الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بئس هذا الاعلام المسكون بهوى أنقرة

بلند حسين

2010 / 8 / 15
القضية الكردية


منذ أن حقق مصطفى كمال(أتاتورك) النصر على اليونان، وقضى ـ ولو إلى حين، كما يقول جواهر لال نهرو ـ على حركة التحرر الكردية وجعل الكرد شَذَراً مَذَراً، وجَرَّد تركيا من مسيحييها(الأرمن والسريان)، كان أمثال الشاعر(أحمد شوقي) يهزون إليتهم طرباً وينشدون:
الله أكبر كَمْ في الفتحِ من عجبٍ --- يا خالدَ التركِ جدّد خالدَ العربِ
أنا لست من المندهشين طبعاً لهذا التقليد الشرقي الذي أُرْسيَ منذ آلاف السنين، أعني هز الإلية في بلاط السلاطين، لأن المدّاحين ممن يُسَبِّحون بحمد السلطان جهاراً نهاراً، يتواجدون في كل زمان ومكان، فما بالك بشخصية الغازي مصطفى الكارزمية، التي كانت كفيلة بانتاج وُرَشٍ من المتزلفين، لنشر صوره أو نحت تماثيله، ومن ثم الركوع عند أقدامها. لكنْ علينا ألا ننسى في الوقت نفسه، ان التاريخ يشهد على وجود نمطين متناقضين من الشخصيات الكارزمية يستحيل الخلط بينهما، يتجسد أولهما في شخصية البلطجي، الطاغية، المستبد، الديماغوجي، العنجهي المؤمن بضرورة إقصاء الآخر، من أمثال(أتاتورك، صدام...الخ)، أما النموذج الثاني فتجسده شخصية الانسان المتواضع، المناضل من أجل قيم العدالة والحرية والمساواة بين البشر، من أمثال(البارزاني، مانديلا...الخ).
ولعلنا لانجازف إن قلنا أن المشهد في تركيا اليوم لايختلف عن الأمس، فهاهم خلفاء أتاتورك يتلون بصحبة جوقة الدفوف على مسامعنا من جديد، تلك المزامير التي دونها سلفهم، مذ أسس تركيا الحديثة على أنقاض الشعوب الأخرى وجماجمها، ففي الوقت الذي تراهم يتمسحون فيه برداء الاسلام نفاقاً، ويتباكون على حقوق الفلسطينيين المهدورة، ويذرفون دموع التماسيح على أطفالهم تزلفاً، يضربون بحقوق نحو عشرين مليون كردي عرض الحائط، ويمارسون البطش وإرهاب الدولة المنظم وسياسة الأرض المحروقة السيئة الصيت، وينتهكون أبسط القوانين والأعراف الدولية، ويسحلون أطفال الكرد في الشوارع ويريقون دماءهم ببرودة أعصاب، ويعذبون الجرحى ويمثلون بجثث القتلى ويجهزون عليهم في نهاية الأمر وفق تقرير(دير شبيغل).
لكنْ ما يثير الغثيان وما يحز في القلب في آن، إفتتان فئة من العرب بتركيا، إلى الحد الذي بلغ فيه الحماس بأحدهم للاستنجاد وإطلاق صيحة الاستغاثة(وا أردوغاناه)، من منبر فضائية(الجزيرة)، أما الروائي(نبيل سليمان) فقد شعر هو الآخر بعقدة الذنب، ومضى في درب تجليد الذات وهو يقول: لا أجد صفة تليق بي إلا(الأبله)، لأنني تأخرت عن زيارة تركيا حتى بلغت الخامسة والستين من عمري!.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما يثير الاشمئزاز حقاً هذا الصمت العربي المريب، إزاء معاناة الكرد الذين تقاسموا مع أخوتهم العرب شظف العيش على مدى التاريخ، باستثناء قلة قليلة من العرب لم يتناسوا الأمس القريب(الاحتلال العثماني، مظالم جمال باشا السفاح، قضية الموصل التي تثير لعاب تركيا بين الفينة والأخرى، ضم لواء اسكندرونة وتتريكه...الخ)، ولم يتجاهلوا حقيقة النوايا التركية الحالية(في الهيمنة على شرق المتوسط ...الخ). وما يستوقف المتأمل حقيقة ليس سرُّ عدم الاكتراث العربي الرسمي بالقضية الكردية، بل هذا الهوس(التطبيل والتزمير) بديماغوجية الذئب التركي الأغبر، وتبرير أو تسويغ سياسته من لدن القائمين على الاعلام، سيما الفضائيات العربية التي تتهافت اليوم على دبلجة وبث الدراما التركية المبتذلة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مسلسل(وادي الذئاب) الذي تبثه قناة(أبو ظبي)، و(الأرض الطيبة) الذي يُبَثُّ على شاشة(mbc)، والحافلين بِكَمٍ هائل من المواقف المسيئة للكرد ولقضيتهم العادلة.
يُتحفنا الأخير مثلاً في أحد مشاهده، فتاة كردية تقارع بكل إباء وشموخ، ماكنة الحرب التركية، جنباً إلى جنب مع رفاق السلاح في الجبال، بعد أن تسد في وجهها طرق الحوار والحل السلمي. ويدس السيناريوست السُّمَ في الدسم حين يُقحم المشهد بلوحة ملفقة، تنجب فيها الفتاة طفلاً غير شرعي؛ حينئذٍ يقرر مسؤول الوحدة التخلص منه بأي ثمن، لأنه يشكل عبئاً على كاهلها، لكن والدة الطفل تستميت من أجل انقاذه، وتنهار في داخلها تلك القِيَم التي دفعتها للتطوع في صفوف المقاومة !.
على هذا النحو تُروّج هذه الفضائيات لوجهة النظر التركية في السياسة والفن المبتذل، بغية تشويه صورة المقاومة في كردستان الشمالية(جنوب شرق الأناضول وفق الخطاب الرسمي التركي)، وانتزاعها عن حاضنتها الجماهيرية أولاً، وتضليل الرأي العام العالمي، من خلال تقديم صورة ممسوخة عنها تبدو فيها الضحية في صورة الجاني ثانياً، في الوقت الذي تتسابق فيه الفضائيات التركية ـ كما نعلم جميعاً ـ في ضخ فنها الرخيص وأفلامها الخلاعية أو الاباحية التي تخدش الحياء العام، والترويج لمسلسلاتها التي تطفح بمشاهد الرعب والجريمة والمخدرات، بغية إفساد الذوق العام.
وخلاصة القول، ألا يحق لنا ـ بالله عليكم ـ أن نقاضي هذه الفضائيات العربية أمام محكمة العدل الدولية، مادامت تجتر سموم الايديولوجيا التركية وترضى لنفسها أن تكون مطية لديماغوجيتها بأبخس الأثمان ؟.
لكن القارىء النابه سيدرك بحسه السليم، سبب عكوفنا عن توسل هذا الدرب، لئلا يُضرَب فينا المثل الكردي الدارج:(لشدة يأسه في تطويع الحمار، انهال على بردعته تمزيقاً).
وأظن بأن اللبيب من الاشارة يفهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كاك بلند وماذا يستطيع أن بفعل العرب
شيرزاد همزاني ( 2010 / 8 / 14 - 23:59 )
تحياتي أخي بلند ... أذا كنت تقصد بصمت العرب , اذا كنت تقصد القيادات العربية فأنكم تضيعون وقتكم في من لا يستحق اللوم لعد وجود الخجل لديهم - الزعماء والحكومات - العربية ... أما اذا كنت تقصد الشعوب العربية فحالهم حال جميع شعوب الشرق ألأوسط عدا ألأتراك وألأسرائيليين أما الباقيين فمغلوبون على أمرهم من كابرهم الى كابرهم .. ماذا يفعل هؤلاء المساكين ,, تقبل فائق تقديري 

اخر الافلام

.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال




.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة


.. لبنان وأزمة اللاجئين السوريين.. -رشوة- أوروبية أم حلول ناقصة




.. وقفة لرفض اعتقال ناشط سياسي دعا لا?سقاط التطبيع مع الاحتلال