الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البغدادي والعلمانية الكونية

طالب المولي

2010 / 8 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



الغموض المكتنف - كما يدّعون - حول العلمانية كتعريف حول المعنى لهذا المصطلح ، هو في الواقع محاولة منهجية لتشويه هذا المفهوم الكوني من قبل التيار الديني ، وحتى لا تكون السلطة الممنوحة لرجال الدين الكهنوتيين تحت مبضع الجراحة النقدية للدور الحقيقي لرجل الدين ، والذي استطاع عبر التحالف الوثيق بينه وبين سلطة المال المتمثل بدور السلطة السياسية . لم تجد السلطة السياسية على مر العصور أبرع من التيار الديني في الدفاع والتستر والتبرير لشبهات وسرقات التي تقوم بها السلطة السياسية . وبهذا يتفوق التيار الديني بجدارة في الحصول على مغانم الدولة عبر المؤسسات المالية المنتشرة على طول وعرض البلاد .
بعيدا عن التعريف للمصطلح العلماني والذي " أصبح من السذاجة والطفولة الفكرية أن يسجن الإنسان عقله وفكره في إطار تعريف زالت قيمته الفكرية بعد أن أصبح ظاهرة عالمية متجسدة واقعا ماديا فيما يعرف بـ(المجتمع المدني) " كما يقول البغدادي في كتابه تجديد الفكر الديني .
هذا الانتشار الواسع لدور مؤسسات المجتمع المدني المختلفة في جميع الفروع الحياتية ، أصبح البحث عن التعريف للعلمانية ضربا من الجهل وسذاجة فكرية بعد أن ضجت المكتبات ودور النشر بمباحث فكرية حول الأسس الفلسفية والمنطقية للعلمانية ، ودورها الفعال في المجتمعات الديمقراطية التي اتخذت من العلمانية منهجا حياتيا وحلا لمشكلات التطرف والتعددية بأنواعها الدينية والفكرية والعرقية ، وتحت ضل قانون فصل السلطات والحاكمية للشعب والذي هو عنوان لدور العقل في تأصيل هذا الفكر على مناحي الحياة المختلفة .وبهذا وجد المسلمون الذين يرزحون تحت سياط السلطة في بلدانهم الإسلامية والعربية في الهروب إلى الجنة العلمانية الديمقراطية في أوربا وأمريكا خلاصا واحتراما لآدميتهم .
ولذلك يحلل البغدادي في كتابه " التجديد " أسباب فزع التيارات الدينية من هذا المفهوم الكوني ، هو خوفهم من بقاء رجل الدين ضمن إطاره الطبيعي بين الناس ،أي ذئبا بشريا بلا أنياب السلطة . فيقول المرحوم البغدادي : " لقد استاء رجل الدين من العلمانية لأنها جعلت من المرجعية الدينية متساوية في قوتها مع المرجعيات الأخرى مثل العرف والتقاليد والمنطق ،بعد أن كان الدين مرجعية متفوقة ، وساءه تراجع مكانته بسبب تفوق العلمانية " وقد رأى هؤلاء اللاهوتيون تراجع دور رجل الدين في أوربا بعد الدمار الذي ألحقوه بالبلاد والعباد ، وتقنين دورهم في المجتمع كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني ، وبهذا فقد رجل الدين المحتكر لفهم النصوص الدينية لدوره الفعال في إحكام قبضته على الناس إلى ما يشبه " بخيال مآته " .
ويتساءل البغدادي حول قبول المسلمين للمفاهيم العلمانية عمليا لا فكرا ؟!! لقد أصبحت هذه المفاهيم جزءا من متطلبات الأساسية في المجتمعات الحديثة والذي أخذ المسلمون يجدون فيها الحياة السعيدة ، في ظل دولة القانون وفصل السلطات حقوق الإنسان ، بعد أن كانت جميع السلطات تحت قبضة رجل الدين فهو يبدأ بالإفتاء بدءا من الحيض وانتهاء إلى الاستنساخ والتطور ونشأة الكون .وبهذا يصبح رجل الدين يفهم في كل صغيرة وكبيرة في الحياة المعقدة ويصبح "الفقيه الموسوعي" كما يحب أن يسميه البغدادي .
إن تطور المدارس الفكرية الحديثة والمعاصرة ومدى تأثيرها في العقل العربي في عصر التكنولوجيا الحديثة والاتصالات الكونية، أثرت بشكل مباشر في تشكيل عقل الإنسان الحديث وتفكيره النقدي في تحدٍ واضح لسلطة رجل الدين ، وقيام تلك المدارس الفكرية في مجابهة التكتلات الدينية المتطرفة عبر قراءة جديدة للنص الديني ، ومدى تفوق رجالات الإصلاح الديني في إنعاش روح البحث والتصدي لتلك السلطة الكهنوتية وفك الحصار حول فهم الدين أو بتاريخية النص الديني أي بفهم النص بآليات عقلية جديدة .
إن العلمانية كمفهوم كوني عالمي يتيح للإنسان حرية البحث والتفكير والنقد ، وبهذا المفهوم أصبحت العلمانية ضرورة حياتية لتحرر الإنسان من نير الفكر الأحادي المتطرف والفهم الضيق والمحدود للحياة ، إلى رحابة وسعة العقل في البحث والتقصي حول أسرار الطبيعة والكون . وحول حرية الإنسان في الاعتقاد والتفكير خارج الصندوق المغلق والمعلب للفكر الديني .ويقول البغدادي : " ولولا مفهوم الدولة القانونية التي أسسها الغرب وفرضها على العالم الثالث لنال مؤيدو المجتمع المدني – العلمانيون - الأذى الكثير "
وقد كان المرحوم يستشعر بعجز رجل الدين في اللحاق بركب التطور المتنامي في جميع الحقول الحياتية ، ويحاول بشراسة وبضراوة متناهيين في حصر رجل الدين في موقعه الطبيعي من الحياة ، لعجزه عن إيجاد البديل لرفاهية الإنسان وسعادته ، بل أقحم الناس في العالم الإسلامي في محيط متلاطم من التطرف ومحاربة المفكرين والعلماء بصور مختلفة من الملاحقة والقتل وتشويه صورتهم أمام الآخرين ، لتبدأ دوامة القتل والإرهاب في التنامي في العالم بسبب التخلف الفكري ونمطية التفكير في مواجهة المد العلماني الكوني .

كاتب كويتي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اي سلطة في يد عالم الدين المسلم انه موظف مثلن
نابه سعيد ناصر ( 2010 / 8 / 22 - 11:59 )

بالعكس انا اعتقد ان البغدادي كان غيرانا يشعر بالغيرة من الحضور الطاغي لعالم الدين المسلم بين الناس وليس لرجل الدين لانه لاوجود لهذا المصطلح الكنسي في عالم الاسلام الا في المذهب الشيعي ولكن لدى السنة وهم غالب اهل الاسلام فلا وجود له
ولكن هل صحيح ان عالم الدين او رجله كما تصفون هو المسيطر على الامور
ام ان من يسيطر في حقيقة الامر
الحكم العشائري
والحكم العسكري
والحكم الحزبي
والحكم القومي
وهؤلاء في حدود معلومات علمانيون !!
ومع ذلك فهم احد اسباب التخلف في مجتمعاتنا
رحم الله البغدادي اطروحاته الفكرية غير واقعية وهي نتا ج حالة الغضب التي كانت تنتابه
والانسان الغضبان قلما يحكم عقله او يسيطر على انفعالاته
العلمانية بشكلها الغربي مرفوضة تماما وغير واقعية حتى بالنسبة لمن يعتنقها من المفكرين اتذكر ان علمانيا كويتيا كان يخفي زوجته عن اصحابه ولا يسمح لها بالجلوس معهم
يمكنك ان تكون مسلما وان تكون متحضرا من غير بأس
ولا تحتاج الى هذا الانفصام النكد بين الروح والجسد او الدين والعلم
نعم يمكنك هذا من غير بأس في الاسلام


2 - الارهاب نتيجة حتمية لغياب العدالة الدولية
نابه سعيد ناصر ( 2010 / 8 / 22 - 12:09 )

بالحقيقة ان الخروج من مستنقع التخلف ليس مسؤلية عالم الدين فقط سواء ا بابعاده كما يقترح البغدادي او بتقريبه
المسؤلية مشتركة بين كل اطياف المجتمع
هل اذا قلنا لعالم الدين مكانك الجامع والبيت سنتقدم ؟
بل السؤال هل يحق لنا فرض الاقامة الجبرية على عالم الدين
بل هل من حقنا منعه من المشاركة المجتمعية
اظن ان هذا الفكر متخلف جدا
حتى في الغرب لم يعد مقبولا
نحن نشاهد مشاركة القساوسة في كل شؤون الحياة بما في ذلك الشأن السياسي
لامنطق هنا ابدا
وهل سيمنع عالم الدين اي تطور ماهي قدراته
الا اذا قصد بالامر منعه وليس هذا من حق احد ان يبين الحلال والحرام
في اي مشروع نهضوي او تطوري
هل الارهاب ناتج عن عالم الدين
ام انه نتاج عالم بلا عدالة ؟!
الله يرحم زمان
كنتم تصفقون للتفجير المتتابع للسيارات المفخخة في عواصم الغرب عندما كانت منظمات اليسار المتطرفة تذرع اوروبا بالرعب جيئة وذهابا وتختطف الصناعيين وتقتل الرأسماليين وتفجر محطات القطارات
الحين صرنا احنا ارهابيين
عجبت لك يا زمن


3 - الغرب العلماني يحمي نظم الاستبداد الشرقي ؟!
نابه سعيد ناصر ( 2010 / 8 / 22 - 17:31 )

اذا نظرت الى اعداد العلمانيين في وطننا الاسلامي ستجد انهم زمرة ميكروسكوبية لا تملاء حتى وانيت في بعض الاماكن
ولن تجد العلمانيين في مواضع رجولة ولا كرامة ولامقاومة
العجيب انك ستجدهم في احضان اعداء الامة بكافة اشكالهم
بالطبع فان مرجعية الامة الى دينها وشريعتها
هذا امر منتهي
ولا نقاش حوله
انها عقيدة الاغلبية
والاغلبية وفق المنطق الغربي تحكم شريعتها
العلمانية لفظة غربية
ومن عجيب انك تجد ان الغربيين هم اول
من يحمي نظم الاستبداد والفساد في منطقتنا الاسلامية ؟!
ليس في مصلحة الغرب ان نتعلمن
الا ان يبشر بعلمانية مضروبة اوفاسدة تحمي مصالحه
والبغدادي واضرابه هم اول من يكون في المقدمة
لحماية مصالح الغرب .


4 - شكراااا
محمود كرم ( 2010 / 8 / 23 - 00:32 )
مقال رائع يا صديقي بو علي

اخر الافلام

.. وصول البابا تواضروس الثاني للكاتدرائية المرقسية بالعباسية ل


.. قوات الاحتلال تمنع مقدسيين مسيحيين من الوصول ا?لى كنيسة القي




.. وزيرة الهجرة السابقة نبيلة مكرم تصل لقداس عيد القيامة بكاتدر


.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بمراسم -النار المقدسة- في كنيسة




.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟