الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العِلموية والإسلام (5)

وليد مهدي

2010 / 8 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ملامح البعد الفاوستي للإسلام

ناقشنا مسالة " الوعي " و " العقل " بمنظور عصبي وكذلك بمنظور سايكو فيزيائي في مواضيع عدة ٍ هنا في { الحوار المتمدن } ، وتوصلنا إلى النتيجة الآتية :

عمليات الدماغ وما ينتج عنها من " فكر " و " سلوك " تجري في مستويين اثنين :

الأول : مستوى فوق الجزيئآت

ونقصد به العمليات الدماغية الناتجة من حركة النواقل العصبية ، وهي جزيئآت كيمياوية ، وكذلك حركة الايونات وهي ذرات ذات شحنات زائدة ( موجبة وسالبة ) ..

فتفاعلات الايونات و النواقل الكيمياوية في الجهاز العصبي والدماغ تحديداً هي المسببات الإنفعالية – الهورمونية ، المتأثرة حسياً بالمحيط والمسببة للميول الغرائزية والبعد الابوليني المؤمن بالقدرية في الشخصية .
هذا البعد بسيط وواضح في النفس البشرية ، ولو تم ترجيحه على البعد الآخر العقلاني فإن السلوك يقود للفرادة و الانانية لأنه يستمد نظمه من الجسد ومعطياته الحسية .
هذا المستوى من الفكر " الطبيعي " يقود البشرية لقدر الرأسمالية ..

الثاني : المستوى الفراغي تحت الكمي

وهو المستوى الغامض الخفي من عملية التفكير ، الذي يحدث تحت مستوى الذرة ، ضمن عالم الكم الاحتمالي المبهم ، والذي سقنا عنه الأدلة بأنه الجانب الفكري المحض الذي لا يخضع لتقلبات الهورمونات والمعطيات والمنبهات الحسية المثيرة للغرائز والميول العليا وإنما ... المعطيات والمنبهات القادمة من " الذاكرة " البعيدة المؤرشفة ...!!

وهكذا ، فهذا المستوى هو ما نطلق عليه البعد الفاوستي الذي يسير بالضد من المعطيات الحسية ، ففي حالة زيارتنا لطبيب الأسنان ، هذا المستوى من التفكير هو الذي يجعلنا نحتمل الألم ...!

فالألم يدفعنا غريزياً للابتعاد عن كرسي الطبيب وفق البعد الانفعالي الابوليني ،لكن البعد الفاوستي العقلاني المضاد هو الذي يبقينا محتملين الألم لأجل نتيجة ٍ متوخاة :
شفاء طويل الأمد
وهكذا ، مسيرة تطور العقل البشري قفزت من مستوى السيطرة الإنفعالية ( جذع المخ ) عبر التاريخ إلى مستوى السيطرة المنطقي ( مقدمة الدماغ ) ...

والدين ، ورغم فساد منهجه بفعل الانتهازيين ، لكنه وكما وضحناه في مقال الأول من آيار الماضي ( لماذا نعتقد : الأيديولوجيا بمنظور عصبي ) فقد خطا في مسار تطور العقل نحو البعد الفكري المحض اللا غريزي .. ( ناقشنا الموضوع يومها بإسهاب ) ..

لهذا السبب ، لم يكن الإسلام في دعوته للثقافة الكلية بدعة فكرية في تاريخ التطور العقلي الإنساني ، بل هو نتاج تحولات تاريخية منسابة على مدى ملايين السنين ومكملة لحلقات تطور الميثولوجيا و الفكر الديني في بلاد الرافدين والصين ومصر ..

فما تناولناه سابقاً بأنه مستوى التعبئة الثقافية الكلية التي جعلها السلاطين ووعاظهم حظا ً للفقراء ، هو في الحقيقة البعد التجاوزي الفاوستي المعاكس لتيار الغريزة و الإنفعال والذي يقود الإنسانية إلى قدر ... الاشتراكية ...

وبالتالي يكون سؤالنا في النهاية :

هل يمكن أن يذوي التطور الفاوستي المضاد للغريزة في العقل ؟

الجواب : هذا مستحيل ..

الجنس البشري يقطع دروب التاريخ في تطور الدماغ و أجزائه المنطقية حسبما يخبرنا علم الأعصاب ، و أيضاً في تطور عمليات الذاكرة تحت الكمية ، وهذه كلها مؤداها تطور البعد المعاكس للحسية الفردية ، البعد الكلي الجمعي .. بما في ذلك العقائد الدينية ، والإسلام تحديداً ببعده الثقافي الجمعي ( وليس الاقتصادي المعروف ) كما ناقشناه في الموضوع السابق .


الإسلام و مصير الحضارة

الفردية بصورة عامة ( وقود الرأسمالية ) ، وبمسار تطور العقل تعتبر مرحلة " متأخرة " ، والجماعية هي المرحلة المتقدمة والشعور الجمعي في مسار تناميه وتطوره يحتم زوال الرأسمالية في النهاية وحلول الاشتراكية كقدر نهائي للبشرية كما تنبأ ماركس ..

لكن ، مع ذلك ، تبقى الماركسية ناقصة للبعد التعبوي الثقافي للإسلام ، الذي يتيح للأفراد بطقوس الصلاة الجماعية اليومية وعلى مدى زمني بعيد " خلق " ثقافة ذاكرة جماعية ، بل حتى تخليق مسارات عصبية دماغية فردية معززة للسلوك الجماعي ..

هذا يعني في النهاية ، ومن سخرية القدر أيضاً ، إن الإسلام كثقافة والاشتراكية كنظام اقتصادي قدر البشريــة ، رغم إنها ستبدو عبارة ساخرة ..على الأقل هذا ما تخبرنا بها دراسات الانثروبولوجيا وعلم الأعصاب و السايكوفيزيا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع


.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح




.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran