الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختلال آليات العقل والجنون

صاحب الربيعي

2010 / 8 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن قصور النمو الطبيعي للعقل أو عطب بعض آلياته يؤدي إلى خلل أداء وظائفه الأساس ما يؤثر سلباً على قدراته الكلية وينعكس بدوره على سلوكيات الفرد وممارساته اليومية، فإن كان العقل يظهر سوية الفرد وعقلانية أفعاله فإن الجنون يظهر عدم سويته ولا عقلانية أفعاله بنظر المجتمع.
إن آلية الإرادة الموجهة للأفعال السوية داخل منظومة العقل حين تصاب بالعطالة تضعف آليات التحكم الذاتي للفرد وانضباطه، أما بسبب قصور نمو العقل بصورة طبيعية بعدّها حالة مرضية وأما بسبب ضعف الإرادة وعدم قدرتها انجاز مهامها على نحو سليم بعدّها حالة خصام للفرد مع المحيط الاجتماعي.
يعتقد (( ميشيل فوكو )) " أن الجنون ضعفاً بالإرادة وزيفاً بنوع القيم داخل منظومة العقل وليس بسبب عدم اكتمال نموه الطبيعي ".
لا يتحدد الجنون بمرحلة زمنية ما في حياة الفرد، لكن يمكن عدّها محطة استثنائية خلالها تتعطل آليات العقل أو تغيب الإرادة فيرتد الفرد من عالم العقلانية الذي يقره عالم المجتمع إلى عالم عقلاني آخر لا يقره المجتمع، لكن تقره الذات المنتمية إلى عالمها الجديد رافضةً كل قيم عالم المجتمع وأعرافه. لكنها في الوقت ذاته تتقاسمها عالمين، عالم الواقع الاجتماعي الذي يمارس الجسد حراكه الفعلي فيه، وعالم غير واقعي تمارس الروح حراكها فيه فتحدث حالة أنفصام بالإرادة الذاتية وتضعف آليات التحكم بحراك الجسد وتختل آلية الضبط للسلوك. وفي المحصلة يحدث نوع من تبادل الأدوار بين القوى الظاهرة للعقل، وقواه السرية لإحكام السيطرة على الذات.
يقول (( سانيت أفرموت )) : " إن الجنون لحظة قاسية لكنها أساسية في أولويات أشتغال العقل فمن خلاله يتجلى العقل وينتصر، فالجنون بالنسبة للعقل بمثابة قوته الحية والسرية ".
يعدّ العقل السلطة الظاهرة لعقلنة أفعال الجسد وضبط سلوك الفرد ليتوافق مع الأحكام العامة للمجتمع والمرتبطة بسلطة الروح الخفية التي توظف قواها لتمكين الإرادة في الذات. وحين يحدث خلل ما في مهام كلا السلطتين في الذات تختل وظائف العقل الذي يفقد السيطرة الكاملة على أفعال الجسد وضبط السلوك. وهذا الاختلال يوصف بالجنون الذي ليس بالضرورة أن يكون مؤذياً للآخرين لكنه يُحدث تغييراً في حراك الفرد وسلوكه غير المتوافق مع الأحكام السائدة في المجتمع، وفي الوقت ذاته يخلق عالماً من العزلة يعيشه الفرد بوعي كامل عن الآخرين ليحقق خلاله طموحه المنشود أو يعيشه بوعي ناقص ناقماً على عالم المجتمع.
يرى (( ميشيل فوكو )) " أن الجنون عقلاً من دون ضوابط يرفض النظام الاجتماعي وقوانينه السائدة ويخلق عالمه ونظامه الخاص ويمنحه سلطات معينة يرفضها الواقع ".
إن وعي الذات بعالم الجنون بعدّه عقلاً بديلاً عن وعي الذات بعالم العقل ليس بالضرورة يعد انتهاكاً صارخاً لواقعية العالم العقلاني، لأن عقلانية الأفكار السائدة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالزمن الذي يخلق قوانينه وقيمه الخاصة لتكون معياراً للقياس العقلاني من غير العقلاني. ولعالم الجنون أيضاً قوانينه وقيمه ومعايير قياس مخالفة لنفس الزمن العقلاني الذي لا يجوز الإنصياع الكامل لمقايسه، فالكثير من الأفكار المجنونة لعلماء والفلاسفة عدّهم المجتمع مجانين أنقذت عالم العقلانية من الانهيار خلال مسيرة التاريخ البشري.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با