الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنون وعقلانية مجتمع اللاعدالة

صاحب الربيعي

2010 / 8 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عقلانية المجتمع ليست دالة عدالته وإنصافه وإنما شروطاً لقبول الفرد عضواً فيه فليس كل إنسان يصلح العيش بين أقرانه البشر فقط المكتسب لصفة الإنسان الاجتماعي الذي يقر بأحكامه العامة، لكن عند إصابته بمرض عقلي، وراثي أو نفسي ، يسقط حقه في العضوية ومن ثم تسلب حقوقه كإنسان وفي أفضل الحالات يودع مستشفيات الأمراض العقلية ليس لتلقي العلاج وإنما لعزله عن المجتمع حتى إن كان مرضه لا يسبب ضرراً لنفسه والمجتمع معا.
إن سلب حقوق الإنسان المريض أو الرافض للأحكام السائدة حالة غير إنسانية يضطلع بها المجتمع العقلاني بعدوانية كبيرة لأنه يحتكم إلى العقل الجمعي ويفرض العقوبة على الفرد الرافض لأحكامه العامة. وعقلانيته تعدّ نتاجاً للواقع الاجتماعي ولا تصلح لكل المجتمعات فما هو عقلاني بنظر مجتمع أو شخص ما قد لا يكون عقلانياً في نظر مجتمع أو شخص آخر، فعدالته عدالة مضللة لا تقر بالحقوق المتساوية لكل البشر لذلك أختار الكثير من العلماء والفلاسفة عالم العزلة.
يقول (( ميشيل فوكو )) : " إن الإنسان العاقل ذاتاً حقوقية مكتسبة الاعتراف الاجتماعي، يتمتع بالحقوق ويقر بالواجبات وحين يصاب بالجنون تسلب حقوقه وتفرض عليه قيوداً لا حصر لها بعدّها واجبات ".
إن الجنون اللاإرادي بعدّه مرضاً وراثياً ليس في وسع الإنسان تجنبه لأنه قدراً لا يعيه المجتمع العقلاني على الرغم من أنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن إصابة أفراده بأمراض نفسية تؤدي إلى الجنون لفقدانه العدالة والإنصاف في توزيعه موارده. أما الجنون الإرادي ليس مرضاً وإنما خياراً ذاتياً لرفض عالم عقلانية المجتمع والانتماء إلى عالم العزلة ليتجنب أحكامه الجائرة الفاقدة للمصداقية.
إن الإنسان كينونة موحدة من عالمين، عالم الروح وعالم الجسد، فعالم الروح شأن سماوي أزلي ومقدس وعالم الجسد شأن أرضي فاني وغير مقدس، فكلما زاد كتلة الروح في الكينونة زادت قدسيتها وعلا شأنها وكلما زادت كتلة الجسد في الكينونة قلت قدسيتها وتدنى شأنها.
إن عالم الجنون اللاإرادي سبببه خلل أجهزة أتصال الجسد مع الروح فيفقد الفرد السيطرة على أفعاله التي قد تسبب ضرراً له وللمجتمع، في حين إن عالم الجنون الإرادي هو زيادة حجم المكونات الروحية في الجسد على حساب المكونات الجسدية في الكينونة حيث تفقد سمتها الأرضية لتنتمي أكثر إلى السماء ليرتفع شأنها عن محيطها الاجتماعي فتعتزله.
يعتقد (( ميشيل فوكو )) " أن الإنسان منظومة موحدة من الروح والجسد، وجنونه يهدد بتفككها التي لا يترضيها المجتمع ".
إن منظومة التوحد، الروح والجسد ، في الكينونة ليست متساوية بنسب مكوناتها عند كل البشر بدليل أنحياز غالبيتهم على نحو كامل إلى أحكام المجتمع وقيمه بعدّه مجتمعاً مستهلكاً للأفكار من دون التفكير بتاريخ صلاحيتها وما تسببه من تخلف وإنحدار بالجنس البشري. أما القلة منهم فينحازون إلى الروح الساعية إلى الارتقاء بالجنس البشري لأنهم جزء من مكوناتها، ساعين إلى كشف زيف الحقائق السائدة في مجتمع العقلانية ونفاد تاريخ صلاحيتها للاستخدام البشري. إنهم منتجو المعرفة فمن دونهم تقل نسب مكونات الروح في جسد المجتمع العقلاني وتتناقص مع الزمن ليصبح المجتمع برمته مجتمع أرضي تنكره عدالة السماء.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با