الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(هنيئاً لمن يقول بعد اليوم: أنا تركي)!

بلند حسين

2010 / 8 / 20
القضية الكردية


أرسى أتاتورك هذا التقليد المبتذل، مذ أسس جمهورية(تركيا الحديثة) ـ وريثة الامبراطورية العثمانية ـ على جماجم الكرد والأرمن والسريان واليونانيين والعرب، ثم أشاع فيها وَهْماً لايستقيم الأمر وفقه إلا بتصنيف الأكراد في خانة أتراك الجبال، حتى بدا الكردي في(مخيال) التركي كائناً أقل شأناً، تقتضي الضرورة إلغاءه، إن لم يتخلَ عن هويته.
في جمهورية الخوف هذه، تفشى هذا الوهم، أعني وهم القدرة على إلغاء الواقع، وساد منطق سقيم وشُوِّه التاريخ، حتى غدا الطفل التركي ينطلق من إفتراض تفوقه على الآخر(الكردي). ثم مضتْ تركيا، لخلق حالة من التشيؤ وتغذية عُقَد النقص لدى الكردي، من خلال سياستها القائمة على ضرورة تدجينه وارضاخه ونزع زمام المبادرة منه بأي ثمن، إلى الحد الذي بات فيه الكردي المقهور يتماهى مع المتسلط ويسعى لمحاكاته في نمط حياته وسلوكه وقيمه وأنساقه الذهنية، بعد أن عمّق فيه الاحساس بالدونية؛ فأخذ يتنكر لقضيته ويخجل من نفسه ككردي أو يخاف للجهر بهويته على أقل تقدير.
لن نسترسل في هذا المجال، بل مانريد قوله أن حالة الاستلاب السالفة الذكر، والتي سادت في بعض الأوساط الكردية حيناً من الدهر، ليس في كردستان الشمالية فحسب، بل في أرجائها الأخرى أيضاً بعد تبيئتها(من البيئة)، ترافقت مع تفاقم مأزق الايديولوجيا الكمالية المسيطرة وخوائها، بدليل أنها فشلت في مقاربة الواقع ناهيك عن تطويعه.
ففي سوريا مثلاً، صُنف أيضاً الكرد منذ الستينات كضيوف أو كانوا يَنظرون إليهم على هذا النحو، وطبقت في حقهم مشاريع مثل: الحزام والتجريد من الجنسية والتعريب...الخ. من هنا فان اصدار بيان من(المجلس السياسي الكردي في سوريا) بتاريخ 25/7/2010م، كان بغرض إيلاء الأهمية للتصريحات التي أدلى بها مؤخراً الرئيس بشار الأسد لبعض وسائل الاعلام التركية، حين تجاهلها الاعلام الرسمي السوري أولاً، وبهدف نسف ادعاءات الأوساط الشوفينية التي كانت تروّج في طول البلاد وعرضها بأن الكرد مهاجرين ثانياً.
مامن شك ان العبرة تكمن ـ بكل تأكيد ـ في ترجمة هذه التصريحات الايجابية على أرض الواقع، فقد سبق للسيد الرئيس أن أدلى لقناة الجزيرة ببعض الاجابات عقب 12 آذار 2004م، أكد فيها بأن الكرد جزء لايتجزأ من النسيج السوري، لكن مازالت الأوضاع هي هي، بل وتزداد تفاقماً وتأزماً.
المهم، رغم أن التماهي الكردي في سوريا لم يبلغ الحد الذي بلغه في تركيا، لكنه تجسد في ظاهرة الانكفاء على الذات أو الاستزلام والتزلف والمداهنة والرضوخ لسياسة الأمر الواقع في بعض الأوساط الكردية، وكأنه ليس بالامكان أكثر مما كان.
ظاهرة الانكفاء(التشرنق) على الذات والتقوقع والانعزال، كانت بطبيعة الحال ردود فعل سلبية كما نعلم من لدن الكردي المقهور، الذي شعر بالعجز إزاء التحديات التي تواجهه، فوقف موقف المتفرج على الأحداث، وتردد في الانخراط في أي نشاط سياسي أو اجتماعي أو ثقافي، يثير غيظ الأجهزة الأمنية أو لاينال استحسانها، هذه واحدة ... أما الثانية، فإن ظاهرة الاستزلام والتزلف والمداهنة، تعني أن الكردي المهزوم أو المصاب بالشلل والتخبط النفسي، باتَ يعتقد نتيجة الاحساس بالتهديد من الآخر، بأن حماية النفس من الأذى تتطلب الذوبان في بوتقة القومية العربية والتنكر لهويته الكردية، أو التجسس على أبناء جلدته، وقد يصل به الحد إلى التنمر في وجههم والبطش بهم إن إقتضى الأمر، في الوقت الذي يتمسح فيه بحذاء الآخر(المختلف)، بغية نيل رضاه.
هذه الظواهر المَرَضية بادية للعيان، فالعديد من الأرومات الكردية تعرّبت قديماً وحديثاً وذابت في المتروبولات بعد أن نستْ لغتها، وبعض العوائل تنكرت لأصولها ونسبت نفسها إلى الأصول العربية، إما بسبب التعصب الديني أو نتيجة الروح الانتهازية أو نتيجة لِعُقَد النقص التي غرست فيها، واستبدلت بعضها لغتها الأم بالعربية. وحين تواجهها بحقيقة عريها، تجيب: ما الضير في هذا؟ أليست العربية لغة القرآن؟ أليست هي لغة الدراسة؟ أليست العربية لغة سَلِسَة وغنية بمفرداتها؟.
ولا أعلن سراً إن قلت أنني حاجَجْتُ ذات يوم أحدهم، وقلت: لابأس من أن نستشهد في هذا المجال بـ(د.طه حسين)، الذي سبق أن امتعض بعد سماعه المحاضرة الأولى في جامعة الأزهر، حين ادّعى فيها المحاضر، بأنه لامثيل للعربية بين سائر لغات العالم في غناها وحلاوتها ورقتها، بعد ان أحاطها بهالة مقدسة!.
فردّ عليه عميد الأدب العربي: اللغة العربية غنية وحلوة ورقيقة دون شك، لكن هناك لغات لاتقل عنها شاناً إن لم تسبقها.
القصد من هذه الحكاية بيّن، والغاية من هذه المقالة أبْيَن، رغم الغشاوة التي خيمتْ على بعض العيون، فالذي لايحب جباله لايمكن أن يحب سهول الآخرين على حد وصف(رسول حمزاتوف).
فحكام تركيا وايران ومَنْ يلتحف بردائهم، ممّن يدّعون الاسلام ويتسترون تحت مظلته اليوم، تراهم يجعجعون في كل نادٍ، للدفاع عن حقوق المسلمين المظلومين في بلاد الواق واق، ويتناسون ما يكابده الكردي في ظل انظمتهم القمعية أو يذيقونه الأمَرَّين. وقد صدق الناقد(يفتوشينكو) حين أشار بصريح العبارة إلى تفاهة سلوك أمثال هؤلاء، ممن يتحدثون بعبارات بليغة عن قضايا انسانية كبرى، في الوقت الذي يتكاسلون فيه عن الانحناء لانتشال عصفور لَسَعَه البَرْد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و