الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 3

ابراهيم ازروال

2010 / 8 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الجزء الثالث
4- نقد التأويل الوطني للظهير الكولونيالي :
يقود القصد الفكراني ، النظر إلى "التجويزالمفهومي "والى "التجويز التاريخي " ؛ فكما ينهض التجويز على نفي الطبائع والنواميس الكونية ، فإن "التجويز المفهومي " يقلب البناء المفهومي للمصطلحات و"التجويز التاريخي " ينفي السببية التاريخية ويصيغ الأحداث وفق تطلبات نفسانية أو فكرانية أو ثيولوجية . وهذا تضيع معقولية التاريخ ، ليحتل السرد الحالم والمقارنة الاستيهامية ، سطح الخطاب، بفصاحة تليق بالاستدلال والاعتبار البيانيين .!
( إن هذا يعني ، في السياق الذي نتحرك فيه ، أن "العروبة " قامت للدفاع عن " الإسلام " في المغرب ، وبالتالي فالتعارض بين " الإسلام " و"العروبة " الذي كان يعاني منه المشرق، وما زال ، نتيجة المعطيات التي ذكرنا ، قد حل محله في المغرب التضامن بين العرب والبربر تحت راية الإسلام ، الإسلام الدين ، والإسلام الأمة ، الذي ظل على الدوام يؤسس الوحدة الوطنية المغربية منذ الفتح الإسلامي .ومع غياب التعارض بين " الإسلام " و"العروبة " وقيام التضامن بينهما بل استمراره ، ينتفي بصورة مباشرة التعارض بين الأصالة والحداثة ، باعتبار الأصالة هي هنا الإسلام والعروبة معا ، وان الحداثة ضرورية للنهوض ضد المستعمر الذي لم يعد خطره منحصرا في إفقاد البلاد سيادتها وسلبها خيراتها ...بل لقد أصبح يهدد بسياسته البربرية الوحدة الوطنية ، لا بل كيان الأمة الديني والثقافي والحضاري . )
(-محمد عابد الجابري – المغرب المعاصر – الخصوصية والهوية .. الحداثة والتنمية – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى – 1988-ص.-41- .)
تحتكم أراء الجابري ، هنا ، إلى المرسخات البنائية للوغوسفير العربية – الإسلامية ، والى
الأطر الفكرية للقدامة الكلاسيكية .فالحقيقة ، أن ثمة بونا وهوة ، بين الحداثة بما هي تدبر واشتغال محايث ومسامت للسيرورة التاريخية ، وبين خطاب يقرأ الحداثة بما قبلها ، وتحولات التاريخ بالأنماط التعليلية المعهودة في التاريخ المؤسطر ، وتناقضات الاجتماع البشري بمفاهيم السياسة الشرعية .إن الاحتماء من صدمة الحداثة ، بالقنوت واللطيف (اللهم نسألك اللطف فيما جرت به المقادير لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر) وتحريك فوبيا التنصير ، يكشف ، على الحقيقة ، عن الارتباطات السلفية لخطاب الحركة الوطنية .فبدلا من أن تكون صدمة الحداثة ، فرصة لاستشكال الأرضية المعرفية لخطاب القدامة الكلاسيكية وتحرير متحركات التاريخ من سواكن الفقه ، فإن خطاب الاستجابة ، اكتفى بإعادة تحيين المتخيل الجهادي ، وتحريك الهواجس والفوبيا العقدية، والتمترس خلف مرسخات التاريخ المغلق .
لا يملك الخطاب الصادر عن تكليم التاريخ ،التفكير النقدي في تاريخيته وآليات اشتغال مفاهيمه وأدواته الإجرائية ورؤاه التصورية ؛فما يعنيه هو تأبيد صورة الذات عن نفسها ، والتنفيذ الآلي والتقني ، للأنماط التصورية النموذجية ، والتكيف التقني مع الظرفيات التاريخية المختلفة ، جزئيا أو كليا ، عن الظرفية الأصلية المؤسسة للخطاب المرجعي .ومادام الخطاب المؤسس ، قداميا تعيينا ، ومنشغلا بالتدين الذاتي وبتديين الآخر ، فإنه لا يتصور أي خطاب متسق منهجيا ، وبعيد ، رؤيويا ، عن المقتضيات المتعالية للفكرية الإبراهيمية .وهذا ما يفسر إصرار هذا الخطاب ، على إخراج العرضي مخرج الجوهري ، في المنطلقات الثقافية للجمهورية الثالثة .فحيث إن الخطاب التسلفي ، ينفي إمكان اجتراح بديل تثاقفي، حضاري خارج المقررات التداولية للخطاب الإبراهيمي ، فإنه يتأول الجمهورية الفرنسية الثالثة بمثابتها امتدادا لمملكة القديس لويس التاسع!.
يقود التضامن التاريخي مع الجماعة الوطنية ، إلى تنكب طريق الواقعات التاريخية والتواء مسالكها وممراتها ، والى قبول الحقائق التداولية مهما كانت موغلة في الأسطرة والتخييل ؛ والحال أن دعوى تنصير الأمازيغ لا تملك صدقيتها للاعتبارات التالية :
1- الاختراق الابستيمي للنسق الرمزي اليهودي – المسيحي واعتماد إبدال معرفي حداثي منذ القرن الثامن عشر ،
2- صدور الدولة – الأمة على فلسفة علمانية للشخص البشري ،
3-احتكام السياسة الكولونيالية إلى استراتيجيات جيو-استراتيجية لا تحتل فيه المؤسسات الكنسية موقعا رئيسا ،
4- تفضيل السلطات الكولونيالية للمجاورة المؤسسية والاحتفاظ بهيبة وتمامية النسق الاعتقادي- الشعائري التقليدي ،
5- الاعتماد على التحديث التدريجي بالاستعانة بأعتى المؤسسات التقليدية وفقا لمقتضيات السياسة الإسلامية .
فبدلا من الكشف عن الرهانات والمضمرات الفكرية والتاريخية الحقيقة لرد الحركة الوطنية المغربية على ظهير 16 ماي ، اختار الجابري المسايرة اللانقدية للسردية الميثية ، "للبورجوازية المدينية " الباحثة عن وجه اعترابي خال من الوشم الأمازيغي!
فالخطاب اللانقدي ، محكوم هنا ، بما سماه فرنسيس بيكون بأوهام المسرح ،وبانسابية الأسطورة التأسيسية ، للوعي العروبي في جغرافيا ثقافية لم يتمكن الاعتراب الكلاسيكي ولا الحديث من "تشريقها " وتعريب " عمقها الثقافي ونواتها الصلبة .ومن هنا فقراءة الجابري قراءة احتفالية وامتثالية وفكرانية ، وغير مستوفية لشرائط القراءة المعاصرة كما حددها في سفر ( نحن والتراث ) .
( وهي "معاصرة " بالمعنيين معا :
- فمن جهة تحرص هذه القراءة على جعل المقروء معاصرا لنفسه على صعيد الإشكالية والمحتوى المعرفي والمضمون الأيديولوجي ، ومن هنا معناه بالنسبة لمحيطه الخاص .
- ومن جهة أخرى تحاول هذه القراءة أن تجعل المقروء معاصرا لنا ، ولكن فقط على صعيد الفهم والمعقولية ، ومن هنا معناه بالنسبة لنا نحن. إن إضفاء المعقولية على المقروء من طرف القارئ معناه نقل المقروء إلى مجال اهتمامك القارئ ، الشيء الذي قد يسمح بتوظيفه من طرف هذا الأخير في اغناء ذاته أو حتى في إعادة بنائها . )
(- محمد عابد الجابري – نحن والتراث –قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي- المركز الثقافي العربي –الدار البيضاء – المغرب – الطبعة السادسة -1993-ص.11-12)
يغيب بروتوكول القراءة إذن ، لتتوالد الاستنتاجات غير المؤسسة ، وتقوم مقام الأدلة الغائبة .حين تغرب شمس الاستشكال المعرفي ،ويصير المقروء الغض الدليل الأخير ، يستحيل الخطاب إلى غلالة شفيفة لا تقوى على تغطية البطانة الوجدانية،والتماهي مع الكوسموجونية التأسيسية للخطاب المؤقنم. وبما أن الحقيقة التاريخية ، لا تقيم اعتبارا ، للميثولوجيات التأسيسة ، فإننا نورد مقطعا من رسالة لمحمد الخامس ، تضع نقاطا نقدية كثيرة ، على الحروف الأسطورية للوطنية المتسلفة .
( ..وقد قامت شرذمة من صبيانكم الذين يكادون لم يبلغوا الحلم و أشاعوا ولبيس ما صنعوا ، أن البرابر بموجب الظهير الشريف تنصروا وما ذروا عاقبة فعلهم الذميم وما تبصروا وموهوا بذلك على العامة وصاروا يدعونهم لعقد الاجتماعات بالمساجد عقب الصلوات لذكر اسم الله تعالى اللطيف فخرجت المسألة من دور التضرع والعبادة إلى دور التحزب والتمرد فساء جنابنا الشريف أن تصير مساجد – قال الله في حقها : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه الآية – محلات اجتماعات سياسية تروج فيها الأغراض و الشهوات وعلوم لدى الخصوص والعموم أن مولانا المقدس بالله كان أحرص الناس على إيصال الخير لأمته فكيف يفعل أن يسعى في تكفير جزء عظيم من قبائل رعيته ونحن والحمد لله سائرون على أثره في ذلك ساهرون على دفع كل ضرر يلحق برعيتنا السعيدة فليس إبقاء تقرير البرابر على عوائدهم إلا مساعدة من جنابنا الشريف على محض طلبهم وإجراء لهم على ما كانوا عليه منذ أزمان طويلة ....)
( ضمن – محمد مونيب – الظهير " البربري" أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر – دار أبي رقراق للطباعة والنشر – الرباط – المغرب– 2002-ص. 91-92).
ولا يغرق شاهد الجابري في أوهام الكهف فقط بل يغوص في ما سماه فرنسيس بيكون بأوهام السوق ؛إذ ينهض الخطاب- هنا - على استعمال هلامي للمصطلحات وعلى" نقع "فكراني لدلالاتها، تعانق بمقتضاهما "الوحدة الوطنية "الفتح الإسلامي ، وتندغم الأصالة –حصريا – بالعروبة والإسلام ، وترتبط الحداثة بالممانعة الثقافة والحضارية.إن نصا يدير المفاهيم ب"النقع "والتعويم ، لا يمكن إلا أن يفقد متنانه البرهانية وجدارته الحجاجية ، مهما نافح عن الاستدلال والرؤية البرهانيين ضد القياس البياني والرؤية التحاجية .
يقتضي التدبر العقلاني للمفاهيم ، توطينها في مساقاتها وسياقاتها المجالية والثقافية والتاريخية، واستعمالها استعمالا وظيفيا لا احتياليا.فلئن مثلت الحداثة عنوان انقلاب مفهومي ونظري وتاريخي وتجاوز للابستيمية القروسطية ، فإن حداثة الوطنية المتسلفة تستحيل عند الجابري إلى محض أداة احتيالية للممانعة ، بعد قرون من استفحال الغمم المغربية . إن وسم حركة سلفية مناهضة لجوهرالتحديث بمسيم الحداثة ، جدير بينبغيات الإيديولوجي لا المفكر ناقد بنية العقل التراثي.فرغم اشتداد الغمم المغربية وانكشاف العجز البنيوي للنسق الفكري – السياسي الشرعي ، فإن النخب المتسلفة ، تصر على تنقية الأجواء العقدية في الفكريات التراثية ، وعلى استعارة بعض عناصر الحداثة التقنية ، لمصاولة الطبعة الحداثية من الجوهر النصراني – الصليبي! .
لقد اعتقدت السلفية النهضوية ، أن الغمة لا تحتاج إلا لاستئناف النظر في/وبالآليات التراثية وإعادة ترتيب الأولويات وفق الروزنامة الثيولوجية المعلومة والتماهي مع المسلكيات المؤمثلة للسلف ؛ علما أن تشقق النسق التداولي والعمق النظري للوعي الجمعي ، يستوجب ، إعادة بناء الأولويات على أسس جديدة : أي الانتقال من إبدال إلى إبدال من ابستيمية إلى ابستيمية مخالفة .ولم تفلح حداثة الترميق الوسيلي ، وحداثة الاحتيال المفهومي والنظري ، في تحقيق المعادلة حتى الآن ، رغم كل التقريبات التداولية والتبيئات المجالية المنجزة باسم التجديد من الداخل !
وحتى يكتمل بهاء الزوج الميتافيزيقي ، فإنه يستعرض مكونات الأصالة.والغريب هنا ، هو أن المفكر المنادي بالتجديد من الداخل وبمراعاة السياقات التاريخية والدعوة إلى الكتلة التاريخية ، يلغي هذه الملابسات السياقية جملة كلما لامس إشكالية الأمازيغية.فتزكية "الأصالة "القائمة على الركنين الركينين في المنظومة التراثية ،لا تصدر إلا عن منظورية فقهية- ايديولوجية ، قليلة الاحتفال بمقاربات وآليات علوم الإنسان والمجتمع .وهكذا تلغي فيتيشية الايديولوجيا ، التاريخ والاجتماع المغربيين ، لتبحث عن الأصالة في أنظار تسلفية ليست إلا استعادات فجة للأنثروبولوجيا المرفوعة إلى مرتبة الابستمولوجيا المعيارية ( ابستمولوجيا أصول الفقه ) بالفعل السياسي التوسعي المستحوذ على فائض القيمة التاريخي .
من الغرابة إذن ، أن تعزى أصالة التحقق والانجاز ،إلى خطاب يرفع الاستئصال الفكري إلى مرتبة المسلمة المنهجية .لقد اضطر الفقهاء والأصوليون والمؤرخون ، للتعامل العملي مع التعقيد الإشكالي للسوسيولوجيا المغاربية، رغم ارتباطهم الوجداني بالمعيارية الشرعية .وفي هذا السياق ، فإن جدة خطاب الحركة الوطنية ، تكمن ، على الحقيقة ، في تنظيره لإمكان تجاوز تلك المراعاة ورفع المانع السوسيو-انثروبولوجي بعد الانعطافة الحمائية .
فالأصالة لا تحب الاشتباك بالمتاهات السوسيولوجية والتاريخية ،وبالطبقات المتراكبة للوعي واللاوعي المغربيين ، وتفضل سيولة البيان على تشعب مسالك العمران .وهذا ما يفسر –جزئيا-تغليب الجابري للرشدية على الخلدونية في أعماله.
ولتقريب "الأصالة" المنوه بها ، نورد شاهدا آخر ، يكشف عن بعض "تجليات "العقل الوطني :
( يتلخص " الظهير البربري " الذي استصدرته سلطان الحماية الفرنسية بتاريخ 16 أيار / مايو 1930 في فكرة واحدة هي : تطبيق العرف المحلي بدل الشريعة الإسلامية في " القبائل ذات العوائد البربرية " مع توسيع نفوذ المحاكم الفرنسية – في المغرب – بحيث يصبح من اختصاصها " النظر في زجر الجنايات التي يقع ارتكابها في النواحي البربرية مهما كانت حالة مرتكبي الجناية " . )
(-محمد عابد الجابري – المغرب المعاصر – الخصوصية والهوية .. الحداثة والتنمية – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى – 1988-ص.-81- .)
فمن علامات الأصالة الاعتراض على تطبيق العرف الأمازيغي وإدخال الحداثة التشريعية والقانونية إلى الفضاءات الثقافية الأمازيغية .ويكفي قليل من التأمل في طبائع العمران ، لندرك أن للأعراف سريانا وإواليات كاشفة عن طرائق اشتغال البنيات السياسية والاجتماعية وعن لا تاريخية دعوى مسح الطاولة .فبدلا من تدبر العقل التشريعي والفلسفة الثاوية خلف نلك الأعراف ، اكتفى الخطاب المتعالي ، بقراءة التعقد السوسيو- سياسي للواقعات القروية ، بلغة الأدبيات البدعوية .ومن الواضح هنا ، أن فرنسا اكتفت بإدخال الحداثة القانونية والتشريعية ، لا القانون الكنسي كما هو مفترض في خطاب الداعين إلى القنوت واللطيف.فمن لطائف الخطاب هنا ،اعتبار الحداثة القانونية مدخلا إلى التنصير والى معانقة القانون الكنسي !.
فمعانقة التنصير عبر الحداثة ، مكرمة" تحاجية" ،يعلنها خطاب البيان حين يفقد نسغ التاريخ وينقطع عن طبائع البرهان !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استئناف مفاوضات -الفرصة الأخيرة- في القاهرة بشأن هدنة في غزة


.. التقرير السنوي لـ-مراسلون بلا حدود-: الإعلام يئن تحت وطأة ال




.. مصدر إسرائيلي: إسرائيل لا ترى أي مؤشر على تحقيق تقدم في مسار


.. الرئيس الصيني يلتقي نظيره الصربي في بلغراد ضمن جولة أوروبية




.. جدل بشأن هدف إنشاء اتحاد -القبائل العربية- في سيناء | #رادار