان عاداته التي مارسها طوال حياته ، بعد أن إنقلبت موازين الحضارة العالمية في مفهومه رأساً على عقب
هي مهمة شاقة ، لكنها ستواجههم عاجلاً أو آجلاً ، من الداخل أو الخارج
هي مسألة وقت ليس إلا
تحياتي


5 - تعقيب مع صادق الود
حامد حمودي عباس ( 2010 / 7 / 28 - 07:39 )
الاخ شامل عبد العزيز :الحمد لله انك علمت مؤخرا بانني ممن يؤدون الفروض ، واعدك بانني حين يحل يوم الحساب ، ساعمل على ان تكون معي حيث أحل .. شكرا على مساهمتك

السيده ليندا : شكرا على تمنياتك الطيبه ، وتأكدي بان اللطم بالنعال ، قد يكون اهون شر يمكن ان يلقاه المرء في مجابهته لمن لا يؤمن الا بالعنف في حواره مع الاخرين

الاخ محمد البدري : معك على طول الخط .. شكرا على مرورك

العزيز الحكيم البابلي : افتقدتك هذه الايام ، اتمنى ان لا تتركني طويلا في عالمي الموحش ، لا زلنا ياصديقي بانتظار ان لا يسحننا الزمن ، قبل ان ينبلج امامنا فجر الانعتاق .. تحياتي الخالصه


اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah