الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعقول واللامعقول

ماريو أنور

2010 / 8 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى بلاد الإغريق فى القرن الثانى بعد الميلاد و أثناء حكم الإمبراطور ماركوس أوريليوس عاش رجل يدعى ألكساندر من أبونيوتيكوس وكان من أساتذة النصب و الاحتيال ... كان رجلاً و سيماً و حاذقاً و لا خلاق له ... وكان ... كما وصفه واحد من معاصريه " يعيش على موارد غامضة " ... وفى واحدة من أشهر قصص خداعه " اندفع إلى الأسواق عارياً إلا من مئزر مرصع بالذهب يحيط به وسطه و حاملاً سيفاُ معقوفاً وهو يهز شعره الطويل مثل المجاذيب الذين يجمعون النقود باسم سايبيل إلهة الطبيعة ... وتسلق فوق مذبح عال و ألقى خطبة رنانة متنبئاً فيها بظهور إله نبوئى جديد ... ثم هرع إلى موقع بناء معبد جديد متبوعاً بالجماهير و اكتشف شيئاً دفنه مسبقاً وهو بيضة إوزة و ضع بداخلها ثعباناً وليداً ... ثم فتح البيضة و أعلن أن ذلك الثعبان الوليد هو الإله الذى تبنأ به ... ثم اعتكف ألكساندر بمنزله عدة أيام بعدها سمح للجماهير مبهورة الأنفاس بالدخول عليه حيث و جدته وقد التف حول جسده ثعبان ضخم فقد نما الثعبان الوليد نمواً هائلاً خلال الأيام المنصرمة ...
وكان الثعبان فى حقيقة أمره من النوع الضخم المسالم وقد اشتراه من مقدونيا مسبقاً خصيصاً لهذا الغرض ... وجهزه بغطاء رأس من الكتان يحمل سمات بشرية .... وكانت الغرفة خافتة الإضاءة .... و بسبب ضغط الجماهير المتدفقة لم يسمح لأحد بالبقاء فى الغرفة إلا برهة قصيرة لا تسمح لأحد بفحص الثعبان فحصاً جيداً .... و أجمعت الجماهير على أن العراف قد زودهم بإله جديد ...
ثم أعلن ألكساندر أن الإله مستعد أن يجيب عن أسئلة توضع له فى مظاريف مختومة ... وعندما كان يصير وحيداً يتحايل على رفع الختم و يقرأ الرسالة و يعيد ختم المظروف بعد أن يضع به إجابة عن السؤال ... وتدفق الناس من كل أنحاء الإمبراطورية كى يشهدوا معجزة الثعبان الناطق ذى الرأس البشرية ... وفى حال تبين أن النبوءة كانت غامضة أو مخطئة خداً بيناً كان لألكساندر حل بسيط هو أن يغير من فحوى الإجابة التى أعطاها ... فإن وجد أن رجلاً ثرياً أو امرأة قد أفضى فى سؤاله بسر خطأ أو جريمة لم يكن يتورع عن استغلاله فى ابتزاز أموال السائل ... وكانت حصيلة ذلك الدجل دخلاً يعادل اليوم بضع مئات الألوف من الدولارات سنوياً و شهرة لم يدانها إلا قلة من معاصريه ...
وقد نبتسم لما فعله ألكساندر المتاجر بالنبوءات ... ومن البديهى أننا نود أن نتنبأ بالمستقبل و أن نتصل بالآلهة ... ولكننا لن نخدع اليوم بمثل تلك الخداع ... أم لعلنا نخدع ... فقد أمضى لامار كين ثلاثة عشر عاماً يعمل كوسيط روحانى ... وكان راعياً لكنيسة فى مدينة تامبا و أميناً للصندوق للاتحاد الروحانى العالمى وكان لسنوات عديدة من الشخصيات الرئيسية فى الحركة الروحانية الأمريكية ... وكان دجالاً ... كما اعترف هو بنفسه ... ويقر بناء على خبراته الشخصية بأن الغالبية الساحقة من جلسات تحضير الأرواح و الرسائل التى تصل من الموتى من خلال وسطاء روحانيين هى خداع متعمد مخطط لاستغلال الأخزان و التلهف الذى نبديه على من فقدناهم من أصدقاء و أقارب ... وكان كين ... مثله فى ذلك مثل ألكساندر... يجيب أسئلة تسلم له فى مظاريف مغلقة و لكنه لم يكن يفعل ذلك سراً و إنما من على منبر الوعظ ... فكان يطلع على فحوى الرسائل مستخدماً مصباحاً قوياً مخفى عن الأعين أو يغمس المظروف فى محلول يجعله شفافاً لفترة قصيرة ... فكان يستطيع العثور على الأشياء المفقودة و يخبر الناس بأسرار عن حياتهم الشخصية " لا يمكن لأحد أن يعرفها " ... وكان يتحادث مع الأرواح و يجسد الإكتوبلازم فى ظلام الجلسات الروحانية ... وكل ذلك كان مبنياً على خدع أبسط ما تكون وعلى ثقة بالنفس لا تتزعزع ... وفوق كل ذلك على سذاجة مفرطة و انعدام لأية شكوك من قبل أبناء أبرشيته وزبائنه ... وكان كين ... مثله فى ذلك مثل هارى هودينى ... يؤمن أن مثل ذلك الدجل منتشر بين الروحانيين و أنهم على درجة عالية من التنظيم بحيث يتبادلون المعلومات عن الزبائن المحتملين لكى تبدو الجلسات أكثر إبهاراً ... وكانت كل الجلسات تدور فى غرف مظلمة مثل جلسات مشاهدة ثعبان ألكساندر – لأن الضوء يكشف الخدع ... وفى سنوات قمة مجده كان بكين يحقق دخلاً مساوياً ... من حيث القدرة الشرائية ... للدخل الذى كان يحققه ألكساندر من أبونيوتيكوس ...
ومنذ أيام ألكساندر وحتى أيامنا هذه ... بل لعله منذ أن سكن الجنس البشرى هذا الكوكب ... اكتشف الناس أن بمقدورهم ربح المال بادعاء القدرة على كشف الأسرار المكنونة أو بمعرفة شىء من السحر و التنجيم ... و نستطيع أن نجد تقريرً رائعاً يلقى الضوء على بعض تلك الخدع فى كتاب رائع مطبوع سنة 1852 فى لندن بعنوان (( أوهام شائعة ورائعة وجنون الجماهير )) .... من تأليف تشارلز ماكاى ... وتتراوح الموضوعات التى تناولها ماكاى ما بين الخيمياء و النبوءات و العلاج بالإيمان إلى المنازل المسكونة و الحملات الإعلامية و (( تأثير السياسة و الدين على الشعر و اللحية )) ... وتكمن همية الكتاب ... مثل ألكساندر المتاجر بالنبوءات ... فى ابتعاد الخدع و الأوهام التى جاءت به عن أذهان الناس ... فالكثير من الخدع ليس لها مدلول معاصر ولا تشغل فكرنا إلا بصورة واهية ... وهى تبين بجلاء السهولة التى كان الناس يخدعون بها أزمان سابقة ... غير أننا بعد قراءة العديد من الحالات المشابهة نشرع فى التساؤل عن كنه الصور المعاصرة منها ... فأحاسيس الناس لا تزال قوية مثلما كانت فى الماضى ... ولا يزال الشك من الأمور المكروهة اليوم مثلما كان فى أى عصر سبق و لهذا فمن المفترض أن تنتشر الخدع فى المجتمع المعاصر وهى منتشرة فعلاً ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب