الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لابد من العلمانية

صالح بوزان

2004 / 8 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لفتت انتباهي مقالات السيد جهاد نصره التي تنشر في موقعي عفرين ومنتدى الحوار المتمدن، وأرى ثمة حاجة كبيرة لفتح هذا الملف(غربلة المقدسات). ولو بدأنا بهذه الغربلة منذ نصف قرن لما وقعنا في هذه الحالة التي نحن فيها من الغربة عن العصر وعن متطلبات الحياة الراهنة. لقد جعلت هذه المقدسات أن نتوغل في الجهل أفراداً ومجتمعاً وحتى كدولة، حيث يتحكم بنا (قانون) توارث العزلة عن العصر والتحصن ضد كل حرية فكرية، بل العبور فوق العلم.
لقد كان الخوف من المقدس يجعلنا، نحن المثقفين، نتصرف بروحية انتهازية، وترك رجل الدين يحشو ليل نهار أدمغة الجيل الشاب بأساطير وخرافات تغلق الباب أمام الإبداع والتفكير بالحياة، التي هي عبارة عن دار العبور إلى مستقر الخلود.
استطابت هذه الأيدولوجيا الخرافية تطلعات الحكام الذين لا يريدون من الرعية سوى الرضوخ(وأطيعوا أولي الأمر). والغريب في الأمر أن المثقف اليساري كان أكثر جبناً تجاه الدين الخرافي، بل ابتعد الماركسي منهم أكثر من غيره عن هذه المسألة، وظل يختبأ وراء مصطلح الإمبريالية والصهيونية، إما باعتباريهما سبباً لكل لكوارث واقعنا( مع العلم أن الصهيونية والإمبريالية تستندان للعلم)، وإما للهروب من متطلبات الواقع الوطني خوفاً من الحاكم وتكفير رجل الدين. وكثيراً ما كان يقع هذا المثقف في مطبات تلك الخرافات بهدف تجنيدها ضد خطر الإمبريالية والصهيونية.
وهكذا وصلنا إلى حالة تتحكم هذه الخرافات بطبيعة تفكيرنا، وبذهنيتنا، وحتى عندما نسعى لاستخدام العلم في حياتنا اليومية، نحوره لكي يتلاءم مع تلك المقدسات لدرجة يتحول هذا العلم البسيط الذي نستخدمه إلى جزء من تلك الخرافة نفسها.
من هنا أحي هذه المبادرة التي تحرك الموروث الساكن والذي تكلس في دماغنا، وأتمنى أن يحذو حذو السيد جهاد نصره غالبية المثقفين العلمانيين، في سبيل رفع راية العلم في هذه المنطقة المنكوبة بالخرافات، والإعلان جهاراً بأن الخروج من المأزق الذي نحن فيه لا يتم إلا بشن هجوم نقدي صريح ضد الخرافة وأصحابها.
ذكرتني هذه الومضات ببدايات عصر التنوير الأوروبي قبل أكثر من ست أو سبع قرون، عندما وقف المفكرون الأوروبيون ضد ظلم الكنيسة ومحاربتها للعلم، وما كانت تقوم به من جرائم بواسطة محاكم التفتيش( كما تقوم اليوم التيارات الأصولية التي تستبيح دم غيره مثل ابن لادن وأمثاله المتواجدين في كل الشرق الأوسط، والساعين لاستلام السلطة سواء بالقوة أو بالديمقراطية الغربية، ولكن لمرة واحدة فقط، ولجعل قتل الناس قانونهم اليومي كما كان في عهد حكام طالبان في أفغانستان، والقائد المؤمن صدام حسين).
لاشك أن انبثاق أرويا الحديثة تم على أجساد أولئك المتنورين، هذه الأروبا التي نحن مدانون لها بكل شيء تقريباً. حيث استطاعت البرجوازية المتنورة حصر الدين المسيحي والخرافات المنبثقة منه داخل جدران الكنيسة.
باعتقادي لن تقوم قائمة لهذا الشرق إلا بحصر الإسلام والخرافات المنبثقة والمتوالدة منه داخل جدران المسجد، وإقامة نظام علماني يتحمل الجميع مسؤولية الحياة الدنيا وترك الآخرة لمن يسعى إليها دون أن يكون قادراً على استخدام النفوذ الديني المادي والمعنوي لإكراه الناس بقناعات خاصة به سواء بالقوة أو بسلطة الخرافة.
فتلك الديانة المسيحية التي كانت تحرق المرأة التواقة إلى الحرية في مهرجانات الحرق بحجة استيطان الشيطان فيها لوجود شامة أو أكثر في جسدها بعد تعريتها أمام محاكم التفتيش المؤلفة من أعضاء فاسقين غالباً، نجدها، أي هذه الديانة اليوم أكثر تسامحاً، بل أصبح التسامح عاملاً رئيسياً لبقائها.
ورجالات الدين الإسلامي لعبوا دوراً مخزياً في التاريخ الإسلامي حيث كانوا السند الرئيس لطغيان الخلفاء والسلاطين وحكام الولايات وزعماء اليوم. بل قام الكثير من المؤرخين الإسلاميين بارتكاب جرائم تزوير حقائق التاريخ، وكتبوا سيرة حسنة لأولئك الحكام (بعد غسلها) مع إغفال الجوانب الأخرى المخزية.
كثيراً ما ندين هولاكو على جريمته الشنعاء برمي التراث الثقافي الإنساني إلى نهر دجلة بعد احتلاله لبغداد، لدرجة أن لون الماء تغير إلى لون الحبر الذي كتبت به تلك الكتب( كما تجمع على ذلك أمهات كتب التاريخ). ولكن لا يتجرأ أحد حتى اليوم أن يدين موقف عمر بن الخطاب لإصداره الأمر بحرق أقدم مكتبة في التاريخ عند احتلال المسلمين لمصر أقصد مكتبة الإسكندرية.
منذ فترة وجيزة رأيت على إحدى "البسطات" كراساً صغيراً بعنوان عذاب القبر. أخذت هذا الكراس من باب التطفل وبدأت أقرأ فيه. خلال القراءة انتابتني قشعريرة من الخوف. لقد تفتق ذهن الكاتب أو الجامع للكراس( لا أدري) على مظاهر من التعذيب الجسدي وقهر الروح الإنسانية جعلتني أفكر من يا ترى استفاد من تجربة الآخر في التعذيب؛ ألله من طغاة البشر أم الطغاة من هذا الشكل من التعذيب؟ فقفز إلى مخيلتي صدام حسين وهتلر وموسوليني وباتيستا وعيدي أمين وأخوتهم في التاريخ القديم والحديث. إنك تشعر من خلال الكتاب عن ذهن عجيب في الإبداع الخرافي لنماذج من التعذيب، ولا أتصور أن رجلاً بسيطاً وخاصة إذا كان أمياً( والأمية عندنا قد تشمل خريج الجامعة أحياناً) لا يركع خاشعاً أما شيخ يسرد له هذه الحكايات من التعذيب. ولم لا.. فقد قرأنا في رواية المرحوم عبد الحمن منيف(شرق البحر المتوسط) كيف انهار البطل في سجن الشرق الأوسط أمام جلاده رغم شجاعته المتميزة باعتراف رفاقه في الدرب.
إلى متى سنظل يتحكم بنا شيخ الجامع وحكاياته التي قد تكون شيقة إذا لم يطلب منا الإقتداء بها. بل إلى متى سنظل نهرب من المسؤولية التنويرية أمام الذات والشعب والإنسان؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي