الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكليف بالعقل، فهل يخاطب الله العقل المعرفي؟

طريف سردست

2010 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقال ان التكليف بالعقل، ولا تكليف لمن لاعقل له، وهي في ذاتها مقولة مثيرة للدهشة والشك والاستغراب ليس اقله لكونها مبدأ فقهي وليس مقولة قرآنية.

من جهة لايوجد كانن بدون عقل، والاختلاف فقط بدرجات العقل. من جهة ثانية تتفاوت درجات العقل حتى بين افراد فصيلة الانسان نفسها، فأين الحد الفاصل بين العقل الذي يتوجه الله له بالخطاب وبين العقل المعفى من التكليف؟

نعلم ان مجرد وجود عقل عند الانسان غير كافي لتلقي خطاب بمستوى الخطاب القرآني، فنسمع على الدوام تبريرات تدعي بأن النص القرآني كان مضطرا لاخذ بالاعتبار المستوى المعرفي للزمان الذي هبط فيه. ولهذا فمن الواضح ان السقف المعرفي للمتلقي يلعب دورا في التكليف ولايكفي إمتلاكه العقل وحده. مثلا لن يتمكن القرآن بصيغته الراهنة من كسب شخص واحد سكنة الغابات الامازونية لقبائل تعيش حياة بدائية لاملكية فيها ولاحاجة للعمل او الدخل او الملبس وليس فيها دواعي للسرقة او الكذب او الملابس او القتل وليس بينهم من يعلم ان الله سخر بعضهم فوق بعض او لماذا.

لذلك نرى ان التكليف ، بالضرورة المنطقية، لايستطيع ان يتوقف عند العقل وانما السقف المعرفي ايضا، وبالتالي فهو يخاطب ليس عقل الفرد وحده، على تنوعه، وانما عقل الجماعة ايضا، في المكان والزمان ومتطلبات التغير.

وإذا كان الامر كذلك وهو كذلك بالضرورة، فإن المهمة ان خطاب الرسالة يمتلك اداة تواصل فعالة ، تأخذ بعين الاعتبار جميع هذه العوامل والمتغيرات، لتعكس هذا التحدي من خلال ضمانها تحقيق التواصل بدون التباس مع كل السقوف المعرفية في الزمان وعبر العصور، بذلك تعبر عن الكمال الالهي من حيث انجاز التحدي بمثابة الدليل على مصدر القرآن.

بمعنى اخر ان من واجب خطاب القرآن، بدلالة الوهيته، ان يقدم منظومة تناسب الجميع وبراهين لاتدحض من زاوية نظر جميع العقول المعنية بالتكليف، بما فيه العقل المعرفي الحديث، حسب مقاييس العصر المعني.

من هنا ضرورة وجود براهين تتوافق مع مواصفات العلم الحديث الذي انتجه انسان العصر الراهن، إذ ان العقل اليوم هو العقل المؤسساتي وليس عقل الفرد. غير ان اقصى ماتمكن المؤولون من ايجاده لايتجاوز إدعاءات الاعجاز العلمي، وهي عبارة عن التقاط كلمة او كلمتين تتوافقان بشكلهم الظاهر مع اكتشاف علمي، بعد اقتطاعهم من سياقهم اللغوي والديني وفرضهم في اطر جديدة مختلفة ، حسب الحاجة الغائية، ومن بينها ابتداع تعريفات ابتكرت حديثا ولاعلاقة مضمونية لها بكلمات القرآن الاصلية.

جهود مُدعي الاعجاز العلمي بذاتها تعبير عن الوعي بالمعضلة واعترافهم بضرورة ارتقاء خطاب التكليف الى مستوى العقل المعرفي. والمأساة انه لايكفي التقاط بعض الكلمات من هنا وهناك وإعادة تركيبها بعقل انساني، بل ان صدور الرسالة عن العالم والقادر والكامل يحتم ان يكون البرهان واضح لامجال فيه لاي التباس او سوء فهم او دواعي تتدخل حكماء اللاهوت ، إذ يفترض ان العالم بالغيب كان عالما بالمتطلبات الحديثة وطريقة الخطاب المعرفي وعدم حاجة صياغته الاعجازية لاعادة الصياغة لتحقيق التواصل الحقيقي بدون التباس او مثار للمنازعات والخلاف، ولكنه لم يفعل.

هل يعني ذلك ان الحكيم والقادر قد اختار الالتباس وانعدام البرهان وسيلة للتواصل مع "العقل" المعرفي، ام انه اختار وبإصرار الابقاء على التواصل على مستوى أساليب التواصل مع الانسان الجهول عندما علمه الاسماء كلها؟ الم يصل اليه ان الانسان اصبح يطالب باحترام بالمزيد وبما يتناسب مع احترام العقل؟

ان قوة عاقلة وقادرة لاشك تعلم انه لاحاجة لاختيار مخاطبة " العقل المعرفي" ولاحاجة لدعوة اصلا، فالعقل الناضج سيصل اجلا ام عاجلا الى " المصدر"، واي دعوة ترسم الطريق ستكون عامل كبح للمعرفة وليست اضافة، خصوصا مع فقدان المعالم العقلية للخطاب. بل ان اي دعوة قبل وصول السقف المعرفي الى مستوى المنهجية في التفكير هو اختيار مخاطبة الجهل واختيار الابقاء عليه، يبرهن على ذلك الخطاب الوحيد الجانب مع العقل الفردي والبدوي وحده، وخلوا الخطاب من توجهات للعقل المنهجي.
بذلك يكون خطاب القرآن لايختلف بشئ عن اي خطاب إنشائي من خطب بقية الاديان ، لايقدم اي دليل وفاقد للبرهان.

فما هي دواعي الادعاء ان التكليف بالعقل، وعن اي عقل يتكلمون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العقل عقلان غزيزي ومكتسب 1
سعد الدين احمد غانم ( 2010 / 8 / 3 - 11:25 )
إن العقل عقلان _ غريزي ومكتسب. فالغريزي هو ما نسميه بالمقدرات العقلية من فهم وإدراك وفقه واتساق في الكلام وحسن تصرف إلى آخر ما سنبينه بعد إن شاء الله. هذا العقل الغريزي هو موضوع مقالنا.

العقل الغريزي هذا هو مناط التكليف، فمن لا عقل له لا يكلف، ومن فقد بعض مقدراته العقلية فإنما يكلف بحسب ما بقي له منها.

والذي أعطي عقلا ثم ألغاه فلم يستعمله الاستعمال الصحيح ولم يلتزم بمبادئه لا يفقه الدين، فلا يؤمن به، لكنه يحاسب على عدم فقهه لأنه كان نتيجة لتعطيله الاختياري لعقله (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ) [يونس:100]

فلا غرو أن جعل الله عقاب الذين لا يعقلون هذا هو نفسه عقاب الذين لا يؤمنون (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) [الأنعام: 125] ا :


2 - العقل عقلان غزيزي ومكتسب 2
سعد الدين احمد غانم ( 2010 / 8 / 3 - 11:27 )
وللعقل في القرآن معان بحسب نوع المعقول ـ أعني نوع الشيئ المراد عقله وفهمه. من هذه المعاني: أ. فهم الكلام: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:75] (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2] فبين أن السبب في جعله عربيا هو أن يفهمه ويعقله أولئلك المتحدثون بهذه اللغة ب. عدم التناقض في القول: (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 65] فالذي يقول إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا كأنه يقول إن إبراهيم كان سابقا في وجوده لليهودية والنصرانية لكنه كان أيضا لا حقا لهما. وهذا كقوله تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُون


3 - العقل عقلان غزيزي ومكتسب 3
سعد الدين احمد غانم ( 2010 / 8 / 3 - 11:29 )
هذه كلها مقدرات عقلية زود الله تعالى بها الناس أجمعين، فهم جميعا يقرون بها، ويرون من عدم العقل ترك الالتزام بها لكن ما كلهم يلتزم في الواقع بها. ولذلك يكفي أن تنبه من خرقها إلى أنه أتى بفعل غير عقلي كما رأينا ذلك في آيات القرآن السابقة.

لكن ينبغي أن ننبه إلى أن بيان القرآن للمسائل العقلية وإقراره لها ليس محصورا في الآيات التي ذكرت فيها كلمة العقل, فهنالك آيات تذكر فيها كلمات أخرى تشير إلى المقدرات العقلية بذلك المعنى العام الذي ذكرناه، بل إنه يبدو أن كل سؤال استنكاري في القرآن يدل على أن المسؤول عنه أمر بدهي ما ينبغي لذي عقل أن يماري فيه.

بل إن القرآن الكريم مليء بالآيات التي يمكن أن يتخذها المسلم موازين عقلية. ولعل هذه هي المرادة بالمعني الثاني لمفهوم العقل، أعني كونه علوما يهتدي بها الإنسان.


4 - المنطق والعقل
على سالم ( 2010 / 8 / 3 - 15:59 )
الاستاذ طريف ,دعنى اقول لك ان مقالك هذا وايضا مقالتك السابقه تعبر عن تفكير عميق وتحليل رائع ,تهنئتى لك ويبدو ان الكاتب الوهابى السلفى طلعت خيرى سوف يرد عليك ايضا ويقول هذا كفر بواح وخروج عن الجاده الواضحه وان لم تستعيذ الشيطان الرجيم وتعود الى الاسلام فانك هالك لامحاله,لاادري لماذا يقحم طلعت خيرى نفسه على موقع علمانى وهو يعلم تماما انه يحرث فى البحر وكل ردوده تتسم بالسطحيه الشديده ودرجه التعليم المتدنى وخواء العقل, وايضا التكرار الممل والغبى فى اعتقادى انه يعمل لهيئه الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وبالطبع يحصل على المعلوم فى مقابل عمله الساذج المضحك وبالطبع هدفه هو هدايتنا جميعا والرجوع الى دين الحق والرشاد والتسبيح بحمد محمد اله المسلمين والويل والاهوال الى الكفار الملاحده اعداء الله والدين,ان مصيرهم الجحيم واهوال السعير خالدين فيها الى ابد الابدين


5 - الانسان والتكليف
صلاح الدين الليبي ( 2010 / 8 / 3 - 17:13 )
قال تعالى(لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا),(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا)
نلاحظ أن التكليف للانفس فالعقل نعمة مثل الصحة والمال وغيرها من النعم, وفي النعم يكون الحساب. الله تعالى يخاطب النفس. فالجسد هو نعمة مثل باقي النعم. مثلا لا يحاسب الاعمى على نعمة البصر ولا الغير عاقل بالعقل ولا الامي بالعلم.
أول خطاب الله تعالى في القرآن يحث على رفع السقف المعرفي بقوله(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فكلما تعلم الانسان كلما ازداد فهم لمراد الله تعالى.
الدين ثقافة لتوحيد الفكر في العقيدة والعمل وعلاج الخلافات التي تعهد الشيطان بزرعها بيننا فبعد أن اخرج أبونا ادم من الجنة فتن بين الاخ وأخيه فقتله.
هده الثقافة تتمشا مع الزمان والمكان , والاشياء المستحدثة بعد نزول القران تدخل في نطاق الدين فمثلا الاشارة الضوئية فالعبور من الضوء الاحمر ممنوع و حرام لانه اعتداء على حق الغير ,و يمكن أن يسبب في أضرار فالارواح والممتلكات.
سر القرآن يكمن في التحديث فهو يحدث نفسة على حسب الواقع , ولكن ثقافة ومصالح رجل الدين هي الستار الدي يفصلنا عن هده الحقيقة.


6 - الى سعد الدين احمد
طريف سردست ( 2010 / 8 / 4 - 13:47 )
اشكرك على تعليقك، غير ان ماتفضلت به يتطايق مع طرح الموضوع اذ يفترض ان يملك القرآن خطاب موجها لسكان غابات الامازون ايضا، على إعتبار انهم يملكون الحد المطلوب من العقل الغريزي، ومع ذلك فخطاب القرآن لايراعي العقل المكتسب في ظروفهم، وبالتالي لن يجد ردود فعل بصورة فطرية.

وخطاب القرآن لم يراعي العقل المكتسب لظروف انسان العصر الحديث، من حيث ان العقل المكتسب اليوم هو العقل المعرفي المؤسساتي، ولكن الله لايخاطب هذا العقل على الاطلاق.

مالذي بقي غير العقل البدوي؟


7 - الى سعد الدين احمد
طريف سردست ( 2010 / 8 / 4 - 13:51 )

ولايوجد اي تعدد لانواع العقل في القرآن، وانما للسياق الذي استخدم فيه تعبير - يعقلون-. وبالتالي فتوصيف الانواع بناء على ذلك هي مسألة لغوية مجازية وليست واقعية. غير ان هذه النقطة ليست مهمة على الاطلاق في سياق موضوعنا اعلاه
المهم ان الخطاب غير مناسب للعقل المكتسب في ظروف الفطرة الاولى، حيث لاملكية ولاصراع .. وغير مناسب للعقل المعرفي الحديث. بذلك يكون القرآن قد اسقط من حسابه مرحلتين تاريختيين على الاقل، على الرغم من انه لكل العصور


8 - الى سعد الدين احمد
طريف سردست ( 2010 / 8 / 4 - 13:53 )

لذلك تتغاضى عن ان الموضوع لايناقش مفهوم العقل من منظور لغوي وانما منظور معرفي بالارتباط مع سياقه الاجتماعي والعلمي. لهذا فإن تعليقات لم تضيف اي اضافة لها علاقة بفكرة الموضوع


9 - هذا هو المنطق
مايسترو برتو ( 2010 / 8 / 4 - 15:47 )
وما تفضلت به لا يحتاج إلى الكثير من تفعيل العقل حتى يُفهم، وإني في غاية السعادة بأني قرأت لك مقالين مميزين في يومين متتاليين، وعلقت على كليهما، وقد أُعجبت جداً بأسلوبك السلس في إيصال الفكرة إلى المتلقي مهما كانت درجة تعليمه أو ثقافته، وهذا هو التميز بحد ذاته وشكراً على على هذه الإفادة.


10 - الغباء المركب !
coboliste ( 2012 / 7 / 17 - 00:03 )
مسكين أنت، لاتكاد تفرق بين الدماغ والعقل !!

اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا