الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف حدث كلُّ هذا؟

علي شكشك

2010 / 7 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كيف حدث كلُّ هذا؟
علي شكشك
كيف حدث ذلك؟, فقد جاء الغزاةُ المستوطنون إلى ديارنا متسللين وتحت حماية حراب الانتداب, جاؤوا إلى شعب آمنٍ يمارس طقوس الحياة والنبات, يغني للماء, ويطرّزُ الأرض بأمشاج روحه, ويصوغها على شاكلته, تحيةً وسلاماً ونزقاً وشوقاً, ويغزل البحر بالرمل والهواء, يربّي مواويله ويقضم الغزاة, لم يغادر سياقه طوال سياقه, الذي اشتبك معه وتشاكل وامتزجت تضاريس الروح بروح التضاريس, وكان العابرون فيهما بعضَ ندوباتٍ وحشرجاتٍ وتلاوين, بينما يلخص أيُّ موسمٍ كلَّ تكوينات الخلق, البذرُ والغناء وبهجة اللون وطعم الأرض وفيض السماء,
جاء الغزاة ومثّلوا بالمشهد كاملاً, وما يزالون يحاولون الوصول للمقطع السّرّي في هذا الجينوم الفلسطيني, وفي الطريق ساروا على جثث الفلسطينيين وآثارهم وغرسوا بنادقهم وجدرانهم في أفراحهم وصوبوا أكاذيبهم إلى بؤبؤ عيونهم, وحملوهم ذبحاً إلى ما وراءَ أسلاكٍ شائكةٍ, قذفوا بأجسادهم هناك بينما بقيت حبالهم السرية موصولة وممتدة إلى أوّلها تمتح منه ما يكفي من الأمل لإبقائهم لاجئين على قيد العودة, وما يكفي لوضع الراهن جسماً غريباً أو جملةً بلاستيكية بين أقواس الحياة للحبل السري, ومخاضاً اصطناعيّاً مجهَضاً غير قابلٍ للرّحِم,
وكان لابدّ من كلّ ما كان ليتمكنوا من حمله على اللجوء لأولِ مرّةٍ في متلازمة الجغرافيا والتاريخ, كان لابدّ من إرهاب بحجمِ ثقلِ وفرادة هذا الحدث, وكان لابدّ من تنوّع أشكالِ هذا الإرهاب ليستمر تواصُلُ هذه الحالة, وكان لابدّ من ابتكارِ أنواعٍ جديدةٍ من الإرهاب لقطع الطريق على إمكانيّةِ استعادة تكوينات الخلق واستعادة السياق, وكان لابدّ من تقطيعٍ متواصلٍ لأوتار العود كي يستمرَّ نشاز اللحن, كان لابدّ من توليدِ جدرانٍ وموانع تحول دون تلقائية تدفق النهر وانسياب الجدول, كان لابدّ من طردٍ مواظبٍ ومناسبٍ يعيق ما استطاعوا قانونَ الجذب, وابتكار وسائل قاهرة تعادلُ الإحساس بالجرح, كان لا بد من إرهابٍ طاغٍ بحجمِ الخليقة ليقدروا على مواجهة الخليقة, وتأجيل تواصلها, وتزويرٍ مطلقٍ بحجم الحقيقة ليستطيعوا إن استطاعوا تغطيتها,
كان لا بدّ من كلّ هذا العنف المادّي الأسطوري الذي يحاولونه لكي يجرفوا كياناً بأكمله من الجغرافيا, وشعباً بأكمله من الوطن, من هنا كانت المذابح القديمة والجديدة وما بينهما, والتي يُقرّون هم أنفسهم أنّه لولاها ما قامت {إسرائيل}, والتي كان آخرها حتى الآن إزالة قرية العراقيب في النقب, والتي تحوّلت إلى أثرٍ في الفترة اللازمة للجرافات كي تتنزه في القرية ماسحةً إياها عن ظهر الأرض, وفي مشهد يكفي وحده لترجمة كلّ ما يُضمرونه لنا, وذلك تحت حراسة الآلة العسكرية, التي تتدخل فقط حين يجب, بينما تترك الأمر مرةً للجرافات ومرة للمستوطنين, وهي نفس الآلة العسكرية التي كانت دائماً حاضرةً وراء كلّ نشاط وكلّ خطاب وكل طاولة مفاوضات,
لكنّ هذا العنف المادّي الإرهابي لم يكن وحده كافياً لإدارة الصراع ولا لقطف أحسن ثماره, ناهيك عن حسمه, فقد كان يجب تأهيلُ آلةٍ أخرى تُمهّد وتواكب ثمّ تتجلى في الفصل الأخير, آلة ضرورية وهامّة يتجاوزُ دورُها دورَ الاستشراق الذي مهّدَ للاستعمار القديم وكان أداتَه في ريادة المناطق والشعوب المستعمَرة وتفكيكها وتسهيل استعبادها, بل ويُزيّنُ للمستعمِرين سوءَ استعمارهم كونُه أي الاستعمار عملاً إيجابياً لصالح المنكوبين,
في حالتنا فإنّ الاستشراق لا يكفي, لأنّه في أسوأ الأحوال يعترف بأنه استعمار حتى ولو ادّعى أنه يجلب {الخير} للسكان الأصليين, فهو يعترف بسكّانٍ أصليين أو ما يُعرَفُ في القواميس بــ {الأندوجين}, الأمر الذي لم يَعدْ مقبولاً في ثقافة العالم الجديدة كصورة من صور النهب والاحتلال والاستغلال, كان لا بد من آلةٍ جديدة تعيد تعريف المنطقة من جديد, وتدّعي إعادة تحريرها, وتُسخِّرُ لذلك جنودَها ومراكزَ أبحاثها والجيولوجيين وعلماءَ الآثار والرساميل وأساطين الإعلام والأيديولوجيين والمهووسين, كما تعيدُ صياغة المفاهيم واختراع جديدها وصقلها وتدويرها في السمع والبصر وقرنِها بشروط بافلوف لتؤدّي الغرض المنوط بها كما ينبغي, ولِصبح الفلسطينيُّ الذي يقاوم الغزوةَ من أوّلها معتدياً, وليصبح الجنودُ المدربون المعتدون المسلحون بالبوارج الحربية أصحابَ حقّ, بينما من يقاومونهم بأيديهم من على سطح سفينة مرمرة إرهابيين ودمويين, آلة تتصدى لمقولات المتصدّين للجدار و المطالبين حتّى بالمساواة بين الضحية والجلاد, وجاهزة لسنِّ قوانينَ جديدةٍ لمن لا يؤمنُ بحقّ الغزاة في امتهانه وسلبه, لمن لا يؤمن أنّ هذا ليس وطنه, آلة تعيد تلوين المفاهيم وتبدأُ الوعي, فلا وعي قبلها, آلةٍ ميزان, تبدأ التعريف, وحولها يطوف الحجيج, أخطر ما فيها أنها تعيد تعريفنا, وأنها تفرضُ تعريفها لنا علينا, وأنها لا تقبلُ منا إنكار تعريفها لنا,
وهي آلةٌ تُؤسّسُ للبطش وتُمهّدُ, كما أنّها تُشرّعُ له, لكنّها أيضاً تتسلح به وتفرض نفسَها به, دون أن نغفلَ أنها بحدّ ذاتها تتوفر على قوّة بطشٍ جبارة, تحاصرُ من يتمرّدُ عليها وتعزله, ولها من الامتدادات والأذرع ما يؤهلها لتجريم أعدائها وتشويههم وقطع المدد عنهم وتأليب العالمين ضدّهم, وهكذا يُصبح هَمُّ الكثيرين مجرّدَ إبعاد الشبهة عن أنفسهم, وبذلَ الجهد الجهيد بل واستنزاف كل طاقاتهم وجعل كل رسالتهم في نفي تهمة الإرهاب عنهم, فكيف ولماذا حدثَ فينا كلُّ هذا؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكيل بمكيالين
محمد البدري ( 2010 / 7 / 28 - 12:21 )
ولماذا تقف عن الغزاة لارض فلسطين، فلماذا لا يؤرقك الغزاة العرب لاوطان الشرق الاوسط حيث مارسوا النهب والسرقة ولم يقيموا حضارة او شيئا علي مدي 14 عام مثل ما اقامته اسرائيل في 50 عاما.


2 - نعم الكيل بمكيالين
أمازيغي مظطهد ( 2010 / 7 / 28 - 14:12 )
ما تسم اليوم تونس كانت تعيش الامن والسلام الى ان جاء الغزاة الاسلاميين اليها وروعوها واحتلوها وهجروا اهلها واجبر بعضهم على الدين وبعض الاخر دفع الجزية عن يد وهو صاغر وقام العرب بطمس هويات الامازيغ ولغتهم حضارتهم ومحاربتها الى هذا اليوم.
واما على شكشك ان كان مسلم صالح يؤمن بجهاد الطلب بحج نشر الدين الحنيف واخضاع الشعوب للعقيدة الديكتاتورية والذي بسببه جاء العرب والاسلام الينا ويؤمن انه يطمس حضارة الاخر وهويته ويحتل بلدانهم ما اذا كانت لديه قوه عسكرية لاسترجاع الماضي الأسود في النهب والسلب والسبي للنساء والاولاد.فجداتي سُبين وعددهن بالالاف وفرض علينا الاسلام فرضاً .. الماذا لا تنظر لهذا التاريخ المشين الحقير
ولماذا لا نسمع ارائكم الانسانية الا اذا كان الظلم قد وقع عليكم؟؟؟؟؟؟؟


3 - للأخوين السابقين
علي شكشك ( 2010 / 7 / 28 - 16:56 )
أخواي العزيزين يسعدني أن تهتما بقضايا الظلم والحق على هذه الأرض, ويسعدني تعليقكما على ماكتبت, رغم أنّي لم أتطرق لأيّ منحى أيديولوجي أو ديني أو عرقي على الإطلاق, إنّه فقط رفض الضيم والظلم الذي يقتلع الشعب الفلسطيني من أرضه وتا ريخه وممتلكاته التي احتوته واحتواها منذ تشكّل التضاريس الأولى لهذه الجغرافيا, وهذه مسألة طويلة وفيها دراسات وأبحاث وعلوم آثار وانثروبولوجيا وتراث ولغات ولهجات وفنون وتقاليد زرع وحصاد بالإضافة إلى علوم التاريخ, ولا تخضع لمجرد نزقٍ أو جملة غاضبةٍ عارضة من أحد, فالأمر أكثر جدّيةً من المزاح, وهو يمس المنحى الكوني الذي لا يكتفي بالسكوت على مشهد الظلم الفاضح والذي يقر به الجميع ولكنه يتعدّاه إلى تكريس غطاء من المفاهيم تجعل هذا الظلم شرعياً, وتجعل المظلوم ظالماً وإرهابياً, أما إذا كان أحدٌ ما معجب بهذا الظلم الذي حققته -إسرائيل- في خمسين عاماً فهذا شأنه ,إذا كان أيّ أحد يقف مع كل هذا العبث والظلم ويقبل بتشرد شعب بأكمله منذ أكثر من ستين عاما في المنافي والشتات مقطع الأوصال ومحروم من ممارسة طقوسه التي له مهما كانت طقوس الحب والزرع والعبادة بأي دين يشاءفالدنيا تتسع للكل.و,


4 - الشعب الفلسطيني في قلوبنا دائماً
أمازيغي مظطهد ( 2010 / 7 / 28 - 19:51 )
أخي الكريم أننا فقط نستنكر دائما الكيل بمكيالين

.ونحن نقف نساند الشعب الفلسطيني ونحس بمعاناته والاضطهاد والحصار فهم في قلوبنا دائماً


5 - تعليق على تعليق رقم 4
علي شكشك ( 2010 / 7 / 28 - 20:58 )
دون أن تكون العرقية موضوع حديثنا, ومع العلم أنّ الأمر ليس عربياً أو أمازيغياً أو فرعونياً أو آرامياً, لأنه أكبر وأجمل من ذلك, لأنه بشريٌّ وإنساني يتميز فيه الإنسان بروحه وحبه للناس والأشياء وبرفعة أخلاقه وجهده وعلو همته ومساعدة حتى الحيوانات على أن تعيش دون أن يضطهدها ورفض الظلم والأنانية والقهر والاضطهاد ورفض التمييز بين البشر ورفض ابتزازهم ونهبهم واحتلالهم, قضايا الإنسان واحدة وأشواقه واحدة, وكرامته مقدسة وكينونته مكرمة, فإذا تناولنا الأمر من زاوية عقائدية فهذا كلامٌ آخر, ولا أنسى أن أقول لك إن فلسطين قضية كل البشر لأنها تلخص كل تلك العناوين التي ذكرت, وقبل أن أنهي مداخلتي معك أذكرك بمواقف السامريين اليهود وحركة الناتوري كارتا اليهودية التي ترفض أي وجود سياسي على أرض فلسطين وتطالب بها كاملة للفلسطينيين طبعاً بالإضافة لكثيرين من اليهود في العالم وعلماء مثل فنكلشتاين وغيره, كما أن الأمازيغ هم من أبدعوا في السمو بالروح والعقل والشجاعة ونشروا النور والمعرفة والمثل والأخلاق حتى إلى ما وراء البحار, حين انصهرت الأعراق وسمت الأرواح والأفكار والحق والأخلاق.

اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض