الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل عشائري!!

سعد تركي

2010 / 8 / 8
المجتمع المدني


في زمن لم تكن قد نشأت الدولة بمفهومها الحديث، تم اللجوء إلى حمى العشيرة لتنظيم العلاقات بينها وبين بقية العشائر، وكان اللجوء للفصل العشائري واحداً من أهم الأعراف التي التزمت بها العشائر والقبائل العراقية، وهو صورة أولية لقانون الأحوال المدنية والشخصية، فبه يعرف أفراد المجتمع حقوقهم وواجباتهم وما يترتب على من اعتدى على هذه الحقوق.
فقدت هذه الأعراف والنظم والسنن فطرتها ونقاوتها وبراءتها حين انسحب تطبيقها من مجالها الأصلي في القرى والأرياف ـ حيث تغيب الدولة وقوانينها أو تكاد ـ إلى المدن والحواضر، حين استغلها بعض من ضعاف النفوس وحولوها إلى غير غاياتها وأهدافها السامية، ففي حين كان الفصل العشائري حلاً تسعى إليه العشائر لدرء فتنة ولمنع اقتتال دموي ووسيلة لردع المعتدي، تحول إلى صفقة تجارية يستغل فيها بعضهم أي احتكاك مهما صغر وضؤل.
في جعبة كثير منا قصص عديدة عن فصول عشائرية تم عقد(راية العباس) عليها لأسباب بسيطة هينة لا تشكل أي خطر أو اعتداء مقصود على من فرض(الكوامة) وطالب بمبالغ كبيرة خرجت عن المألوف والمعتاد من مجالس لم تكن تقعد إلا لأمر جلل أو اعتداء بيّن واضح كالقتل العمد أو السرقة أو الاعتداء الأخلاقي والجسدي، قصص تثير المرارة والسخرية أحيانا من قدرة بعض من أدعوا الوجاهة والمشيخة و(البخت)، استغلوا براعتهم وهيبة عشائرهم في التكسب بالسحت الحرام، وأصبح من يجيد المناورة ويمتلك براعة في الكلام ويرتدي العقال والكوفية، كسب صيتاً وشهرة لبراعته الكبيرة في إلباس الباطل لباس الحق والاقتصاص من مسكين لم يجد ناصراً ومعيناً، ولهم مكاتب يقصدها بعضهم للتحدث عوضاً عنهم مقابل نسبة يتفق عليها من قيمة الفصل!!
أحدث حكاية من هذه الحكايات ما جرى لأحد المساكين الذي دهس دونما قصد دجاجة تسرح بين القمامة، ولأن الرجل من أهل الله فقد سأل عن صاحب الدجاجة لتعويضه، طرق الباب، خرج له شيخ كبير، أخبره بما جرى عارضاً تعويضاً مناسباً، ثارت ثائرة الشيخ واعتبر الفعل مقصوداً وهدد وتوعد وأرغى وأزبد وفرض (الكوامة)، فما كان من المسكين إلا أن يذهب إلى أعمامه بعد أن طلب من الشيخ (عطوة)، ولم يستطع الإفلات من هذا المأزق إلا بعد أن دفع نصف مليون دينار عراقي عداً ونقداً لكي تعقد(راية العباس)!!
قد يظن كثيرون أنها حكاية من الخيال لغرابتها التي تثير السخرية والألم، وهي مؤشر خطير على الاستغلال البشع والجشع الكبير الذي أصاب بعض من استغل قوانين لم يكن لها من هدف سوى تنظيم علاقات أفراد المجتمع وحماية أبناء العشيرة من التعدي عليهم وعلى أملاكهم وشرفهم، فصارت هذه القصص(سنينة) لدى آخرين وأنموذجا يحتذون به.. وينسون حديث النبي الأكرم الذي تُفتتح هذه المجالس بالصلاة عليه وعلى آله: .. ومنْ سنّ سُنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نافذة إنسانية.. تحذيرات أممية من تدهور أوضاع النازحين بمخيما


.. الفقر والإهمال يحرم أبناء النازحين بكردستان العراق من الدراس




.. نتنياهو وبوتين والسعودية..كيف استفادوا من قرار المحكمة الجنا


.. مندوب فلسطين الدائم بالأمم المتحدة: نتوقع مفاجآت من دول مثل




.. مطالبة مدعي -الجنائية الدولية- باعتقال نتنياهو يثير غضب حلفا