الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان .. شهر الفقراء

حامد حمودي عباس

2010 / 8 / 12
المجتمع المدني


في اول يوم من شهر الصيام ، أراني متحمس لتسجيل لقاء مع فقراء بلادي ، حيث تلتقي في بيوتهم وعلى الواح سررهم البسيطة ، كل افرازات الحرمان ، لتضغط على كياناتهم الهزيلة ملامح من نوع جديد ، ملامح ترغمهم على اكتساب القدرة على المزيد من الصبر ، وهم يأملون حينما تصل هذه اللعبة بهم الى نهاياتها ، ويقفون امام منصة الحساب الختامي في الاعالي ، أن يكون لهم حسن المآل .
الفقراء في بلادي ، يصومون هذه الايام ، طمعا في الجنة ، والاغنياء يسافرون هربا من حرارة المناخ الى شمال الوطن ، حيث تنعم الوديان الخضراء ، بجو ربيعي منعش .. وحينما يحل موعد الافطار ، يفترش فقراء بلادي الارض ، وينثرون قطع الخبز المحمر في تنانير الطين ، ومعها ما يتيسر من رزق الله .. لينتهي يومهم بكلمات يوجهونها الى السماء ، بأن تتقبل سعيهم ، وتهديهم بركاتها مطرا ، ورغيف خبز لا يلونه لون الرماد .. انهم يتضرعون في خاتمة كل يوم من شهر رمضان ، وبتوسل غير منقطع ، كي تنزل عليهم رحمة الاحساس بالامان من الامراض الساريه ، وأن يبدأ يومهم الآت بشيء من الراحة ..
الفقراء في بلادي غير معنيين بما يفعله اسيادهم ممن يقال عنهم رجال الفضيلة والمراجع العظام ، بل هم في لهو عن ذلك حتى لا تحبط اعمالهم ، ولكي لا يطالهم غضب الرب لكونهم قد تدخلوا فيما لا يعنيهم .. فهم معنيون فقط بما يقدر لهم من حال .. ولا شأن لهم بسواهم ممن يمتلكون الفقه والدراية ويحملون راية المسؤولية ..
انها قسمة عادلة على ما يبدو ، تلك التي تبعد الرعية عن الراعي ، ولابد من معرفة درجة المقام قبل ان ينطلق المقال ..
الفقراء في بلادي ، يعلمون علم اليقين ، بأن دنياهم ما هي إلا دار فناء ، وبأن المستقر الابدي هناك ، حيث ينتهي عذاب البرزخ ، ويقفون وكل منهم يحمل كتابه باحدى يديه ، ساعتها سيحل موعد الحسم ، وتنطلق الاحكام لتقول كلمتها بلا ابطاء ، فالشهود حاضرون ، والسجلات معدة مسبقا ، وفيها كل صغيرة وكبيره .. لا مفر ساعتها من نيل عقاب الآخرة بعد نيل عقاب الدنيا ، وليس من أحد سيقف هناك ليفرز الناس على أساس ما بحوزتهم من مال ولا جاه ، غير ان للأغنياء ستكون الحضوة في كونهم كانوا قد أدوا فرائض دينهم وبكل أمانه ..
الفقراء في بلادي ، ليس فيهم من أدى فريضة العمرة عشر مرات خلال حياته كما يفعل سواهم .. ولم يقدر لهم أن يعمروا مساجد الله حتى يضمنوا الأجر العظيم ، ولم ولن يتمكنوا من امتلاك نعمة الوعظ من فوق المنابر .. انهم قاع الناس ومؤخرة الركب .. وهم بذلك لا زالوا في مرتبة العبيد ، فهل علم أحد بان للعبيد منزله ؟
الفقراء في بلادي ، ريحهم تزكم الانوف ، وثيابهم لا تؤنس الناظر من غير طبقتهم ، ينامون وتحت اغطيتهم روائحهم النتنه ، لا تتركهم ما دامت بطونهم تنفث ( الفسو ) المنطلق من اطعمتهم الرخيصه .. والقمل يعبث في ثنايا شعورهم المكتضة بالاوساخ .. أحلامهم يفسدها السوس المنتشر في اعماق اسنانهم فلا يجدون سبيلا لاصلاحها ، وهم في ذلك راضون .. تعم نفوسهم الغبطة حينما تلوح لهم طلعة بهية لمن يعضهم بالصبر والسلوان ، ويعدهم بجنات عرضها السماوات والارض إن أداروا وجوههم للدنيا وما فيها لأنها دار فناء ، وعليهم التشبث بدار البقاء .
الفقراء في بلادي سعداء بواقعهم ، ولا يحبون ابدا من يهبهم غير هذه السعاده .. لا يعرفون ما ترطن به السنة اولئك الذين يتمايلون وراء منصات الخطابة ، او ممن يسمونهم بالكتاب والمثقفين .. فهم لا يعلمون ، بل لا يفهمون ما يطنطن به هؤلاء من كلام لا يهديهم الى غير ما هم فيه .. ولديهم سواء جميع المسميات التي تزدحم بها قواميس السياسة ومعاجم اللغة ، ولا شأن لهم بغير ما لديهم من شجون ..
الفقراء في بلادي ، متمرسين بالبغاء وهز الارداف ، كما هم اكثر تمرسا باحياء طقوس دينهم في المناسبات .. لا قوانين تحكمهم ولا أعراف ، غير تلك التي ولدت معهم حيث وجدوها مكتوبة على مهد من يولد منهم في ظلمات الليل .. وجميعها تبيح لهم كل شيء عدا النفور من ظالم أو عدم تقبل إهانه .. فتجدهم يهبون هبة رجل واحد ، يموتون من شدة التدافع ليبلغوا اقرب نقطة تحت شرفات القصور ، علهم ينالون بركة تلويحة كريمة من ذراع ولي الأمر ، وهو يمن عليهم بتحيته المقدسه .
هؤلاء هم الفقراء في بلادي .. يصومون شهر رمضان المبارك ، على هدي أن فارسا سيظهر لهم ذات يوم ، ويقودهم في ساحات الوغى ، ليهدوا من حولهم معاقل ودول ، ويظهروا ما غاب عنهم من فضائل الاجداد ، وتسود راياتهم كل الدنيا ... لتنطلق من جديد ، احكام السلف الصالح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصويب
حامد حمودي عباس ( 2010 / 8 / 12 - 18:46 )
أحسب ان جملة ( الفقراء في بلادي ، متمرسين بالبغاء وهز الارداف ) يجب ان تكون ( الفقراء في بلادي ، متمرسون .. ) .. مع الاعتذار


2 - السيد الكاتب
رفيق أحمد ( 2010 / 8 / 13 - 02:55 )
من الذي سبب الفقر لأهل بلادك ؟ أليسوا حكامنا الذين ينعموا بالخيرات ولا يسألوا هن شعبهم المسكين ؟ هؤلاء اللذين سيطروا وتحكموا بكل مقدرات الأمة تراهم يدور أولادهم الفاسقين في شوارع البلد والعالم ثم يمثلوا أمام الناس أنهم أتقياء يصوموا ويصلوا وكله والله العظيم كذب , الحق معك رمضان شهر الفقراؤ سريعا ما ينتهي ثم يعود كل شيء الى ما كان ويللا .. للفقراء ربهم والآخرة

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي


.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري




.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين


.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل




.. وزير الخارجية الأردني: نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب في غ