الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات الجنون الإرادي والعقل

صاحب الربيعي

2010 / 8 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الجنون ليس علة تصيب الإنسان وإنما هو جزءاً محجوباً من منظومتة الكاملة تكشف عن نفسها فقط في الأحداث الطارئة التي تفوق قدرة العقل الواعي على إدراكها فيشتغل العقل اللاواعي وحال إخفاقه تفرض آليات الجنون نفسها على منظومة الإنسان لتعبر بصدق عن كامل ماهية الحدث، فالجنون الإرادي ليس خبلاً وإنما عقلاً كامناً يفرض وجوده حين يعجز العقل الواعي واللاواعي على القيام بمهامهما بصورة كاملة.
كما أن العقل الواعي ليس أمنياً في نقل الحقائق، إنه مظهراً من مظاهر الواقع الاجتماعي يقيس الحقائق بمعايير العقلانية ولا يهتم بزيفها. يعدّ الجنون اللاإرادي من خاصة جميع البشر لأنه علة كامنة في منظومة عقل الإنسان، يمكن أن تظهر من دون رغبته بعدّه خللاً في آليات العقل وجزءاً لا يتجزأ منها، فهو يعارض أحكامها بفعل خفي لا واعي مرده عامل وراثي أو عارض نفسي لا يدركه العقل.
إما الجنون الإرادي فإنه علة كامنة في منظومة روح الفرد لا تصيب كل البشر بل هي من خاصة نخب المجتمع، تصيبهم برغبة ذاتية منصاعة لأقدارها الخفية لأنها جزءاً لا يتجزأ من آليات الروح ترفض العقل وأحكامه القائمة على زيف الحقائق في مجتمع العقلانية.
يعتقد (( ميشيل فوكو )) " أن للجنون قدرة فائقة على اختراق أسرار العقل وكشف زيف حقائقه ".
إن آليات الجنون في الغالب تكون متعارضة مع آليات العقل على الرغم من أنها جزءاً من منظومته الكامنة، إنها لا تشتغل بإيعاز من الذات الكامنة ولا تعبر عن صورها على نحو دقيق وليست ذاتاً ثالثة تفرض أحكامها على الذات الواعية واللاواعية، إنها مزيجاً من آليات الوعي واللاوعي تؤكد الذات وتنكر عليها انصياعها للحقائق الزائفة وتعبر عن الذات الكامنة بكشفها الحقائق. إنها آلة كاشفة لغموض الواقع بعدّها واعية لأحداثه وحراكه، وآلة بحث عن الحقائق وكشف زيفها، إنها جزءاً من القوى الخفية للروح التي تشع الضوء في منظومة العقل اللاواعي والمنتمية لعالم النور وجزءاً من القوى الخفية للجسد الذي يحجب الضوء عن منظومة العقل الواعي بعدّه ينتمي لعالم الظلام ويمكن عدّ منظومة العقل الواعي جزءاً من النور والظلام، والحق والباطل، إنها صورة أقرب إلى الزيف وأبعد عن الحقيقة.
يقول (( ميشيل فوكو )) : " إن الجنون يحتفظ بكل مظاهر سيادته بعدّه الجزء الخفي من آليات العقل والحقيقة، إنه يبحث بشفافية في الغموض الواقعي والوهمي للأشياء وعن الحقيقة في الواقع ويسعى لدمجها فيه ويكشف الحقيقة ويعطل زيفها، إنه الظلام والنور والحق والباطل، إنه صورة عن الحقيقة وليس زيفها، إنه الصورة الحقيقية التي كانت مزيفة ".
إن الجنون ليس صورة عن ذات كامنة ولا هو صورة مشوشة عن ذات واعية، إنها مزيج من صور لذاتين ، كامنة وواعية ، تعبر عن كينونة الفرد ولاكينونته بهوية مستحدثة تشتغل بآليات ثنائية عالم الجسد والروح، فتارة تميل إلى منظمومة الجسد بعدّها ذاتاً مصابة بعلة وراثية أو عارضاً نفسياً وتارة أخرى تميل إلى منظومة الروح بعدّها ذاتاً أختارها القدر للتعبير عن قواه الخفية لإصلاح الخلل في ميزان المجتمع العقلاني.
يعتقد (( ميشيل فوكو )) " أن الجنون ليس اللاكينونة في الإنسان وإنما كينونة الهوية المستحدثة والهوية المفقودة، إنه إنسان العدم والوهم المستسلم لحقيقته الخاصة والبعيد عنها في الوقت ذاته، إنه كائن مستلب من ذاته الواعية ويعدّ غريباً عنها ".
إن آليات العقل اللاواعي ليست رديفاً لآليات العقل الواعي لكنها جزءاً من منظومة الإنسان المتكاملة تشتغل بفعل قوى جسدية وتتبادل الأدوار عند الاختلال الذي يدرك العقل الواعي، أما آليات الجنون فإنها مزيجاً من آليات العقل الواعي واللاواعي تشتغل بفعل قوى روحية وتحتل مكانهما عند عجزهما إدراك أحداث الواقع والإجابة على الأسئلة الصعبة في مجتمع العقلانية المزيف.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با