الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسلامات مع الإسلام

خالد إبراهيم المحجوبي

2010 / 7 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أراد الله تعالى لرسالة الإسلام أن تكون خاتمة رسائله للعالمين من أهل الأرض ، واختار لها محمداً عليه الصلاة والسلام ؛ فبلغها على أحسن وجه ، وأتمه . وأعلن قبل وفاته كمال الدين ، حسب ما ورد في التصريح الإلهي المحكم {اليوم أكملتُ لكم دينكم ،وأتممت عليكم نعمتي، ورضيتُ لكم الإسلام ديناً}.
هاته المقدمة من المسلمات النظرية التي نتبناها -نحن المسلمين- ، وقد عرفنا وعلمنا حقائق ودقائق هذا الدين ، الذي اتضحت معالمه الجلية في النصوص المؤسسة أي القرآن المجيد وصحيح الحديث النبوي . لكن الذي حدث أن ذلك الإسلام الذي عرفناه في القرآن وحديث النبي وسيرته ، لم يعد على تلك الصورة . وعلى الأقل لم تعد له الغلبة على المسلمين ، فقل نفوذه فيهم ، وتحجَّمت سلطتهم عليهم، لوجود منافسة قوية من طرف طروح وفهوم أخرى تقدم أشياء أخرى تقول إنها هي الإسلام.
إن التخلي عن خلق التسامح وأدب الخلاف أفضى بنا إلى عالم إسلامي له أكثر من إسلام ، فالشيعة يرون أن الإسلام الحقيقي هو ما يتبنونه ، وأهل السنة يرون أن الإسلام الحقيقي هو ما يرونه ، والصوفية يرون أن ما هم عليه هو الإسلام الحق ، والتكفيريون يرون أنهم وحدهم المسلمون وأن غيرهم غير مسلمين ؛ فالحصيلة هي عدد من الإسلامات ، والحق أن الإسلام واحد وهو الذي ذكره تعالى بقوله {إن الدين عند الله الإسلام} ، وبقوله { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى...} فأي دين و إسلام يقصده الله هنا ؟ أإسلام فرقة السنة ، أم إسلام فرقة الشيعة ، أم إسلام فرقة الإباضية ، أم هو إسلام طرق الصوفية ؟.
إنه إسلام مترفع عن التقسيم ، متنـزه عن الطائفية ، والتصنيفية ، والإقصائية ، ومتعالٍ عن التعْضية و التحزب ، إنه دين سهل سمح ، لا غرابة فيه ، ولا أسرار ، قائم على شريعة واضحة المعالم ، وعقيدة جلية القسمات، إنه إسلام يتبنى أبناءه ، ويحتوي أعداءه ، لكن ذلك الوضوح وذلك الجلاء لم يبقيا على ما هما عليه ، بل انتابتهما تمويهات كثير ، ودواخل خطيرة ؛ بفعل كثير ممن رأوا في أنفسهم أوصياء على الدين ، ووكلاء على الإسلام ؛ فأولجوا فيه ما ليس منه ، وأوضعوا خلاله يبغون الاستحواذ عليه ، فصاروا على عقيدة مفادها أن من خالفهم ليس بمسلم ، ومن عارض فُهومهم ؛ هو معارض لله ، ومن رد كلامهم؛ فقد رد على الله.
الإسلام الذي ورثناه عن نبينا محمد هو أوضح الأديان ، لكنه صار في ظل الإسلامات الطارئة أعقد ، وأغمض الأديان. إنه أسمح وأسلس وأرحم الديانات ، لكنه صار في ظل تلك الإسلامات أشد وأفتك الأديان ، حتى لا يحدث شر في العالم أو ضرر أو إرهاب ، أو عدوان، إلا ويقرن بالإسلام وبالمسلمين . بدءً من تفجير الأنفاق، والقطارات ، والعمارات ، وصولاً إلى سرقة السيارات .
إن ظاهرة (الإسلاموفوبيا) ليست وليدة مؤامرة على الإسلام ، ولا هي محاولة لتشويهه ، بل هي وليدة طبيعية ،ونتيجة منطقية للصورة التي أُظهر بها الإسلام في الغرب ، تلك الصورة التي صاغها عدد من غلاة المشايخ ، وأتباعهم من جهلة العوام ، الذين التزموا أحكاماً غالية، وعقائد عائلة محرفة، وأظهروا للغرب أن ذلك هو الإسلام ، وما هو بالإسلام ، إن هو إلا صورة شوهاء ، وتطبيقات عرجاء ، لإسلام القرآن وإسلام محمد عليه الصلاة و السلام .لقد وجد الغربيون أمامهم وبينهم أناساً يعلنون أنهم يتبعون الإسلام ؛ لكنهم يمارسون العنف ، وينتهجون الكراهية ، ويتبنون أفكاراً نائية عن السماحة والتعايش ؛ فخافوا ونشأ لديهم ارتباطية بين الإسلام وبين العنف ،والإرهاب؛ فانتشأ بينهم ما صاروا يدعونه (الإسلاموفوبيا ). إنها صناعة الإسلامات المتسترة باسم الإسلام.
ولا يزال المسلمون الحقيقيون في الغرب يعانون من تبعات ذلك التشويه ، ولا يزال كثير منهم يعمل على تحسين ما تم تشويهه ، و ترتيب ما تم تخريبه ، وتوضيح ما تم تدليسه ، من الإسلام الصفِي النقي ، الذي طغت وبغت عليه إسلامات المسلمين الذين لم يعرفوا الإسلام. الذين ظلت شعاراتهم : اقتل ، دمر ، خرب ، اكره ، أبغض . متوهمين أن القتل والتدمير والتخريب هو جهاد في الله ، ومتوهمين أن الكره والبغض هو من البراء لله .
وما الحال في الغرب إلا امتداد لما ابتلي به عالم المسلمين في عقر بلدانهم ، بعد شيوع النـزوع الغالي ،والتوجه التكفيري الذي تأسس على تنظيرات تعتمد النصوص المؤسسة ، ومقولات عن السلف بنحو انتقائي ؛ على النحو الذي انتهجه (شكري مصطفى ) صانع التكفير والهجرة، وصولاً إلى أبي عبد الله المقدسي الأردني، وأسامة بن لادن. وما قد يحسب لهذا الأخير من حسنات في إرهاب الأميركان ، لا يرقى إلى ما حققه من سيئات في إرعاب أهل الأمان. من ذميين ،ومستأمنين ، ومعاهدين . فضلاً عما لحق بمسلمي الغرب من بلايا ، ورزايا . إنها القوة حين تفتقد الحكمة ، والحماسة حين تفتقد البصيرة. لقد أفضى بنا هؤلاء إلى عالم دموي ، يعيش في الضنك ، ويلتحفه الخوف ، ويكتسيه الرعب ، سواء بين المسلمين بعضهم وبعض ، أو بين المسلمين وغير المسلمين.
لقد أساؤوا من حيث ظنوا أنهم يحسنون ، وخسروا من حيث ظنوا أنهم يربحون قال تعالى{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}. فحسبان الصواب في العمل ،وتوهم صحة النية ، لا يكفيان للعصمة عن الخسران ، فرب مريد للخير لا يبلغه ، ورب قاصد لما ينجيه، هو فاعل لما يُرديه.
ولقد نعلم أن النبي عليه الصلاة السلام قد أجهد نفسه ، وبذل ما في طوقه ليرسخ الضوابط ، ويبين القسطاس الذي تنضبط به الدعوة إلى الدين ، وتنتظم به علائق المسلمين فيما بينهم ، وفيما بينهم وبين أغيارهم ، لكن الإسلامات الدعيَّة اطَّرحت كل ذلك ، ورمته ظهرياً واستبدلت به تنظيرات ، ومقولات ، وفتاوى لرجال ما خبِروا من الدين إلا رسمه ، ومن الإسلام إلا اسمه ، ومن الاتِّباع إلا صورته ؛ فصار بهم المسلمون إلى أمة في ذيل أمم العالم ، لا قيمة لهم إلا بما يحملونه من رأسمال رمزي عطلوه عن العمل ، وأعاقوه عن الاستثمار. من الواجب علينا أن نمعن أنظارنا في آية تحمل تهديدا إلهياً شديد اللهجة ، موجهاً إلى من حاله من حالنا .قال تعالى{ وإن تتولوْا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} .وقال أيضاً {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد}.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل السيرة خطا؟
سليمان الفقى ( 2010 / 7 / 28 - 07:19 )
عزبزى الكاتب بدء الاسلام فى مكه لمدة 11 سنه لم يعتنقه الا 11 فرد ضمنهم النساء والاطفال وبالسيف اسلم من اسلم وقتل من قتل .
ان غزوة بنى قريظه وخيبر دليل على ان لا يوجد يوم واحد فى تاريخ الاسلام يدل على ان الاسلام كان صحيحا سابقا.
تقاتلت ام المومنين عائشه مع ابن عم المقبور زوجها وقتل فى موقعة الجمل الالاف .وقتل ابى بكر مسلمون كثيرين بسبب حروب الذكاة.
بعد موت محمد ترك المحمديين العصابة المحمديه اما بعذ صعود المسيح اعتنقت الناس المسيحيه. يقول المسيحيون الكتابيون الرب يدافع عنكم وانتم صامتون ويقول كتاب الكره والحقد والنكاح قاتلوهم بغذبهم الله بايدكم
ممكن تدلنى على اسبوع من الزمن كان الاسلام حسنا جليا؟


2 - سيف
حمورابي سعيد ( 2010 / 7 / 28 - 08:07 )
يا سيد خالد...القران والسنة المحمدية حمالا اوجه اي سوبر ماركت تجد فيهما ما تريد ,فلم لم تذكر ايات السيف واقوال محمد حول وجوب قتال من لا يؤمن به .


3 - انا انزلنا الذكر وانا له لحافظون
داليا محمد علي ( 2010 / 7 / 28 - 08:33 )
ولذلك حفظ الذكر وسيحفظ برغم كل ادعاء وشكرا للكاتب


4 - انها أمة اقرأ التي لا تعرف كيف تقرأ
محمد البدري ( 2010 / 7 / 28 - 11:58 )
إنه إسلام مترفع عن التقسيم، ولذلك يقسم ما ينهبه المسلمون في غزواتهم للمسالمين من الناس كفارا او مسلمين. لعلك تقرا السيرة النبوية مرة واحدة قبل ان تكتب ما لا يتفق واقوال المسلمين انفسهم ممن رضي الله عنهم.


5 - مقال رائع
شاهر الشرقاوى ( 2010 / 7 / 28 - 21:40 )
الاخ خالد
مقالك رائع يدل على فكرك المستنير
الشئ الغريب فى اولئك الذين يصرون على اعتبار ان الاسلام الحقيقى غير ما قلت
وكانهم يعز عليهم ان يكون الاسلام جميلا
اما الزميل الذى قال ان المسلمين كان عددهم 11 فى 11 سنة
فأرجومنه توضيح المصدر الذى استقى منه هذه المعلومة ..
والا فليخجل من نفسه


6 - إلى شاهر وحمورابي ومحمد وسليمان
خالد إبراهيم المحجوبي ( 2010 / 7 / 30 - 02:24 )
الأستاذ شاهر شكرا على حسن كلامك وجودة فهمك، أما السيد محمد وحمورابي فإنهما ينتهجان الانتقائية التي يعملانها في نصوص السيرة والقرآن، فلا يذكران إلا ما فيه غمز وإساءة للإسلام ونبيه من الروايات الضعيفة معرضين عن ضعفها ما دامت تشفي غليلهم وحقدهم على الإسلام .وهذا عيب وقع فيه كثيرون نتمنى منهم أن يركزوا ويوسعوا دوائر قراءاتهم ، فمثلا لا يذكر سليمان وغيره من القرآن إلا آية السيف التي هي محدودة بظروف خاصة تاريخية ولا يذكر أنه أمر بالبر والإحسان لغير المسلمين من غير المحاربين ، وأن النبي حرم إيذاء الذمي في نصوص صحيحة . إن الانتقائية مزلة ومسقط يجب الانتباه له ياسادة . وسيظل الإسلام ديناً خالدا مسجلا أكبر نسبة للمتحولين عن أديانهم إليه. وأعتذر إن أزعجت أي أحد من العالمين.


7 - محاولات اخرى لاخفاء الوجه القبيح
حكيم العارف ( 2010 / 7 / 30 - 03:13 )
يابنى انظر فى المرايا جيدا وياليتك تضئ النور ولو قليلا بالمعرفه قبل كتابتك سطرا واحدا ....

تخشون ان تنشروااحاديث رسولكم فى الغرب ظنا انهم لن يقرؤا ولكن رائحتكم اظهرتكم ....
بل والاقبح هو تغيير معانى القران فى ترجماته لتخالف المكتوب باللغه العربيه قلبا وقالبا...

مايظهر فقط على الانترنت من اعتداءات وانتهاكات يدين الاسلام ومحرض المسلمين ويودع كاتب القران فى مصحه عقليه...

ولكن...انتظر قليلا فقط عندما يتم تجفيف ممولى الارهاب ويوقف تنفيذ حد الرده على تاركى الاسلام ستعرف الله الحق الذى لايستعبد الناس بسلاسل فى اعناقهم....


8 - حقيقة المليار ونصف المليار
محمد سعيد ( 2010 / 7 / 30 - 12:44 )
عزيزي الكاتب هذار الرقم المليار ونصف المليار هو رقم عام ولكن الواقع مغاير لذلك انظر اعداد المصلين لصلاة الفجر في كل البلدان العربية والاسلامية يعدون على الاصابع رغم انها الصلاة رقم واحد في الاسلام من حيث الاهمية انظر الى المحجبات الغالبية منهن لا يرتدن جلباب وانما سروال الجنز والقميص الضيق

اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب