الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة كهرباء ...ام أزمة أخلاق

سلمان محمد شناوة

2010 / 8 / 20
المجتمع المدني



في الأزمة الأخيرة للكهرباء توقفت أمام ملاحظة خطيرة ... بداية أقول أن أزمة الكهرباء هذه استمرت ما يقارب اليومين أو الثلاثة أيام على أكثر تقدير ....حيث تردت هذه الخدمة بشكل كبير , والمشكلة إن هذا التردي في مستوى الكهرباء والذي وصل إلى شبه الانقطاع الكامل عن محافظات الجنوب كان مع بداية شهر رمضان والذي صادف أعلى درجات حرارة يمكن إن تسجل على مدى العام .....
الملاحظة انه ومن اللحظات الأولى لانقطاع الكهرباء سجلت أسعار قالب الثلج (( وهو المادة الأساسية والتي تساعد على تحمل الحر أثناء الصيف القائض )) أسعار خيالية حيث وصل سعره إلى 10 ألاف دينار إذا كان يباع على شكل قالب ووصل سعره في بعض المناطق إلى 20 إلف دينار إذا تم بيعه بشكل أجزاء ...مع إن سعره كان إلف دينار أو إلفين دينار على اعلي تقدير .... قبل الأزمة .
والملاحظة الثانية ... يخيل لي إن كل الأمور في العراق مبنية على أساسات هشة جدا بحيث , انه الأمر يحتاج إلى أزمة لحظات من الزمن حتى تتهاوى كل البنى التحتية والنفسية للشعب العراقي ....

وأثناء الأزمة أخذت الأطراف تتبادل التهم ...لتنأى عن نفسها المسئولية ..كأن لا مسئول في العراق , والكل أبرياء براءة الذئب من دم يوسف .... فلقد اتهمت المحافظات الجنوبية بأنها تجاوزت الحصص المسوح لها ...ولا ندري أي محافظة معنية بالأمر ..أو أي محافظة هي التي تجاوزت على الحصص المقررة ... مع إن كل المحافظات تقريبا ..تصرح دائما بأنها تتسلم اقل من الحصة المقرر لها ...ثم اتهمت الجماعات الإرهابية بالتعدي على المنظومة الوطنية .... ثم اتهمت وزارة النفط إنها لا تقدم الحصة المقررة من المحروقات لوزارة الكهرباء ...مع إن الوزارتين الكهرباء والنفط لهما وزير واحد ....جملة من الاتهامات المائعة والتي لا تعرف لها أي أساس ...كل ما في الأمر هو إبعاد التقصير ...وبالتالي لا يوجد مقصر ...ولكن عندنا أزمة كهرباء ...كيف ؟ حقيقة لا ادري !!!
للأسف هذه الملاحظات البسيطة , وكأنها أصبحت من سمات الشخصية العراقية , وربما إننا نحتاج إلى قراءات على الوردي في الغوص في أعماق الشخصية العراقية ...
وكأن الشخصية العراقية مبنية على سلسلة من الأزمات , ما إن تهدا أزمة حتي تبدأ أزمة أخرى , وان الشخصية العراقية لا تعيش بدون أزمات متتابعة صادمة مدمرة للشخصية العراقية , وبنفس الوقت تبنى هذه الشخصيات على أساسات من الهزيمة والدمار النفسي وحلقات متتابعة من الإحزان ....

هل نلوم الحكومات المتعاقبة والتي كانت السبب وراء سلسلة من الأزمات والهزائم والتي شكلت الشخصية العراقية بهذه الصورة المدمرة ..والتي أصبحت تهوى جلد نفسها بسلسلة متتابعة من الأزمات , والموت , والبكاء وتقديس القبور والحياة الأخرى على حساب حياته وسعادته ومستقبله ....

هي بالفعل إشكالية كبيرة ومدمرة بنفس الوقت , فلا اعتقد إن هناك شعب بالأرض مرت به سلسلة من الأزمات والنكبات بصورة متعاقبة مثل الشعب العراقي , فلو نظرنا إلى شعوب المنطقة حول العراق لرأينا إن هذه الشعوب مرت بحالة استقرار طويل ساعد على تشكيل الشخصية المستقرة نفسيا , ومن خلال مدى 100 عام وبعد الحرب العالمية الأولى , والثورة العربية الكبرى والتي شكلت المشرق العربي كله ...لم تمر منطقة جغرافية عربية بسلسلة من النكبات مثل الشعب العراقي .

وبالنتيجة أصبح العراقي له فكر احتكاري للسلعة , وهو ينتظر الأزمة تلو الأزمة حتى يمارس سلطته الاحتكارية , ولا أغالي إذا قلت إن معظم الأغنياء ما شكلوا ثرواتهم إلا من الأزمات والتي يمارس قدرته الاحتكارية عليها ....

لا يزال العراقي ينظر إلى الإحداث بعين مراقب , يتحين الفرصة تلو الفرصة ...يبحث عن الأزمات بكل شي الهواء أو الماء ...أو الكهرباء , أو حتى في قعر فنجان ...حتى يستطيع إن يمارسه سلطته الاحتكارية ....

كل أزمة تتبعها غلو مفرط بالأسعار بشكل غير معقول , وكل أزمة نجد المستفادين منها , لا حتى إن بعض من التجار ...لا يستطيعون التكيف مع سوق مستقر ....يكون استقراره بعيد الأمد ....
الأزمات واللعب بالأسعار هو سر شطارة كثير من التجار .... وسر شطارة كثير من السياسيين وثراءهم الفاحش .

حتى بات العراقي يتخوف من الأيام ولا يثق بأحد ...و يمارس الأعيب الاحتيال ...لفقدان الثقة بالطرف الأخر ... الطرف العراقي الأخر.أو هو الخوف من نفسه أحيانا ..وعدم الثقة بالأخر ... وممارسة ألاعيب الاحتيال هو بصورة حالة دفاعية عن النفس ...لأنه يشعر انه يعيش في عالم من الغش والنصب والخداع والغدر ...لذلك لا بد إن يحصن نفسه ...وكيف يحصن نفسه بنفس أساليب الغش والخداع والغدر ... لذلك ليس من المستغرب إن تسود بين العامة بين الناس مقولة مثل (( تغدى بهم قبل إن يتعشوا بك )) ...

لا بل نجده أكثر ثقة بالأجنبي من ثقته بشريكه العراقي بنفس الوطن وعلى نفس الرقعة من الأرض ... وهكذا وجدنا الشيعي العراقي يثق بالشيعي الإيراني أو اللبناني أكثر من ثقته بالسني العراقي العربي ...ووجدنا السني العراقي العربي ...يثق بالعربي السني أكثر من ثقته بشريكه العربي العراقي الشيعي .... بل نجد كل الأطراف تثق بالأمريكي أكثر من ثقتها بالعراقي ...

الأخر العراقي بالنسبة للعراقي بات , طبعه الغدر والاحتيال فهو لا بد إن يكون حذرا في كل وقت وفي كل لحظة ...فهو يخشى من الأخر , لان الأخر لابد إن يتلاعب عليه ... ويأخذ منه أكثر من المقرر أو يغدر به حين غفلة ...وهذا في عرف العامة أصبح شطارة .... وهذا في عرف العامة أصبح دهاء الشخص البسيط ....

قبل أزمة الكهرباء ..مرت بناء أزمة السكر ...وبمكان وزمان غير مسئول من الحكومة تأخرت شحنة السكر والتي توزع على الناس بالبطاقة الغذائية ....فجاءه ترتفع الأسعار من 20 ألف للكيس الواحد إلى 50 إلف للكيس الواحد ...

وقبل أزمة السكر ...مرت أزمات وأزمات كثيرة ..وفي كل مره ترتفع الأسعار بشكل جنوني لأشهر ...ثم لا تعود بعد ذلك إلى طبيعتها أبدا ....

في الفترة الأخيرة .. باتت العلاقة بن العراقيين متوترة جدا ... لا بل أخذت منحى التطرف في كل شي ...الحب والكره والجشع ... فهو إذا أحب أفرط في حبه ...وان كره أفرط في كره ....وان حقد أفرط في حقده ...

هناك إحساس داخلي بعدم الأمان ...والخوف من الأخر ...فالثقة بين السني والشيعي ..انتهت تماما , وكذلك بين العربي والكردي ... وان بقيت فهي باقية على المصالح المتوافقة فقط .

ومن أمثلة العلاقات المتوترة في العراق ... نجد وزارتين اثنين لهما علاقة قريبة من حاجات الشعب العراقي ,. وهما وزارة النفط تحت إدارة الشهرستاني ...ووزارة الكهرباء تحت إدارة الوزير السابق والتي استقال تحت ضغط شعبي غاضب في أحداث البصرة الأخيرة .

في تقرير لمراسل أجنبي يقول "

ولئن كانت أعمال التمرد تمثل بالطبع عاملا رئيسيا في ضعف الإنتاج، إلا أن صميم المشكلة يكمن في أن وزارتي النفط والكهرباء تتعايشان بصعوبة منذ إعادة تشكيلهما من قبل سلطة التحالف المؤقتة في 2003؛ فلكي تُشَغل محطات توليد الكهرباء، يجب على وزارة الكهرباء أن تتوسل وزارة النفط للحصول على أي كمية من الوقود تستطيع هــذه الأخيرة توفيرها، هـــذا في حين أنها تستطيع شراء الكمية التي تريدها من أماكـــن أخرى مثل الكويت، غير أن الإحسان أو الصدقة ليست من الأولويات بالنسبة لوزارة النفط العراقية، بل العكس.
ويحدد كاتب المقال الواردات العراقية إذ يقول أنها تأتي من صادرات النفط التي بلغ مجموعها، حسب الحكومة العراقية 75 مليار دولار العام الماضي، لتشكل بذلك نحو 95% من مداخليها، وبالتالي، فلا غرو أن يتصرف وزير النفط حسين الشهرستاني كما لو أن كل برميل نفط لا يصدَّر إلى الخارج هو مال ضائع، بيد أن هذا الموقف، والموافقة الضمنية لرئيس الوزراء المالكي ، يساهمان في تمديد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي مازالت تتخبط فيها البلاد، ذلك أن محطات توليد الكهرباء عبر كل أرجاء العراق تتوقف عن العمل بسبب الافتقار إلى الوقود، إذ تقدر وزارة الخارجية الأميركية أن 1500 ميجاوات من الطاقة، أو ثلث إنتاج البلاد الأقصى في يوم عادي، تكون غير متوفرة لأن وزارة الكهرباء لا تستطيع الحصول على ما يكفي من الوقود، ونتيجة لذلك، فبينما تقوم وزارة النفط بنفخ خزينة الحكومة، فإن المستشفيات ومحطات ضخ المياه وأنظمة الصرف الصحي تشتغل بشكل متقطع أو لا تشتغل أصلا، والواقع أن تصلب وتشدد وزارة النفط يتعدى توفير الوقود، ذلك أنها ترفض أيضا المساهمة في تمويل أي مشاريع لا تساعد على تصدير مزيد من النفط الخام، وكما قال لي دبلوماسي أميركي في بغداد، فـ إن وزارة النفط لا تنجز أي مشاريع في مجال الكهرباء، إنهم لا يعبأون .

نفس المشكلة وعدم الثقة نجدها كذلك بين الكتل العراقية , قبل أيام أوقفت العراقية حوارها دولة القانون , وقالت أنها لن تعود للحوار إلا بعد إن يعتذر المالكي ...وقبلها أوقف الآتلاف الوطني حواره مع دولة القانون ... هذه الأزمة الأخلاقية والتي نجدها في الشارع العراقي نجد امتدداها حتى بين الكتل والشخصيات العراقية ...فالحقيقة انه لا احد يثق بأحد ...والذي يجمع الكتل ألان وفي هذا الوقت في العراق ...هو المصحة فقط .... فلا يجمعهم وطن ولا يجمعهم مصير مشترك .. ولا يجمعهم الحفاظ على الأمن .. ولا يجمعهم العراق ...يخيل لي لو تم تقسيم العراق ...ستكون الكتل السياسية ..هي في المقدمة لقيادة العملية السياسية للتحرك لتأكيد هذا الانقسام ....

هل هي أزمة كهرباء ...أم أزمة حكومة أم أزمة أخلاقية بالأساس ....

الحقيقة إن العراق وصل إلى أقصى درجات التفكك ..... والذي يظهر على السطح من أزمات ما هي إلا صورة لحالة التناقض والتي بات العراقي يعيشها يوم بيوم ...فلا ادعي أبدا ....إننا دولة سليمة أبدا ...بل الإمراض أضحت تنخر بها من كل جانب ... والسياسيون ساهموا بشكل أكيد بزيادة الثغرات والنعرات في المجتمع العراقي ....

أزمة الكهرباء وكل الأزمات التي تمر بالعراق ...هي زلازل أو براكين صغيرة تثور هنا أو هناك .... ولكن كل الخشية إن تولد هذه الزلازل الصغيرة أو البراكين الصغيرة ...بركان أو زلزال ضخم يحرق الأخضر واليابس ... ولا يبقي ولا يذر ....

أزمة الكهرباء هذه مرت واستقر الوضع تقريبا كما هو قبل الأزمة ... لكن نعود ونقول إن الوضع في العراق مبني على أساسات هشة ...وبمجرد إن تثور أي أزمة ولو كانت صغيرة جدا ... نجد إن الجدران التي تحمي المجتمع العراقي تهوى دون سابق إنذار ..ونجد إن الناس تتكالب على بعضها , وان الحكومة تفعل المستحيل لا حل المشكلة ...بل لإبعاد المشكلة برميها في ملعب الأخريين ... الشعب العراقي لا توجد لديه مناعة حقيقة ضد الأزمات ...بل هو يتعرى بالكامل حين حدوث أزمة ...ويتحول إلى شي أخر ...ليس هو الشعب العراقي .
الذي حدث يتطلب منا وقفة نفس حقيقية ... المطلوب تدعيم البنية التحتية والنفسية للشعب العراقي ...حثي يستطيع الصمود أمام الإحداث ... وإلا فان أي أزمة ربما تقصم ظهر البعير .... ونحن واقفون نتفرج .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعرف من المسؤول ولكن من سيحل المشكلة
وداد محمد ( 2010 / 8 / 20 - 12:10 )
الحكومة تتعمد عدم توفير الكهرباء كي يبقى الشعب تحت رحمتها وكي تتمكن من التجارة بالكهرباء وملأ جيوبها والبنوك اينما حلت. كثيرة هي المشاريع التي طرحت على الحكومة من قبل شكرات من خارج العراق لتوفير الطاقة الكهربائية وبشكل مستمر للشعب وباقل الاسعار لكن الحكومة ترفض وكل مرة بحجة . فلو تمكنت تلك الشركات من توفير الطاقة الكهربائية على الحكومة سحب كل المولدات الحكومية والاهلية التي تشترك في ربحها وهكذا ستخسر جزءا كبيرا من الوارد الشخصي
قل لي بربك ان كان رجلا يمكنه توفير الكهرباء من مجرى مياه صغير بامكانيات قليلة ورخصية كيف لا تتمكن الحكومة بهيبتها وبكم الموارد المادية والمالية التي تتحكم بها ان لا توفير اسخف خدمة للشعب ؟؟؟؟


2 - الحل بيد الجميع ...إذا اجتمعوا
محمود عبدالإله الزيدي ( 2010 / 8 / 21 - 16:05 )
كلنا ملامون وأولنا أوعانا, فما فائدة وعيه إذا لم يخدم به بلده وأهله؟! لماذا يبقى البعض منا في برجه العاجي يُنَظِر ويسفسط وينتظر أن تأتي العامة لتركع أمام علمه وثقافته, أويأتيه السلطان ليزن أفكاره وكلامه بميزان الذهب ويغدق عليه الأموال؟! سوف لن يأتي مثل هذا اليوم. فالسلطان لا يشتري كلامكم بفلس احمر,وهو لاه عنا وعنكم بإرضاء بطانته من المتزلفين والمقربين الذين لهم كل البراعة في حجب بصره وبصيرته عن روءية العامة والنخبة على حد سواء. لم نكن نحلم في يوم أن تاتي مثل هذه الفرصة للتغيير الذي جائت به الدول الخيرة والشعوب الرحيمة لتنقذنا, فماذا فعلنا نحن؟ سبع سنوات مرت ولم يظهر كيان سياسي وطني حقيقي واعي وواقعي ينافس الكيانات السياسية المتخلفة الموجودةالتي رفعت شعارات التمزيق والفئوية واستقطبت الملايين من المغفلين الذين ضحكت على عقولهم وصعدت الى الحكم على أكتافهم ثم تسلطت عليهم وتكبرت عنهم, وها هي اليوم منشغلة بمناصبها وكراسيها والشعب يشوى بنار الحر والعبوات الناسفة. هذه هي الفرصة التاريخية للتحرك انزلوا الى الشارع كلموا العامة وعوهم علموهم كيفية انتزاع حقوقهم من سلاطين الديمقراطية المزيفة.

اخر الافلام

.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري


.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين




.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل


.. وزير الخارجية الأردني: نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب في غ




.. نتنياهو: شروط غانتس تعني هزيمة إسرائيل والتخلي عن الأسرى