الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى حركات علمانية في الدول العربية

بن بيه رشيد

2010 / 8 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مازالت نسبة قليلة من المثقفين العرب تدافع عن العلمانية، وتلفت انتباه المسؤولين إلى أهميتها بالنسبة لمستقبل المجتمعات العربية. كما أنها تدعو، دون توقف، إلى بناء مجتمع الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة... غير أن موازين القوى الحالية الطافحة لصالح الأطراف المعادية للتحرر، والأنماط الثقافية الموروثة، والإيديولوجيات المدعومة من طرف الأنظمة القائمة تحول دون تطور وانتشار الفكر العلماني في جل الدول العربية.
فالعلمانية في هذه الدول، لم تتحول بعد إلى حركة مجتمعية ذات امتدادات في مختلف مناحي الحياة العامة: السياسية والثقافية والقانونية والاجتماعية والأدبية والفنية كما هو الشأن مثلا بالنسبة للحركات الإسلامية، التي استطاعت أن تسيطر على أغلب الفضاءات كالنقابات، والجامعات،.. وتخترق جميع الطبقات: الفقيرة والمتوسطة والكبيرة، وتحقق انتصارات انتخابية في أكثر من دولة عربية مثل فلسطين والمغرب ومصر و الجزائر، والكويت...
ذلك أن المجتمعات العربية تكاد تخلو من حركات علمانية قوية ومنظمة وفاعلة ومؤثرة في مسار تطور الأحداث والوقائع. فلا يمكن أن ننكر بأن العلمانية في هذه الدول ما تزال شأن النخبة، وتفتقد لامتداد داخل مؤسسات المجتمع كالمدارس والجمعيات المدنية والسينما ودور الشباب والأحياء... وهو ما يبرز، في جانب كبير منه، إخفاق الدعوات العلمانية في هذه الدول.
إن العلمانية في الدول العربية، لم تغادر بعد دائرة الأكاديميين وصفوة المفكرين والمثقفين والسياسيين إلى فضاءات المجتمع الثقافية والسياسية والاجتماعية الواسعة والممتدة والمرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين والمواطنات. وهو ما يشكل أهم مظاهر قصور الخطاب العلماني، في نظرنا، لأن ما أنتجه المفكرون العلمانيون يكاد يقتصر على التأسيس النظري للعلمانية، ومساجلة المعارضين لفصل الدين عن الدول.
فعلى خلاف الحركات الإسلامية التي تنشط في كل الدول العربية، وتشتغل بوسائل مختلفة ومتعددة من أجل بناء الدولة الدينية، تغيب حركات علمانية جماهيرية وديمقراطية تناضل من أجل إبعاد الدين عن الاستغلال السياسي، وإقرار المساواة بين الطوائف الدينية، والمجموعات العرقية، وضمان حرية العقيدة وحقوق الإنسان والمرأة، والأقليات المعارضة... ونعني "بالحركة العلمانية": مجموعات منظمة من أفراد أو حساسيات فكرية تسعى بوسائل مشروعة إلى الدفاع عن تصور علماني واضح ومحدد للدولة قادر على استقطاب مختلف فئات المجتمعات العربية وتعبئتها للمطالبة بفصل الدين عن الدولة.
إن غياب مثل هذه الحركات يشكل أكبر إخفاقات مفكري العلمانية والأحزاب السياسية اليسارية، والمنظمات المدنية التقدمية والحركات الحقوقية. فبالرغم من مساهمة هؤلاء المثقفين في التأسيس النظري للعلمانية، وكشف زيف التشويهات التي تلاحقها، وتألق المدافعين عنها من أمثال صادق جلال العظم، وفرج فودة، والعفيف الأخضر، ونصر حامد أبو زيد وآخرون، لم تنشأ مثل هذه الحركات العلمانية في الدول العربية بسبب تخلف الأحزاب اليسارية العربية عن أداء مهامها التاريخية في هذا الجانب.
فقد اكتفت بالتنصيص على العلمانية في وثائقها، دون العمل على بناء حركات للعلمانية، عن طريق فروعها وقواعدها ومنظماتها الموازية وصحافتها. فلا يتصور أن تترك هذه المهمة للمثقفين والمفكرين وحدهم. لأن التأسيس النظري للعلمانية، كيفما كانت دقته المفاهيمية، وأهمية الوقائع التاريخية التي يحيل عليها، لا يكفي للوصول لفصل الدين عن الدولة. بل لابد من توفر أشكال تنظيمية وقنوات التعبئة و التأطير والتواصل الجماهيري. وما يؤكد عجز المدافعين عن العلمانية في الدول العربية، هو أنهم لم يقنعوا إلا فئة قليلة من الناس بأن العلمانية لا تعني القضاء على الدين، ولا تتضمن أي احتقار للأديان .. بينما بقي السواد الأعظم منهم يعتقد بأن العلمانية هي نقيض الدين ودعوة إلى الإلحاد.
إن الشروط العامة داخل الدول العربية، تقدم في الوقت الراهن، إمكانيات هائلة للنضال من أجل العلمانية. فمن جهة هناك مثقفون علمانيون يواجهون بشكل مستمر كل أشكال التشويه التي تتعرض لها العلمانية. ومن جهة ثانية، تؤكد التطورات الإقليمية والدولية الراهنة المتسمة بالصراعات الدينية، والعرقية على ضرورة اعتماد نموذج الدولة العلمانية لوضح حد لتلك المشاكل كما هو الشأن في العراق. إلا أن هذه المقومات غير كافية لتشكيل الحركة العلمانية في الوطن العربي، فلابد من تحمل الأحزاب اليسارية والقوى التقدمية لمهامها التاريخية في هذا الجانب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رهان
محمد بودواهي ( 2010 / 8 / 18 - 16:35 )
من المؤسف جدا أن نرى بعض الفعاليات في حركات المجتمع المدني هي من يتحمل مسؤولية الدفاع عن العلمانية والتعريف بها والمطالبة بها في الوقت الذي تتخلف فيه الأحزاب السياسية اليسارية والتقدمية والنخبة المثقفة عن دخول غمار هذه المعركة الحاسمة
إنه رهان لا يمكن تحقيقه إلا بتظافر جهود جميع مناوئي التخلف والرجعية بجميع تلاوينها


2 - العلمانية والوطن العربي
أحمد سليمان ( 2011 / 1 / 4 - 08:30 )
نحن في حاجة ماسة للإنسان وليس للإديولوجيات

اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah