الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوب تقدمت كثيرا في الكلام

رضا عبد الرحمن على

2010 / 8 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا ينكر أحد أن أغلب الشعوب العربية يقومون بدور المستهلك للتكنولوجيا العالمية الحديثة التي أنتجتها وصنعتها دول العالم الأول والثاني بعد معاناة وجهود كبيرة بذلتها تلك الدول في البحث والجهاد العلمي وإعداد الفرد عقليا لتوفير الكوادر المطلوبة لقيام ثورة بحثية علمية كبيرة تخدم أهداف تلك الدول في مساعيها نحو الوصول لهذا التقدم والتطور التكنولوجي الذي يشهده العالم ونستفيد منه اليوم ، ولا زلنا نمارس دور المتفرجين من المدرجات.



أما أغلبية الشعوب العربية ومن خلال الأحداث اليومية سمحتُ لنفسي أن أصفها بشعوب الكلام ، لأنها حقا شعوب تقدمت كثيرا في الكلام ، وسوف أكتب أدلة واقعية وأمثلة يومية تؤكد تفشي هذه الحالة السيئة في هذه المجتمعات.



أغلبية الشعوب العربية إلى يومنا هذا لم تنجح في بناء العقل لم تنجح في بناء الفرد عقليا ليكون نواة يمكن الاعتماد عليها في اختيار الكوادر المناسبة ، التي تساهم في إحداث نقلة علمية يستفيد منها المجتمع ككل من خلال حدوث طفرة في البحث العلمي كما حدث في الدول التي تقدمت ونجحت في هذا ، لكن على النقيض نجحنا نجاحا ساحقا في استهلاك التكنولوجيا الغربية والعالمية دون تفكير أو تدبر كيف صـُنعت هذه التكنولوجيا ، وجميع الدول تتقدم وتتطور ونستورد منها ما نجحت في صنعه ونحن في حالة سبات عميق لا نفكر ولا نتدبر أين كانت بعض هذه الدول منذ خمسين عاما .



والشيء الوحيد الذي نجحنا فيه بامتياز هو الكلام



لم نكتفي فقط باستهلاك التكنولوجيا الخارجية دون وعى ، ولكننا نـُـسِـيء استخدامها في كثير من الأحيان ، وتفوقنا على من صنع هذه التكنولوجيا بالكلام ، والكلام هنا له عدة أشكال وأنواع حسب الهوايات والرغبات :



1: كلام في الكورة (كرة القدم)

وبفضل الله جل وعلا نجحت أغلبية الشعوب العربية في إحداث طفرة كبيرة جدا نقلت نفسها إلى دول العالم الأول من خلال تفوقها في الكلام في الكورة (كرة القدم) لدرجة تدعو للحسرة على الساعات التي تضيع هباء في تحليل مباريات كرة القدم قبل وبعد المباراة بساعتين إذ مجرد مشاهدة مباراة في كرة القدم يعني إهدار حوالي ست ساعات من عمر الإنسان وهى نفس المدة التي استطاع خلالها الجيش المصري أن يـُفقد العدو الاسرائيلى توازنه في حرب أكتوبر عام 1973 ، ولا يكتفي الإنسان منا بهذا القدر من إهدار الوقت لكنه يـُصر على تضييع ما تبقى من عمره في استكمال الكلام عن نفس المباراة لحظة بلحظة ويكون هذا في الشارع بعد انتهاء المباراة أو في أماكن العمل أو في وسائل المواصلات ، على الرغم أن المتكلمين جميعا قد شاهدوا المباراة والتحليل على مدار ستة ساعات كاملة إلا أنهم يُـصرون على إعادة الحديث عن كل صغيرة وكبيرة في أحداث ومجريات المباراة وكأنهم سيدخلون امتحان في هذا ، هذا الهراء ضرره لا يصيب عنصر الوقت فقط الذي بسببه تخلفت هذه الشعوب ، وإنما يتضخم الضرر والمرض حتى يخلق جوا من التعصب والمشاحنات بين المتكلمين قد يؤدي للضرب والسب والخلافات الشخصية والقطيعة بين الأصدقاء ، و يمتد تأثير هذا العته الفكري بأن يكون سببا رئيسيا في خلق جيل بل أجيال من المسطحين فكريا ، والمهووسين كرويا بحيث يكون لاعب الكرة مثلا أعلى لكل الأطفال والشباب في هذه المجتمعات.



2ـ الكلام في المحمول (الجوال)



اعتبار الدول العربية أكثر الدول إهدارا للوقت والمال في الكلام في المحمول أمرا بديهيا لا يحتاج لدراسة ولا إحصائيات ، المواطن العربي يشتري كارت الشحن بأخر عشرة جنيهات موجودة في جيبه ، حتى لا يظهر أمام الناس أنه (عفوا لقد نفذ رصيدكم) ، أصبح الكلام في التليفون المحمول مرض مزمن أصاب معظم المجتمعات العربية في مقتل لأنه يتسبب في إهدار المال بــ (المليارات) سنويا ، كما يتسبب في إهدار الوقت والعمر إن صح التعبير ، أبسط الناس وأفقر الناس يتكلمون في الجوال بسبب وبدون سبب ، في أتفه الأمور يهدرون ساعات من اللغو والهراء في كلام لا طائل من وراءه ، ومن الأمثلة على المهازل التي تحدث في المحمول كلام من يظنون أنفسهم أحبه من البنين والبنات الذين يفرغون شحنات الكبت واليأس في هذا الجوال ، كلام الجارات والاستفسارات عن عمل أشهى الأكلات ، كلام مع مذيع برنامج فضائي للمشاركة برأي تافه في برنامج تافه يتحدث عن موضوع أتفه ، كأن يتصل مواطن بمذيع يطلب منه مشاهدة جولة (للحانوتي) والحانوتى هذا مـُصارع ، أو يتصل مواطن أخر يسأل الداعية أو الشيخ أنه من سوء حظه أن شقته ضيقة جدا ولا يستطيع وضع السرير باتجاه القبلة ، حتى يكون في استقبال القبلة عند الجماع ، أو يسأل فضيلة الداعية عن حكم جلوس السيدات على القاعدة الافرنجى (قاعدة الحمّام) بدون محرم ، أسئلة كثيرة بالملايين يهدر فيها الوقت والمال وتهمش بها العقول والنتيجة تقدم ملحوظ في الكلام.



3ـ الكلام على الشات ( الإنترنت)

وهذه مصيبة المصائب وكارثة كبرى تنذر بخطر مؤكد على المجتمعات العربية حيث يقوم شباب العالم العربي بعمل بطولي قومي لأنهم نجحوا في إعلان قومية عربية حقيقية بعدما فشل السياسيون فيها ، يقوم الشباب العربي بعمل وطني عظيم يهدر فيه وقته وماله ويهمش عقله ليرسم طريقا مظلما لمستقبله أولا ومستقبل بلاده كنتيجة حتمية لما يحدث ، شباب الشات والإنترنت والغرف أصبح إدمان تفوق على إدمان المخدرات ، ولا يستطيع أي شاب الإقلاع عنه ، وأكبر دليل على هذا أن أفضل المشاريع ربحا ونجاحا في السنوات الأخيرة هي مشاريع الإنترنت أو (السيبري نت) .



ــ هذه كانت مجرد أمثلة بسيطة وسريعة عن بعض أنواع التقدم العظيم في الكلام ، لكن لو تعرضنا لنوعية أخرى من كلام المصاطب لتأكدنا أن هذه الشعوب ولدت لتتكلم فقط ، الكلام في الجنس والعلاقات الجنسية والمنشطات الجنسية أصبحت حالة مرضية تحتاج لعلاج داخل هذه المجتمعات ، للأسف الكبير هذا هو الواقع الآن في أغلب الدول العربية ، لكن كل هذا رغم خطورته على تقدم وتمدن الشعوب إلا أنه أقل نسبيا في خطورته على هذه الشعوب ، وذلك لوجود نوع من الكلام يعد الأخطر على الإطلاق ، وهو الكلام في الدين ، وهنا مكمن الخطورة ، فهذه الشعوب قد أدمنت الكلام بلا فعل أو عمل في حياة مبنية على كلام في كلام ، لدرجة جعلت ارتباط هذا بأمثال شعبية يرددها الناس باستمرار كـ (هو فيه حد بــ يدفع في الكلام فلوس) أو (هو الكلام بيندفع فيه فلوس) والخطورة هنا هي تأثر التدين بثقافة الكلام في الأمور الأخرى ، بحيث تحول الدين والتدين إلى كلام أيضا ـ كلام بلا عمل وبلا فعل ولا يخفى على أحد عشرات الفضائيات التي تتكلم على مدار الساعة ، وعلى كل قناة يدور حوار يتخلله عشرات الاتصالات وكله كلام ، ولا مكان للعمل ، كله يتكلم وأبسط درجات العمل لا يفكر فيها أحد وهى إعمال العقل فيما يـُسمع وفيما يـُقال أو فيما يقوله الشخص نفسه فنحن شعوب قد خلقت للكلام فقط ، وخطورة الكلام في أمور الدنيا قد يصيب المجتمع بالتخلف والجهل وعدم اللحاق بركب الحضارة والتطور والمدنية ، أما الكلام في الدين أو تحويل الدين إلى حلقات من الكلام وجلسات من الكلام والترف الإعلامي الهزلي الذي قد يضيـع أعمار أجيال بكاملها فخطورته أكبر وأخطر حيث يضيع هذا النوع هذه الشعوب في الدنيا والآخرة معا ، وهناك إشارة قرآنية توضح أن الإنسان لكي يثبت حسن إيمانه لن يكون هذا بالكلام فقط ، وإنما بالإيمان والعمل الصالح فهما مترابطان متلازمان في مواضع كثيرة جدا في القرآن الكريم يقول تعالى (إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )البقرة:277

ولا نجاح أو تقدم في الدنيا بدون عمل الكلام لن ينتج إلا كلاما ، لا إيمان للإنسان بدون عمل ومن يظن أنه سيدخل الجنة بمجرد قول بعض الكلمات عند موته فهو واهم وغافل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين المشروع النهضوي اين الارادة والعزيمة
سعد الدين احمد غانم ( 2010 / 8 / 9 - 17:33 )
بالطبع معك بعض الحق فيما قلته يا اخونا رضا ولكن الصورة ليست قاتمة بهذا الشكل برضو هناك ناس رغم اوضاعنا المتردية تحت الاستبداد والفساد والهيمنة الاجنبية بتحاول ان تبتكر وتنتج ولكن لاتجد من يرعاها ويهتم بها ولا شك ان الخروج من وهدة التخلف والتردي الحضاري تحتاج الى مشروع نهضوي تقوم به ارادة مستقلة ولديها القدرة من الانعتاق من الهيمنة
انه من اجل الخروج من وهدة التخلف العلمي فان هناك شروطا كررناها مرارا ونذكر بها منها على سبيل المثال استقلال القرار السياسي والانعتاق من الهيمنة الاجنبية والارداة والعزيمة التي تحطم المستحيل كما تفعل ايران مثلا اضافة الى معالجة موضوع ضعف التعليم وضعف مخرجاته والاهتمام بالنابهين وبمراكز البحث العلمي والصرف بسخاء على البحوث العلمية واستقدام الخبرات العربية والمسلمة في الغرب التي تقدر بمئات الالاف من النابهين والاذكياء والمبدعين لا يكفي ان نولول ونجلد الذات ولكن علينا ان نعمل ونزرع الامل


2 - هذه هي الحقيقة ورحم االله القصيمي
ممدوح الممدوج ( 2010 / 8 / 10 - 11:58 )
العرب ضاهرة صوتية
لوجمعت المجلدات التي الفت في الكلام مند 1400 سنة لاستطت ان تردم بها نهر النبيل.
هل تنتج امة تسترجع تاريخا اسودا وتتقاتل عليه كما تقاتل عليه اهله؟؟. ماهي الفئادة المرجوة من نبش تاريخ الصحابة والتابعين؟؟. هل هم حقا اهلا للمبالغات والتقديس؟؟. ما هي الاعمال التي خلفوها؟؟. هل صنعوا آلةلتخفيف معاناة الناس؟؟. كلا والف كلا ؟؟. عندما امر على مسجد باسم المغيرة ابن شعبة يذكرني بحادثة الزنى مع ام جميل ولولا ارتباك احد الشهود لاقيم عليه الحد؟؟. فهل هذه النماذج تستحق ان تسمى بيوت الله باسمائهم؟؟. فاذا كانت امة تقدس فساقها وجلاديها وحكامها المارقين تريدها ان تنتج؟؟. كلا . ما هو سبب تقاتل المسلمين بعضهم ببعض؟؟, هو الكلام ومستقاته.كلمة مولى تعني عبد وسيد وعم وانت حر في اي معنى تريد ولهذا تشيت الفتنة؟؟. لو سالت لماذا هذا التسيب لقالوا لك انها الرحمة ولكن في الحقيقةانها النقمة.ابن لادن له تفسيره الخاص وعبد العزبز آل الشيخ له تفسيره الخاص وسيد طنطاوي له تفسير ه الخاص والسيد علي الخمنائي له تفسيره الخاص والسد السيستاني له تفسيره الخاص؟؟. سبحا ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين.

اخر الافلام

.. المحامي ثروت الخرباوي يكشف أسرار الإخوان المسلمين بالأدلة


.. 145-An-Nisa




.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى