الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دين الشيطان أخيراً...!!

كريم كطافة

2010 / 8 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قرأت لدى الجاحظ (1)؛ أن فقيهاً من القدرية وهم فرقة إسلامية ظهرت في العصر الأموي، صحب رجلاً على دين المجوسية، صحبة طريق، جعلت قلب الفقيه يميل لذلك المجوسي ويشعر تجاهه بشيْ من المودة والحرص. مما دفعه لأن يسأله السؤال البرئ التالي:
ـ يا فلان ما رأيته منك؛ أنك لا ينقصك شيء.. لماذا لا تسلم..‍؟
رد المجوسي بذات المودة:
ـ سأفعلها يا شيخ إذا شاء الله وأراد..!!
علق الفقيه بأريحية من وصل إلى مبتغاه:
ـ لا تقل هذا يا فلان، فقد شاء الله ذلك ولكن الشيطان ليس يدعك.
رد المجوسي:
ـ إذن يا شيخ، أنا الآن مع الأقوى...!!!
بالنسبة لذلك المجوسي المفترض في الحكاية، الأمر لم يكن طرفة، على العكس، هو انطلق من جوهر الديانة الزرادشتية. الديانة التي جرى لها ما جرى لأي ديانة في التاريخ من تشويه وانحراف عن الأصل حتى وصلت إلى شكلها المجوسي القائم على تقديس النار لذاتها وبناء معابد لها.. بالنسبة لتلك الديانة أن الأصل الأول (الله) بعد أن خرج من كمونه الأزلي، خلق كائنين من لدنه واعطاهما الحرية الكاملة في الاختيار.. فاختار أحدهما طريق الخير واختار الثاني طريق الشر.. ورغم أن الأصل الأول (أهورا مزدا) هو مع الخير وهو قادر أن يمحي أصل الشر من الوجود لأنه الخالق.. لكنه لم يفعلها ويكسر إرادته هو حين أعطى الحرية. الأمر الذي جعل من حرية الاختيار للإنسان في ذلك الدين بأهمية الوجود نفسه. ظل (الله) يرعى أصل الخير ويساعده ضد أصل الشر، ليأتي خلق الإنسان لاحقاً من الوسائل التي أرادها الخالق لتمكين أصل الخير من هزيمة أصل الشر. وتلك كانت رسالة (اهورا مزدا) للإنسان من خلال النبي (زرادشت) أن يسعى خلال حياته القصيرة لتدعيم أركان الخير.. وصولاً لهزيمة الشر الهزيمة الأخيرة والنهائية والتي ستكون في آخر الزمان على يد رجل من سلالة (زرادشت) يقضي على الشرور والمظالم ويملئ الأرض عدلا وقسطاً، ليفوز الإنسان بنعيم الخير السماوي. ذات النهاية التي رأتها معظم الأديان لآخر الزمان ونسجت على منوالها، كل حسب تعاليم وشخصيات دينه المقدسة.
هذا ليس استعراض لتاريخ ديانة ما.. بل أردته مدخلاً إلى الكارثة التي يعيشها الدين الإسلامي في هذا العصر. كارثة ويا للغرابة أن أبطالها ليس أعداءه المفترضين إن كانوا من أديان أخرى أو من اللادينيين، بل هم من أتباعه أنفسهم. نرى بأعيننا ونسمع كل يوم عن البشاعة والقبح والجريمة التي يقترفها المنادون باسمه من شتى الفرق الإسلامية معتدلهم ومتطرفهم.. فتاوى وتعاليم تعبر عن أفكار وسلوكيات لا تنسجم مع أي منطق مفترض للحياة.. أنهم يقتلون الإنسان ويسلبون المال ويعتدون على الأعراض بدعوى مكافحة الشيطان وأتباعه ويكافحون الفكر الحر بدعوى أنه كفر حر.. ويحرّمون الفنون والموسيقى والآداب وكل أشكال التعبير الجمالي بدعاوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ويقتلون الحلاقين والحلاقات ويلثمون النساء بزنازين ثابتة ومتحركة لنشر ثقافة البشاعة والقبح لمكافحة اغترار الإنسان بنفسه أمام الله.. يشيعون الحزن واللطم والبكاء على أطلال حوادث أكل الزمن عليها وشرب في مسعى لإحياء الموتى.. وفي المحصلة فيما لو طُبقت كل تعاليمهم، لن يبق للإنسان من مظاهر ممارسة الحياة غير تلك الغرائز الحيوانية الثلاث (أكل وشرب ونكاح شرعي).. والأنكى أنهم يريدون من كل هذا مقاومة حضارة لأول مرة في تاريخ الإنسان تبنى وتشاد صروحها ليس على دين وأفكار غيبية بل وفق منطق مفارق ومغاير لكل ما سبقه، أنه منطق العقل وإنجازاته ومحاولاته اللامحدودة واللانهائية لاكتشاف النفس الإنسانية والكون المجهول حتى الآن.. الأمر الذي يجعل التفكير في اتخاذ جانب الشيطان الذي يعلنونه خصماً لدوداً لهم تفكيراً منطقياً..!! لذا أتوقع إن لم يكف هؤلاء عن غيهم وهوجهم الإيماني بالوسائل الممارسة الآن، أن تظهر أجيال سيكون هاجسها الشيطان دون غيره.. كثرُ سيكونون مرشحين لإتباع الدين الجديد على أنه العدو اللدود لهؤلاء المجانين.. على طريقة عدو عدوي صديقي..!! وقد يُعلن عن دين الشيطان في أكثر البقع تطرفاً في التدين.. هذه ليست نبوءة.. ما أنا بنبي ولا أريد أن أكونه.. لكنه مسرى ما يجري الآن على الأرض.
(1) المحاسن والأضداد/ ص15








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لمن تقرع ألأجراس ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 8 / 26 - 03:06 )
مقال بالقدر الذي هو جيد وصحيح ... لكنه مبكي ومحزن لأن الكل لازال في سبات والقلم لا يكفي وحده أن يصيح ... ألله أكبر على ما يجري في بلداننا من قتل وسلب ونهب وتجريح ... وأكبر هو من غزا بلداننا وأطفالنا علمهم صناعة الموت والتفخيخ ... ألا يكفي السكوت لأربعة عشر قرنا من الظلالة والفكر القبيح ... تحياتي ....!؟


2 - التطرف نتاج ظروفه والمثقف يهرب من الحقيقة
نابه سعيد ناصر ( 2010 / 8 / 26 - 06:21 )
بالحقيقة ان التطرف ليس حكرا على المسلمين فقد عرفته اديان وملل وشعوب
بل بالعكس ان الارهاب الذي زاوله اللادينيون والملاحدة يجاوز ما فعلته الاديان السماوية الثلاثة مجتمعة
لقد اباد احدهم اربعة ملايين انسان في اشهر قليلة
اما الثورة الثقافية فقد ابادت اضعاف اضعاف هذا العدد

لم يتأثر الاسلام طوال عمره باللغو والتطرف بل بالعكس رأينا ان اللغو والتطرف نفسه قصير ومدة مكثه في الارض قليلة
وان الاعتدال يسود في النهاية

لايمكن فصل التطرف عن اسبابه واحد اسبابة المباشرة هو الاستبداد الشرقي من علماني و حزبي وعسكري وطائفي وعشائري وقومي
هل كل هؤلاء معتدلون ام انهم زاولوا الارهاب ولا يزالون

والله تعالى وصف عمل الشيطان بالضعيف
وان قوة الشيطان تكمن في ضعف الانسان وليس في قوة الشيطان
احيانا كثيرة يستسهل المثقف ويعلل نفسه بالتعلللات ليبرر لنفسه كافة اشكال التقصير
ويختفي تحت اقنعة شتى لينطلق بلا ضابط ولا رابط
؟!!


3 - من يريد الهداية يهده الله
نابه سعيد ناصر ( 2010 / 8 / 26 - 09:01 )

اعتقد ان المجوسي علق ساخرا امر هدايته على الله سبحانه وتعالى
ولم يكن هذا في نيته بدليل انه فضل رفقة الشيطان على هداية الرحمن
والايمان والكفر ليستا قضية قدرية ولكنها مسألة مكتسبة
فالناس لا يولدون كفارا وانما على الفطرة
على الانسان ان يبدأ الخطوة الاولى نحو الهداية وبعد ذلك يزيده الله هدى وينير قلبه وبصيرته
من يطلب الهداية يهديه الله
ومن يطلب الضلالة يضله الله
وهذا يشبه قولنا للتلميذ ان اردت النجاح امسك بالكتاب وادرس
اما من يعرض عن الكتاب ويرمية جانبا هيهات هيهات ان ينجح ؟!
فالنجاح والرسوب ليسا قضية قدرية ولكنها مكتسبة ومسببه
اليس كذلك ؟!!


4 - العبودية أم العذاب لك حرية الاختيار!
عبد المنطق ( 2010 / 8 / 26 - 12:42 )
أعطيك حرية الاختيار، و لكن قبل أن تختار يجب أن تعلم أنك إذا اخترت ما لا أريد سأذيقك العذاب العظيم. فماذا تختار ما محتار؟!
إذا كان هذا مفهوم الحرية لدى المسلمين فلا غرابة إذا فشلت كل محاولات التنوير لتحريرهم من سلطة الطاغية و الفقيه...


5 - السيد نابه
فواز محمد ( 2010 / 8 / 26 - 14:29 )
يا سيد نابه احترنا معكم عند وقوع مشكلة ويعلم ما في الارحام بعد اكتشاف جهاز السونار وتمكن الطبيب من معرفة نوع الجنين ذكر ام انثى الغيتم الفكرة السابقة باقتصار معرفة ذلك على الله وخرجتوا بفكرة جديدة اي يعلم انه شقي او سعيد اي مسبقا محدد مصير الشخص فما الفائدة من كل هذا النقاش طالما الامور محددة من عندما يكون الانسان جنينا في بطن امه ولا حتى هناك داعي للدعوة للتوبة والايمان لان الاعداد محددة سلفا منذ الرحم وحتى الوفاة لا ادري اذا كان هناك تغير ان يكتب على احد شقي ثم تمسح في منتصف العمر ويكتب سعيد بعد الهداية


6 - شكرا
مازن فيصل البلداوي ( 2010 / 8 / 26 - 15:15 )
سلمت يداك وفكرك ياكريك كطافة الكريم

شكرا


7 - علماني مغاربي
محمد بودواهي ( 2010 / 8 / 27 - 17:06 )
السيد أو السيدة صاحبة التعليقين 2 و 3
محاولاتك اليائسة لا يمكن أن توصف إلا بمثل ذاك الذي يحاول أن يخفي الشمس بالغربال ، أو بتلك النعامة التي تحاول النجاة بإخفاء رأسها في الرمال
فالملاحدة واللادينيون الذين مارسوا القتل قد لا يتجاوز عددهم إثنان أو ثلاثة على أكثر تقدير مع العلم أن هناك ظروف موضوعية قد يكون لها الثأتير الكبير في ما حصل
أما جرائم الدبح والشنق والرمي بالرصاص والرجم حتى الموت وقطع الأيدي والألسن والأذان التي مارسها المتأسلمون القتلة فتاريخه طويل طول الفترات التي حكم فيها الحاكمون المتسلطون باسم القرأن والسنة
فكيف لك أن تدعي أن الإسلام لم يتأئر باللغو والتطرف طوال عمره في الوقت الذي ثبت فيه تاريخيا أن اللغو والتطرف هو الإسلام ذاته ؟؟؟؟؟؟؟
احتلرامي وتقديري للكاتب


8 - لاجبر ولاتفويض
د حسام ( 2012 / 5 / 3 - 15:59 )
حقيقة الامر أعزائي أن الانسان لم يكن مجبورا كل الجبر ولم يكن مختارا كل الاختيار,فهو حينما يعيش على هذا الاوكسجين المقدر نسبته في الهواء،فهذا أمر خارج عن إرادته بل أن الله بعلمه وحكمته جعل هذه النسبة كافية للإنسان ،ولكنه اذا فرضنا ورمى نفسه في الماء فإنه بإختياره ذهب الى ذلك المحيط الذي فيه اوكسجين مذاب لاتصلح لعيشه وانما لمخلوقات اخرى فهو بإختياره رمى بنفسه الى التهلكة.من هذا المثال البسيط اردنا ان نوضح ان الانسان مجبور في امور ومختار في اخرى وكما ورد عن الامام الصادق(ع.لاجبر ولاتفويض والامر بين امرين وشكرا لكم

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال