الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرآة الدين الضائعة (لا بد للجسد أن يعود الى القبر ليرى مرآته)

روجيه عوطة

2010 / 7 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"أما مريم فكانت قائمة في الخارج، عند القبر، تبكي. وفيما هي تبكي إنحنت على القبر، فرأت ملاكين بثياب بيض، جالسين حيث كان جسد يسوع مُضجعاً، أحدهما عند الرأس والآخر عند الرجلين. فقالا لها: " يا إمرأة، لم تبكين؟" قالت لهما :" أخذوا سيدي، ولا أدري أين وضعوه". قالت هذا، وإلتفتت إلى الوراء فرأت يسوع واقفاً، ولم تعلم أنه يسوع. فقال لها يسوع :" يا إمرأة، لم تبكين؟ ومن تطلبين؟ " فقالت له، وهي تظن أنه البستاني: "يا سيدي، إن كنتَ أنتَ قد ذهبت به، فقل لي أين وضعته، وأنا آخذُه". قال لها يسوع: "مريم!" فإلتفتت وقالت له بالعبرية: "رابوني!"_ أي، يا معلم!_قال لها يسوع :" لا تلمسيني، فإني لم أصعد بعد إلى أبي، بل أمضي إلى إخوتي وقولي لهم: إني صاعدٌ إلى أبي وأبيكم، إلى إلهي، وإلهكم" ، فجاءت مريم المجدلية وبشرت التلاميذ [ قائلة] : "إنيّ رأيت الرب" ، وإنه هكذا كلمها."

(الظهور للمجدلية: إنجيل يوحنا : 20 : 11_18)

من جسد إلى لا جسد ثم الجمع بينهما، يسير النص الديني على خطى هذه الرحلة التي لا تنتهي، حيث الأخير لا يبتعد عن صدى أبدية الأول.
في السياق الديني يجتمع صدى اللاجسد مع مصدر صوت لا نهائيته "الجسد".
إنه تمظهر يوطوبي يأخذ من الجسد موضوعاً له، إنه الجسد الذي ما فتئ النص أن يأخذه مفتاح لهروبه برموز لا تبتعد عن أفهوم ديني مُتعلق بنقيضه، تلك الروح الواقفة فوق "القبر"، ووراء جسد وأمامه، إنها المتواجدة في كل مكان، بفعل قُربها من جسد من لا جسد له وهو ذلك المطلق اليوطوبي الذي لا ينفصل عن مصدر لا جسديته وجسديته في الوقت نفسه، يكون الضحية ومن يُضحي، يكون الخاسر والرابح، الأمام والوراء، نقطة جمع ما لا يُجمع.
سأحاول تفكيك هذا النص في تعاطيه مع جسد يمتلكه إنسان حتى التضحية به من أجل الآخرين، إنه نبي/مرآة يمتلك ما في جسده وفي أجساد الآخرين.
في التمظهر البراني لمريم بجسدها "قائمة في الخارج" يتواجد لدينا جسد قلق، يُفتش عن شيء ما، في مكان مصنوع من مادة جوفية لجسد يُصبح فيه غير مُجسد وفاقد لقدراته الكامنة به، "تبكي"، مريم بجسدها أمام رمز/شيفرة الخروج من الجسد "القبر" ، "تبكي"، تجمع عدم أمانها من جسدها في فعل يجمع في ظهوره مواساة الجسد الضائع في يوطوبيته الكامنة فيه.
عند هذا الفعل/البكاء، تنحني مريم/جسد على ملجأ إطمئنانها "وفيما هي تبكي إنحنت على القبر"، في هذا الإنحناء تكمن عقدة الخروج، فقد كانت تفتش عن لا جسدها/ القبر ووراءه يكمن اللاجسد الأكثر عظمة الذي لم يُكشف بعد، هناك إنسلاخ في هذه الحركة الأخيرة، مريم تقترب من لا جسدها المرموز به بقبر، إنها نقطة إنطلاق أولى.
بعد هذا التصالح بين الجسد واللاجسد في مكان "القبر"، تبقى لدينا ثغرة لا بد من ملأها أي وراء القبر، "فرأت ملاكين بثياب بيض، جالسين حيث كان جسد يسوع مُضجعاً"، مريم تعود من غفوتها اليوطوبية لتملأ الثغرة الباقية حتى الآن.
ترى بجسدها الملاكين أي ترى اللاأجساد، في مكان ذات أهمية عالية أي حيث الجسد، جسد النبي المختبأ في كواليس اليوطوبيا، حتى الآن مريم بجسدها إنطلقت من جسد إلى لاجسد ثم نقطة جمع الإثنين "القبر" بوراءه الذي سيمتلأ بجسدها ثم بلا أجساد خفيفة عند مكان تواجد جسد يسوع المسيح.
بين هذا المكان ويسوع، قصة مصالحة اليوطوبيا ومصدرها، "حيث أحدهما عند الرأس والآخر عند الرجلين"، أي اللاجسد الأول يحد الجسد من فوق والثاني من تحت، فأحاطت اليوطوبيا الجسد.
في هذه اللحظة يكون الجسد محدود بلاجسد، وتأتي دموع المجدلية لتترجم هذه المصالحة الغير مكتملة بين الجسد ونفيه "يا إمرأة، لم تبكين؟".
إنها إمرأة تبكي جسد من لا جسد له و لا جسد من له جسد.
تبوح مريم بسر أحاطها منذ وقوفها في الخارج، سر التفتيش، وما يتبعه من دموع الهروب، " أخذوا سيدي، ولا أدري أين وضعوه" ، لقد هرب لاجسد "سيدي"، والقلق سيد الموقف في جهل مكان هذا الجسد، إنها تبحث عن جسد هرب في لاجسد ولا مكان له.
في الهروب مصالحة كبرى بين الجسد واليوطوبيا.
الهروب ليس إلا كالقبر: نقطة إنطلاق نحو كشف حقيقة تتجاوز يوطوبية المجهول، "فإلتفتت إلى الوراء فرأت يسوع واقفاً"، مريم تلتفت إلى وراء جسدها وترى من خلاله لا جسدها مُجسداً، وتنتهي بعدم معرفته "ولم تعلم أنه يسوع"، إنه قلق يوطوبي من ضياع الجسد في لاجسد، وإنكسار مرآة ستبقى مُحطمة حتى نقطة إنطلاق جديدة.
الإنطلاقة الجديدة تتمظهر في تحرك النبي إلى جسد مريم وطرح سؤاله "يا إمرأة لم تبكين؟ ومن تطلبين؟" ، إنطلاقة قوية في سؤال يُلخص مسيرة مريم من الخارج حتى هذا السؤال.
هذا النبي/اللاجسد الضائع في "قبر" ثم في مكان ما ، تحت أيدي الملائكة، نراه واقفاً يطرح أسئلة على جسد، كان قد بكاه على عدم تواجده كجسد.
يسأل اللاجسد الجسد عن سبب البكاء ثم يلحقه بسؤال عن طلبه، كأنه يعلم السبب والطلب، السبب هو ضياع مرآة تجميع الجسد، والطلب هو الإحاطة بهذه المرآة للعبور إلى نقطة اللاجسد حيث الخفة والحرية الكاملة في ساحة اليوطوبيا.
لكن مريم ما زالت تجهل مرآة تجميع جسدها، "تظن أنه البستاني"، وأن مرآتها ليست سوى وهم يوطوبيتها التي لا يمكن تجَسُدها بعد "القبر" والبكاء.
مريم تمثل من أضاع جسده في مرآته الذاتية ثم عاد وحطمها، فيما بعد نكتشفه باحثاً عن جسده في هذا الحطام.
بعد "القبر" والمضجع والبكاء يعود اللاجسد إلى مصدره في شخص النبي، تسأل مريم عن مكان مرآتها لتجلبها، رغم أن المرآة أمامها، لكنها لا يمكنها الخروج من حطام جسدها أمام "القبر".
إنه صراع اليوطوبيا والجسد الأبيض كملابس الملائكة، صراع سيتم حله من قبل ضحية المصالحة: النبي.
بقول النبي: "مريم!"، نرى أن المرآة اليوطوبية تنادي للجسد الضائع بإسم الجسد المتشرد بين نقاط إنطلاق الأجساد إلى عالمها الخفيف.
أمام صرخة المرآة/النبي، يلتفت الجسد ليأخذ النبي بأحضان لاجسديته "رابوني!"، هذه هي قمة المصالحة بين اليوطوبيا والجسد، الجسد يقر بلاجسد مُجسد .
لكن هذه المرآة تعود وتبتعد عن الجسد، هذه المرة اللاجسد يهرب من حقيقته الأولى: الجسد.
"لا تلمسيني، فإني لم أصعد بعد إلى أبي"، النبي لم يكمل مسيرته النبوية/اللاجسدية، فقد إنطلق من مرآته العليا، لكنه لم يصل إلى تحوله الأخير.
تَحول الجسد إلى لاجسد طائر خفيف، إنه مرآة تجمع نفسها بعد القيامة من جسد إلى لاجسد بعد ثلاثة أيام، الأول لجسد مُعذب، والثاني للاجسد خفيف، والثالث للتوليف اليوطوبي/الجسدي.
لكن الأمر لم ينتهي، فالنبي، عند ظهوره لمريم الغائبة عن لاجسدها ومصدر هروبها، كان في مرحلته الأخيرة الغير منتهية بعد.
لم يصل جسد النبي إلى وراءه الأكثر لا جسدية، أي الخالق/الرمز اليوطوبي الأعظم.
لإكتمال المطلق اليوطوبي لا بد من تبشير بلاجسدية ستطغى على نص ديني بأكمله "بل أمضي إلى إخوتي وقولي لهم: إني صاعد إلى أبي وأبيكم، إلى إلهي وإلهكم".
يبوح النبي بسر أعلى من لاجسده : لاجسد خارج عن قواعد الجدل الجسدي/اللاجسدي، وبالتالي يُصبح بإمكان كل إنسان أن يُصبح نبي بتخليه عن جسده وصعوده إلى مملكة اليوطوبيا، إلى مملكة/مرآة لا تنفك تجذب تلك الأجساد وتُسقط أبديتها على الناس، وتجعلهم عبيد للاأجساد.
مريم تحمل رسالة المرآة الغير مكتملة إلى الضائعين عن أجسادهم وتخبرهم "إني رأيت الرب".
رأى جسد مريم لاجسد "الرب"، وتوطدت علاقة الجسد/اللاجسد عبر ما قيل عنهما "وإنه هكذا كلمها".
في البدء كان الجسد والبقية، قبر، ملائكة، دموع،مرآة/نبي، رب ومملكة، تأتي...
ها هو النص الديني لا يبتعد عن هدفه المتماسك في السرد النبوي: الإبتعاد عن الجسد، إسقاطه في مملكة أبدية صنعتها مرآة الطوباوية الضائعة.
كل أعمال النبي ذات جوهر واحد: الإعتراف بجسد عبر اللاجسد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار