الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان بين اليوم والأمس

زهير قوطرش

2010 / 8 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني





اليوم....وبعد الإفطار,لا أدري لماذا استرجعت الذاكرة ,لأعود بها إلى دمشق ,التي مازالت دمشق ,وذلك لكي استحضر صورة شهر رمضان ,الذي مازال شهر رمضان ...ولكن شتان ما بين دمشق ودمشق وما بين رمضان ورمضان.

رمضان اليوم ...تقلصت قيمه الروحية بفعل عولمة الاقتصاد,لتحل محلها بعض القيم المادية التي لم نعرفها من قبل ,,,أي قبل خمسين سنة مضت. ...رمضان اليوم تجرد من أجمل قيمه الأخلاقية والاجتماعية ,لتحل محلها قيم السوق,والاستهلاك والفردية .
حتى الصدقات في شهر الصدقات,صارت إعلاماً مسموعاً ومرئياً,بدون مراعاة لعزة الإنسان المحتاج وكرامته.
رمضان اليوم تحول من عبادة إلى خيم رمضانية ,للأكل والشرب والتدخين حتى الصباح ,ومن ثمن نوم وكسل طوال اليوم ,تعطيلاً لحركة الحياة التي هي من أهم العبادات.
رمضان اليوم ,غزته المسلسلات التلفزيونية ,التي لا تعد ولا تحصى(ثورة إعلامية) ,تتخللها الدعايات التجارية (ثورة استهلاكية) ,استطاعت عزل الإنسان عن التواصل مع أخيه الإنسان ,حتى ضمن المنزل الواحد ,فالكل مشغول برؤية مسلسله .

في رمضان اليوم صارت العبادة شكلية لا خشوع فيها ولا تقوى عند أكثرية الصائمين ...فصار الخشوع والتقوى للآلة الإعلامية التي سيطرت ,وصارت بحكم المعبود والعياذ بالله.
رمضان اليوم ,لا تواصل أخوي فيه بين الناس ,الذهاب إلى المسجد صار بواسطة السيارة ,حتى لمسافة مئة متر ,لكي يتفاخر كل صائم بما يملك من موديلات حديثة من السيارت.
رمضان اليوم امتاز بفردية الإنسان الذي ما عاد يعنيه حال أخيه الإنسان .

أما رمضان الأمس ,الذي تجمل بالعولمة الإنسانية ,والتي كنا نقدمها للعالم كنموذج فريد للحب والتعايش والأخوة.
رمضان الأمس كانت بدايته دائماً ,قبل يومين أو ثلاث من حلوله,عندما كان أهل الحي أو الحارة من الميسورين , يقومون بتجهيز صدقاتهم من أكياس الأرز والسكر والبرغل والعدس ,ليضعوها في الليل بالاتفاق ... أمام بيوت المحتاجين,الذين لا علم لهم حقاً من هو صاحب
تلك الصدقة.
رمضان الأمس كان عرساً اجتماعياً بكل معنى الكلمة ,حيث كان الإفطار في بيت كل حارة دمشقية صنية مفتوحة (مثل طاولة مفتوحة) ,مليئة بصنوف الطعام .كانت العادة أن يتبادل الجيران صحن السكبة ,بمعى أن كل بيت في الحارة ,كان يحسب حق جيرانه بصحن من طبخته الرئيسية, حتى العائلات الفقيرة كانت تساهم وتشارك في هذا العرس,ولو بصحن من المخلالات. وهكذا طيلة شهر رمضان.
رمضان الأمس ,كانت الحياة الاجتماعية فيه مناسبة سنوية فريدة للتواصل بين الأهل والجيران. كانوا يتواصلون بالمحبة التي كانت تزول معها الأحقاد والعداوات التي تراكمت خلال حركة الحياة للسنة المنصرمة.لتصفى بعد ذلك القلوب التي جمعها خشوع العبادة لله ,وتقوى الله,ليستقبلوا العيد وهم أخوة وأحباء.
في رمضان الأمس ,كان الناس فيه يتحلون بالتواضع ,كانوا يسارعون إلى العبادة والصلاة بعد الإفطار ,بلباس شبه موحد ,مشياً على الأقدام أفراداً وجماعات ...يتجاذبون فيما بينهم الأحاديث ,بحيث تندمج معها الأرواح ...يتفقدون الغائب منهم ,ليعلموا سبب غيابه ومن ثم يسارعون لزيارته إن كان مريضاً,أو مساعدته إن كان محتاجاً إلى مساعدة.عائلة إنسانية جمعها رمضان ,لا فرق فيها بين الأخوة في الإنسانية ,حتى الأخ المسيحي ,كان يشارك أخوته المسلمين فرحتهم برمضان والعيد,كما كانوا يشاركونه فرحته في أعياده ,وهكذا اليهودي الذي كان عربياً من دمشق .
أعيدوا إلى رمضان قيَّمه وأخلاقياته ,بفقدانها ,فقد رمضان جماله, وفقدنا نحن إنسانيتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المسلم يخاف الناس ولايخاف الله
حكيم العارف ( 2010 / 8 / 24 - 03:29 )
المهم هو مظاهر التدين من انقطاع عن الاكل امام الناس فقط ... اما الاكل والرب المستتر فالله غفور رحيم ...

المسلم يخاف الناس ولايخاف الله ...

اخر الافلام

.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال




.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري


.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة




.. تعمير- د. عصام صفي الدين يوضح معنى العمارة ومتى بدأ فن العما