الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيطان

ماريو أنور

2010 / 8 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هو أفصح مثال على إسقاط المعاناة الذاتية ... والتنصل من المسؤولية المصيرية ... خصوصاً بما يكتسبه هذا الرمز من تعزيز دينى يجعله بمنأى عن الشك .... ولهذا فهو كرمز يصلح تماماً لإسقاط المساوىء الذاتية و أوجه القصور الشخصية ... وتبرير انعدام تحمل المسؤولية ... والواقع أن الدارس النفسى لا يستطيع أن يتمالك نفسه من التشابه الكبير ... بين خصائص الشيطان كرمز للشر ... وبين خصائص اللاوعى الإنسانى وما يقبع فيه من رغبات و نزوات ذات طبيعة عدوانية أو جنسية وهى لا أخلاقية فى الحالتين ...
إن الشيطان هو رمز الشر و الغواية و التمرد على الأوامر الإلهية ... وهو لذلك مغضوب عليه محكوم بالطرد من الجنة ... ولكنه لقاء هذا الطرد سيظل أبدياً و سيشكل مصدر إغراء و فواية دائمين للإنسان .... وهو إلى ذلك مصدر إغراء بالتمرد و الثورة على القيود الدينية و الخلقية ... لكل من هذه الخصائص ما يقابلها فى اللاوعى الإنسانى ... المكبوت ( النزوات المفروضة لتعارضها مع المعايير ) هو باستمرار مصدر الشر و التهديد بالغواية ... تحرك المكبوت يثير الأنا الأعلى ( الضمير الخلقى ) الذى ينزل أشد العقاب بالإنسان إذا استسلم للغواية ( لإغراء إشباع النزوات المكبوتة ) ... ولذلك يطرد المكبوت من الوعى ... من الرغبة غير المقبولة إلى حيز الكبت و لكنه لا يقضى عليها ... بل تظل أبدأً متحركة ديتامية ... تتربص ساعة غفلة من المرء ورقابته الخلقية كى تبرز ... تماماً كالشيطان الذى ينسلإلى الإنسان فى ساعة غفلة فيجعله يستسلم لما لا يرضاه من انجراف فى ممارسات السوء .... وكما أن إبليس لا ينام ... ومكره و حيلته لا حد لهما ... وتلبيسه ( الصور التى يظهر بها ذات أشكال لا حصر لها ) ... وطريقة استخفائه و تنكره تسمح له أن يفلت دوماً من التنبه له ... وبالتالى فلا يأمن شره إلا الصفوة من ذوى الحظوة بالرعاية الإلهية ... كذلك هو اللاوعى تماماً ... الدوافع المكبوتة تأخذ ألف وجه و شكل ... إنها تكمن للمرء فى الأمور التى هى آخر ما يخطر بباله أن يتوقعها ... وهى تظهر فى الحلم أو اليقظة ... او الاضطراب السلوكى أو العرض المرضى ... أو الصراع العلائقى محققة مآربها ... و المكبوت هو من حيث تعريفه عدو الإنسان من الناحية الخلقية الواعية ... ووطأته شديدة على النفستتطلب كفاحاً دائماً و مضنياً بعض الأحيان ... ولذلك فإن إسقاطها على الشيطان ... من أنجح الحيل للتخفف من وطأتها و ضغطها من ناحية ... والتخلص من وزرها ( وما تثيره من شعور بالإثم ) من ناحية ثانية ...
وليس الشيطان مجرد رمز للغواية اللاواعية .... بل يلعب الدور نفسه بالنسبة للوضعية الاجتماعية للإنسان ... كل إغراء بالتمرد على المعايير القمعية يلصق بغواية الشيطان و تغريره بالإنسان ... كل تقصير فى النهوض لواجبات المصير الذاتى يلصق بتزيين شيطانى ... كل عدوان على الآخرين أو نيل منهم يحمل وزره للشيطان و إفساده الأمر بين الناس .... و بهذه الصورة ... تتحول الحياة بما فيها من أحداث إلى سلسلة مأساوية يقوم الشيطلن بإخراجها ... ويكون الإنسان مجرد ممثل فيها ... دون أن يعرف ... تحديداً ... طبيعة الدور الذى يقوم به ... وهكذا فإن الشيطان لم يقتصر دوره فى الواقع على الغواية فى المسائل الدينية ... بل أنه يتغلغل فى أعماق نسيج الذات العربية ... بحيث يعزى إليه كل ما لا يرضى عنه الإنسان أو المجتمع ... وبهذا أصبح الشيطان ستاراً خفياً وراءه كل العلل و الأسباب ... ومشجباً تعلق عليه التبريرات و المعاذير ... وأصبح مستودعاً للأخطاء و الهفوات ... كبيرها و صغيرها ... سواء على مستوى الفرد ... أو على مستوى الأمة ... وهذا ما ساعد على إضعاف آلية التحليل فى العقلية العربية ... و تنمية التعليل لبغيبى الساذج .... وسهولة مغالطة الواقع بالتغاضى عن حقائقه المادية و إرجاع كل شىء إلى الشيطان .
(( كم هى كبيرة الخدمات التى يقدمها رمز الشيطان لكل من السلطة المستغلة ... و الإنسان المقهور و المغبون .. فى العالم النامى )).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشيطان مذنب او مطيع
محمد سعيد ( 2010 / 8 / 2 - 12:39 )
عزيزي الكاتب مقالك رائع وما يدعوني للتساؤل هل الشيطان كان منفذ لارادة الله ام متمرد عليه النص يقول انه تحدى الله بعدم السجود امام ادم ونحن نعلم انه لايصح السجود الا لله وهل يعقل ان يخالف مخلوق امر الخالق وهو يراه امامه ويكلمه حتى مهما كان قراره وبالتالي لماذا اوكلت له مهمة اغواء غريمه الانسان يا اخي القصة كلها على بعض لا تدخل في الراس وتحياتنا للكاتب


2 - زراعة الشيطان
فيصل حرسان ( 2010 / 8 / 2 - 12:47 )
الشيطان ما مات


3 - الفكر البدائي
محمد البدري ( 2010 / 8 / 2 - 20:12 )
وحد البشر فجوة وفراغا اثناء تدبرهم بوعيهم البدائي شكل وصورة الوجود الاجتماعي. كان لا بد من تفسير لكل ما هو ضار فلا حاجة لهم لتبرير ما هو صالح. لكن صورة الصالح لهم كانت مهتزة عندما وجدوا ان ما هو شر لهم وغير محقق لامنهم في نواحي كثيرة له من الحضور باكثر مما للخير والمفيد من وجود. ومع الحالة البدائية للبشرية قامت الرمزية بفعلها فتمت عملية انتاج الله وجاء الشر ممثلا في الشيطان كنقيض له ويعمل عكسه. هكذا تشكلت صورة لما يشعره البدائي لتفسير الوجود مستخدما منهجا اكتشفه عالم الانثروبولوجي مالونفسكي لاحقا في القرن الماضي تحت مسمي الوظيفية. والحقت وظيفة التدمير بالشيطان حيث لا يمكن تحاشي الدمار والخراب رغم حضور الله الطاغي في كل لحظة. ظل الوعي ناقصا حتي تشكلت الاديان الحالية وانتقلت الرموز بوظيفتها الي الاديان اتبرير الوجودن لهذا قام الشيطان بوظيفة المخرب للوجود الامن للبشر في جنة عدن كما في اساطير الاديان الثلاثة. شكرا وتحية للكاتب الفاضل علي مقاله الكاشف للاساطير التي لازالت تعمل في عقول كل من الزم نفسه بالبدائية.

اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت