الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منى الشاذلي وتبرير الخروج على القانون

نهرو عبد الصبور طنطاوي

2010 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أثيرت في الأيام القليلة الماضية أزمة قام بافتعالها بعض الفنانين والإعلاميين بعد حصول ورثة زوج الفنانة اللبنانية (فيروز) على حكم من القضاء اللبناني بمنع السيدة (فيروز) من الغناء إلا بعد حصولهم على مستحقاتهم المالية أو ما يسمى (حق الأداء العلني) والقانون اللبناني يحفظ للرحبانية حقهم في الحصول على الحقوق المادية عن الأغاني التي تؤديها السيدة (فيروز) بشكل علني في حال كانت هذه الأغاني من صناعة والدهم (منصور الرحباني)، وأيا يكن الأمر فالقضية في الأساس هي قضية حقوق مشروعة وقضية قانون وأحكام قضائية يجب أن تحترم وأن تسري على الشريف والضعيف، والغني والفقير، والرئيس والمرؤوس، والمشهور والمنبوذ على حد سواء، وأظن أن هذا في الأساس محض قيم ومبادئ ومثل عليا وبديهية من البديهيات التي لا يختلف عليها اثنان عقلاء أو مجانين.

والسيدة فيروز حين تقوم بالأداء العلني لأي من الأغاني أو المسرحيات التي تعتبر ملكا للرحبانية إما أنها ستتقاضى أجرا عن أدائها هذا وعندها سيكون من حق ورثة الرحبانية أن يكون لهم حق قانوني في هذا الأجر، وإما أنها ستتبرع بأجرها وعندها ستكون قد أعطت عطاء من لا يملك، بل ويعد خروجا على القانون والأعراف والأخلاق وتعديا على حقوق وممتلكات الآخرين دون إذن منهم. لكن الملفت في هذه الأزمة هو خروج عدد من التظاهرات والاعتراضات والمساندات التي قام بها للأسف الشديد بعض من يصنفون على أنهم نخبة المجتمع من فنانين وموسيقيين وإعلاميين وكتاب وصحافيين لمساندة السيدة (فيروز) في خروجها على القانون وتجاهلها لحقوق وممتلكات الآخرين تحت شعار (صوت فيروز) أو (فيروز رمز غنائي وفني عربي كبير) وغيرها من الشعارات التي اعتبرها هؤلاء مبررا ومسوغا مشروعا للسيدة فيروز في خروجها على القانون وعدم اكتراثها بحقوق وعقود وممتلكات ومصالح الآخرين، وكان من بين هؤلاء وأكثرهم وضوحا وتبريرا وتسويغا هي الإعلامية البارزة السيدة (منى الشاذلي) في برنامجها الشهير (العاشرة مساء) في حلقة يوم الاثنين الماضي الموافق 26 يوليو 2010م حيث قالت نصا: (حتى ولو كان أبناء الرحباني لهم كل الحق القانوني في مطالباتهم ولكن يبقى صوت فيروز فوق القانون). فقول منى الشاذلي هذا هو بيت القصيد ومربط الفرس وما يعنيني في القضية برمتها.

هذا القول الصريح والجريء من السيدة (منى الشاذلي) ليس هو ما دفعني وأثارني لتوجيه العتاب والنقد واللوم لها بصورة خاصة دونا عن غيرها ممن ساندوا السيدة (فيروز)، إنما الذي دفعني لذلك المكانة الحساسة للسيدة (منى الشاذلي) التي جعلتها تحظى بكثير من المتابعين لبرنامجها وكثير من المعجبين بحرفية أدائها الإعلامي، ما يعني أن السيدة (منى الشاذلي) تساهم بشكل كبير وفعال في صقل أفكار مشاهديها وتشكيل وعيهم وقيمهم وقناعاتهم، وهنا تكمن الخطورة فيما قالته السيدة منى الشاذلي وفي رؤيتها لصوت السيدة فيروز مبررا لفيروز في أن تكون فوق القانون.

وهذا يدعونا بداية إلى أن نلفت انتباه جميع النخب إلى مراجعة رؤيتهم فيما يحملون من قيم، وخاصة الأشخاص الذين يحظون منهم بقبول واسع بين الجماهير ويحظون بتأثير كبير فيهم، ذلك لأن قول السيدة (منى الشاذلي): (ولكن يبقى صوت فيروز فوق القانون)، يحمل من الخطورة ما يدعو إلى التساؤل حول ما نحمل من تناقضات في مضمون ومعنى ومفهوم وحقيقة القيم، خاصة إذا كنا نعتقد أصلا أن القيم كل لا يتجزأ، لأن من أخطر التناقضات التي قد يقع فيها الناس وخاصة من يتربعون منهم على عرش الجماهيرية الشعبية هي تناقضات القيم والمبادئ، ففي تناقض القيم والمبادئ لدى هذه الشريحة عامل كبير وأساسي من عوامل خلخلة قيم المجتمع بأكمله، ولذلك أسأل السيدة منى الشاذلي سؤالا مباشر وهو: هل يمكننا وفق رؤيتك اعتبار نجومية منى الشاذلي ومكانتها في قلوب مشاهديها وجماهيريتها الواسعة مبررا لها في أن تكون فوق القانون؟؟، فإن قالت لا، أقول لها فعلى أي أساس قيمي منطقي جعلت من مكانة صوت فيروز في قلوب سامعيها مبررا لها في أن تكون فوق القانون؟، وما المانع المنطقي الذي يمنع من أن تكون نجومية منى الشاذلي أو غيرها من النجوم مبررا لهم جميعا في أن يكونوا فوق القانون؟، وماذا لو تم ضبط السيدة فيروز وهي تتاجر في المخدرات مثلا؟، هل يمكننا ساعتها أن نقول أن صوت فيروز يجعلها فوق القانون؟، وبماذا ستجيب السيدة (منى الشاذلي) إذا سألها أحد جمهورها وقال لها: إذا كنت ترين أن صوت فيروز يجعل من فيروز شخصا فوق القانون، إذن فهل يجعل الفن من الفنان شخصا فوق القانون؟ وهل يجعل العلم من العالم شخصا فوق القانون؟، وهل يجعل الفكر من المفكر شخصا فوق القانون؟ وهل تجعل السلطة من المسئول شخصا فوق القانون؟ والإنسان الرمز في أي مجال كان هل تجعل منه رمزيته شخصا فوق القانون؟، بل القاضي نفسه هل يجعل منه منصبه القضائي شخصا فوق القانون؟ وأيهما تفضل السيدة (منى الشاذلي) وبأيهما تؤمن، أن يكون القانون فوق الجميع أم أن يكون البعض فوق القانون لقيمة البعض ورمزيته؟.

وإذا كان لدى السيدة منى الشاذلي معيار قيمي حقيقي يجعل للبعض أحقية في أن يكون فوق العدل والحق والمساواة، فنتمنى أن تقوم بإبراز ذلك المعيار حتى نستطيع من خلاله أن نثق في مصداقية ما تطرح من مبادئ وقيم سواء في أزمة السيدة فيروز أو في غيرها من الأزمات التي تتناولها في برنامجها. وكذلك لابد من أن ألفت نظر السيدة منى الشاذلي إلى حقيقة هامة وهي: إذا كانت فيروز قيمة وقامة حقيقية بل ورمز فني عربي حقيقي ألا يوجب ذلك على السيدة فيروز كما يوجب على كل رمز ذي قيمة وقامة سواء كان رمزا دينيا أو سياسيا أو شعبيا أو حزبيا أو فكريا أو علميا أو إعلاميا أن يكونوا جميعا أول من يلتزم بالقانون ويحترم حقوق وممتلكات الآخرين؟؟، وأليس من الواجب على جميع القامات والرموز أن يكونوا قدوة للناس في احترامهم للقانون وتقديرهم لحقوق وممتلكات الآخرين؟؟.

فإذا اعترفنا بذلك فلابد أن نجعل القيم الأخلاقية خاصة ما يتعلق منها بقيم الحق والعدل والمساواة تعلو على أي قيمة أخرى وعلى أي شعور بالمجاملة لأي شخص كان، مهما بلغت رمزية أو قامة ذلك الشخص، ولا يجب أن تحملنا قيمة وقامة أي شخص كان على استصغار أو تجاوز أو استسهال أو التسامح في قيم كالعدل والحق والمساواة، ويجب أن نعي جيدا أن معظم النيران من مستصغر الشرر، وأخيرا أتوجه إلى السيدة منى الشاذلي مطالبا إياها بضرورة تبرير ما قالته حفاظا على مصداقيتها الإعلامية، وإن لم تجد مبررا قيميا لما قالته، فهل تملك من الشجاعة ما يجعلها تعتذر عن قولها: (ويبقى صوت فيروز فوق القانون)؟؟.

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
موبايل/ 0164355385_ 002
إيميل: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وسع صدرك يا استاذ
ناصر سعيد الشهابي ( 2010 / 7 / 30 - 15:00 )

ما تتحمقشي اوي يا استاذ
الموضوع كده زي ماتقول
؟!!! يجوز للشاعر مالا يجوز لغيره


2 - انت ماتعرفش انا ابن مين ؟
نور المصرى ( 2010 / 7 / 31 - 00:58 )
كم من مره سمعت هذه العباره يااستاذ ؟....
منى الشاذلى اخرجت مابداخلها كما يحدث لكل شخص فى هذه الدوله اصبح مشهورا وماتجده بعشوائياته وفساده فى الشارع المصرى ماهو الا افراز لهؤلاء القوم حيث ان القانون يصغر بالنسبه لهم ويطوع لحسابهم.


3 - كلب الست وحقوق المواطن
محمد سامى ( 2011 / 1 / 11 - 22:27 )
يذكرنى مقالك بحيثيات كتابة الشاعر الموهوب احمد فؤاد نجم لقصيدته كلب الست فقد عض كلب السيدة ام كلثوم احد المواطنين اثناء سيره فى الطريق العام وبدلا من توقيع غرامة مالية على صاحب الكلب لتركه حرا مما يشكل خطرا على سلامة المواطنين او القبض على الكلب لعزله عن الطريق انبرت وسائل الاعلام للدفاع عن الكلب وما فعله ومذكرة إنه كلب الست ام كلثوم معشوقة الملايين ليس فى مصر فقط بل فى الوطن العربى... هل هناك اوجه شبه بين الحالتين... القانون هو اعظم ما انتجته البشرية فدعونا لانقوضه بأيدينا مع حبى لأغانى كوكب الشرق والسيدة فيروز...ولكل جواد كبوة

اخر الافلام

.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني


.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم




.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran