الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسس الفلسفية لليبرالية الدينية «2»

عصام عبدالله

2010 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أدي انهيار الأساس الميتافيزيقي للاهوت - بفضل كانط - إلي تجريد الفكر الديني من وظيفة تحديد أصل الوجود، وبالتالي من خصائص الفكرة التقليدية "لله" . وتعتبر محاولة كانط من أهم المحاولات الفلسفية في تاريخ الفكر الغربي، وحسب شيخ الفلاسفة المعاصرين "يورجن هابرماس" : "فإن تهيلين المسيحية (أي جعلها هيلينة أو يونانية) أدي إلي اقتران الدين والميتافيزيقا، ولم يحل هذا الاقتران مجدداً إلا علي أيدي كانط، الذي وضع حداً بيناً بين الإيمان الأخلاقي الخاص بدين العقل والإيمان الوضعي بالوحي، هذا الإيمان الذي ساهم في تحسين النفوس، لكنه أصبح بما ألحق به وبقوانينه وبطاعة هذه القوانين . في النهاية قيداً، علي حد قول كانط نفسه (3).

ولا تتضح هذه المحاولة الجسورة من خلال تاريخ الفلسفة فحسب وإنما من خلال تاريخ الأفكار، ذلك لأن انهيار الأساس الميتافيزيقي للاهوت، كان أكبر انجاز حققه العقل الغربي منذ عصر النهضة الأوروبية Renaissance، فطوال الفترة الممتدة بين القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر كان العقل الغربي يناضل لفك هذا الارتباط بين الميتافيزيقا واللاهوت، والذي دمج منذ دخول العقيدة المسيحية في أوروبا العصور الوسطي، ولم ينجح في محاولاته حتي مجيء كانط.

ومن ثم مثلت محاولة كانط كضربة قاسمة مزدوجة للميتافيزيقا واللاهوت في آن واحد، وكانت الشكوك التي أثارها في كتابه "نقد العقل الخالص" عام 1787، تصيب بشكل مباشر مشروعية "المطلق" Absolute . ففي تصدير الطبعة الأولي من كتابه يقول : "إن للعقل خاصية متميزة في أنه محكوم بمواجهة مسائل ليس في الإمكان تفاديها . إذ هي مسائل مفروضة عليه بحكم طبيعته . بيد أن العقل عاجز عن الإجابة عنها، لأنها تتخطي كلية قدرة العقل البشري.


وهذه المسائل تدور حول مفهوم "المطلق" سواء وصفته بأنه "الله" أو الدولة (4).

وتبعاً لنظرية كانط في "المعرفة" أصبح "الله" غير معروف نظرياً، بل أصبحت معرفته تخرج عن حدود وقدرات العقل الخالص، من ثم، فلم تعد الفلسفة أو العلم قادرين علي التعريف بـ "الله" كما حدث علي عهد ديكارت ونيوتن . فالعقل النظري أصبح عاجزاً عن إثبات وجود الله، ولا مناص من أن تعجز الطبيعة عن كشفه . ولا غرو إذا سمي كانط "محطم الكل" أي محطم اللاهوت الطبيعي (5) .

ومع هذا فقد اعتقد كانط أن فكرة "الله" قد تعود بالنفع علي كل من العلم والأخلاق . فقد تساعد العلم، إذا وضعت له كهدف الارتباط بين الأشياء، وأهم من ذلك، فإن فكرة الله قد تدفع الإنسان إلي تحقيق أعظم المواقف الأخلاقية. ولكن إبقاء كانط علي فكرة "الله" قد تطلبت منه وضع برهان جديد يختلف عن جميع البراهين العقلانية والعلمية السابقة . إذ استنبط وجود الله وكذلك الحرية والخلود من طبيعة الإنسان الأخلاقية، وكتب "لا مندوحة من أن تؤدي الأخلاق إلي الدين" . فقد كان مؤمناً بـ "تجربة الإنسان الأخلاقية وإحساسه الفطري بالاختلاف بين الصواب والخطأ واضطراره لإطاعة القانون الأخلاقي" (6).

الهوامش

3 - يورجن هابرماس : الإيمان والعلم، في مجلة "فكر وفن"، يناير 2002، ص 41.

4- كانط : نقد العقل المحض، ترجمة، موسي وهبة، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1989، ص 25 .

5- باومر (فرانكلين - ل) : الفكر الأوروبي الحديث، الاتصال والتغير في الأفكار من 1600-1950، ترجمة : د. أحمد حمدي محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987، جـ2، ص 62 .

6- المرجع نفسه، ص 62، 72 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - علم تطلبق المثلثات
محمد البدري ( 2010 / 8 / 16 - 11:09 )
يا له من ترادف و تطابق بين مفهوم الله في التصور العقلي وبين صورة الدولة في شكلها المهيمن بادوات لها مهام الرعاية الآمنة للافراد وتحديد ارزاقهم وفي النهاية بعقابهم او مكافئتهم بتصعيد - الصالحين والمطيعين والمروجين لها وفقط الي التطلع الي وجه الله في جنته الرئاسية في مصاف السلطة الاعلي بالدولة. - الهذا السبب كان الاحتياج الي الله في بدء تاسيس العرب لدولة لاول مرة في حياتهم في جزيرتهم العربية الخربة القاحلة. وفي نفس الوقت سقط اللاهوت في اروروبا الحديثة بعد عصر التنوير عندما اصبحت الدولة قادرة علي ان تدير ملكوتها بدون رعاية خارجية. وهنا فالسؤال هل رعاية التخلف وعدم بناء الدولة الحديثة هو السر في بقاء الله في المخيال العقلي وبالتلي يصبح وجود الله من عدمة رهنا بالطبقة الاجتماعية الحاكمة وعاجزة او قادرة علي بناء دولة حديثة. شكرا وتقدير لهبرماس وللدكتور عصام عبد الله.

اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب