الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجال الدين وشرعنة الطغيان والاستبداد

نهرو عبد الصبور طنطاوي

2010 / 8 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


علاقة رجال الدين برجال السلطة علاقة تاريخية تقوم على المصالح المشتركة والمتبادلة بين الطرفين، فهي علاقة تقوم على أن كل طرف يستمد مشروعية وجوده ومبررات امتيازاته من الآخر على حساب الجماهير، هذا في حال كان رجال السلطة لا يستمدون مشروعية وجودهم في السلطة من الجماهير ولا من امتثالهم بقيم العدل والحق أثناء ممارستهم للسلطة والحكم بين الناس، فهم في هذه الحال يجدون أنفسهم في أمس الحاجة إلى طرف آخر من خارج السلطة لتبرير وجودهم غير المشروع فيها، وكذلك لإضفاء المشروعية على احتكارهم لها وبقائهم فيها وعلى ممارساتهم غير المشروعة في حق الجماهير، وتاريخيا لم يجد رجال السلطة أحداً للقيام بهذا الدور الشيطاني أفضل من رجال الدين المرتزقة الذين باعوا الله وباعوا دينه وباعوا عباده وخانوا أمانته واشتروا بآياته ثمنا قليلاً، وتاريخيا لم يستطع أحد أن ينافس رجال الدين في دورهم الشيطاني ذلك لما للدين من هيبة وقدسية وإجلال في قلوب الجماهير، ومن المعروف تاريخيا أن رجال الدين حين تقوم دعوتهم للدين على الحق والعدل والمساواة والأمانة والانحياز للجماهير وخاصة المستضعفين والمقهورين منهم فلابد وحتما من وقوع الصدام والتنافر وربما الاقتتال بينهم وبين رجال السلطة، كما حدث بين الأنبياء والمرسلين وورثتهم من العلماء المصلحين وبين رجال السلطة في أقوامهم. والتاريخ قد سجل لنا مشهدين مختلفين لعلاقة رجال السلطة برجال الدين في زمن غياب أشخاص الأنبياء والمرسلين والمصلحين الأمناء عن ساحة الحياة وتولي أمر الدين من لا أمانة لهم ولا عهد ولا ذمة ولا دين.

المشهد الأول: يحكي لنا التاريخ كيف قام رجال الدين المسيحي بتولي رجال السلطة في أوروبا، ففي القرن الرابع الميلادي اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية وقام بفرضها على الإمبراطورية فرضا، ثم بمرور السنين سجل التاريخ أحداثاً عن ذلك النزاع المرير الذي كان ينشب من حين لآخر بين رجال الدين ورجال السلطة حول من يجب أن يكون له السلطان المطلق على الناس، رجال الدين أم رجال السلطة؟، حتى أن البابا (نقولا الأول) أصدر بيانا في العصور الوسطى قال فيه: (إن ابن الله أنشأ الكنيسة بأن جعل الرسول بطرس أول رئيس لها، وإن أساقفة روما ورثوا سلطات بطرس في تسلسل مستمر متصل، ولذلك فإن البابا ممثل الله على ظهر الأرض يجب أن تكون له السيادة العليا والسلطان الأعظم على جميع المسيحيين حكاما كانوا أو محكومين) انتهى. (المصدر: قصة الحضارة، ول ديورانت، ج14، ص352).

وفي القرون الوسطى مارست السلطة الدينية ذلك السلطان بالفعل أبشع ممارسة على الحكام والمحكومين، مما نشر الطغيان والفساد في الأرض باسم الله وبالتحايل على نصوص الدين، وعاشت أوروبا في ظلام دامس ما يقرب من ألف عام، وتم ذلك حين قام رجال الدين يفسرون الدين وفق مصالحهم وأطماعهم، كفهمهم لكلام السيد المسيح الذي يقول: (أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله). (انجيل متى 23. 14: 23)، حيث زعموا آنذاك أن قيصر يحكم عالم الناس بما شاء وكيف شاء ومتى شاء، ويبقى الله بعيدا عن شئون الحكم لا يتدخل فيما يفعل قيصر بالناس، وبهذا التفسير الإجرامي لكلام السيد المسيح تم إعطاء قيصر المشروعية الدينية المطلقة في أن يفعل بالجماهير ما يحلو له من تنكيل واضطهاد وفرض ضرائب وقهر واستغلال واستبداد وإقطاع.

المشهد الثاني: سجله التاريخ حين اغتصب معاوية بن أبي سفيان الخلافة الإسلامية وقضى على الشورى وحول سلطة الخلافة إلى ملك وراثي ظلوم غشوم آثر به نفسه وأبنائه من بعده، وحين شعر معاوية بن أبي سفيان بجرم ما فعله من اغتصابه للسلطة قام باستدراج بعض صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام من ضعاف النفوس وأغراهم بالمال والمناصب حتى يشرعنوا له اغتصابه للخلافة ويبرروا للناس استئثاره بالسلطة هو وأبنائه من بعده من دون الناس جميعا، فقاموا يروون الكثير من الأحاديث وينسبونها للرسول عليه الصلاة والسلام، وهي أقوال تجعل من الحاكم ما يشبه الإله الذي لا يًسْئَل عما يفعل، وعلى الناس جميعا أن يسمعوا ويطيعوا حتى ولو نهب الحاكم أموالهم وجلد ظهورهم.

وأقدم للقارئ عينة من هذه الروايات التي نسبوها للرسول على النحو التالي: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك) رواه مسلم رقم: (1836). ومنها: قال الرسول لما سأله رجل :يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا؟ فقال: (اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم) رواه مسلم رقم: (1846). ومنها: قال النبي (ص) في الحديث الذي رواه مسلم: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال حذيفة: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: (تسمع وتطيع وإن ضُرِبَ ظهرك وأُخِذَ مالك, فاسمع وأطع). رواه البخاري برقم: (7084). ومسلم برقم: (1847).

ولا يخفى على أحد مدى تفصيل هذه الأحاديث على معاوية ابن أبي سفيان وبنيه ومن جاؤوا بعدهم من الطغاة والمستبدين. ولا يخفى على أحد أن هذه الأحاديث وعشرات غيرها كيف تشرعن للطغيان وتبرر للطغاة كل ما يرتكبوه من جرائم في حق رعاياهم، وظلت هذه الروايات هي الأعمدة والقواعد التي قام عليها الفكر السلفي وكل المؤسسات الدينية الرسمية التابعة للسلطة في شتى عصور التاريخ الإسلامي وحتى الآن، ولا يخفى على أحد مدى تبني السلطات الحاكمة الآن في كل الدول العربية والإسلامية للسلفية والسلفيين وتقريبهم إليها، ذلك أن الفكر السلفي الذي يروج له الإعلام الديني اليوم هو الفكر الوحيد في تاريخ الفكر الإسلامي كله الذي يملك إضفاء الشرعية الدينية والعصمة الإلهية على أنظمة الحكم الطاغية الفاسدة المستبدة، بدعوى وجوب طاعة ولي الأمر، وحرمة الخروج على ولاة الأمر مهما فعلوا بالجماهير من ظلم وطغيان وسرقة وفساد وتنكيل.

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
موبايل/ 0164355385_ 002
إيميل: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما الحل.....؟؟
آمال صقر مدني ( 2010 / 8 / 26 - 19:07 )
الاستاذ المفكًر و الباحث المحترم : مقال أكثر من رائع و ممتاز ، لقد وضعتم الحقيقة ، ناصعة أمام القارئ ، وتشكر على هذا التوضيح و الاعتراف ...!! لكن سيدي : على ضؤ كتاباتكم و التى أقرأها جميعها ، وهي بحق ممتازة ، أسأل لو سمحتم ..هل تؤيدون فصل الدين عن الدولة ...؟؟ أريد جواباً ، لكن إذا فيه تحفظ في الاجابة ، كونكم تدرسون في الازهر فلا حول ولا.... لا شك أنكم تتمتعون بجرأة أحيًكم عليها ، وأي إنسان بسيط يقراء مقالكم هذا ، يصبح عنده قناعة تامة ، بابعاد رجال الدين عن الدولة و رجال السياسة ، وصدق القبارصة في تعبيرهم و وصفهم ، المرأة سيئة المسلك بأنها ( إمرأة سياسية ) ، لذا يجب عدم إقحام الدين في السياسة ، لما به من خداع أحياناً و كذب أحياناً أخرى ، لكي نحافظ على قدسية الدين و خصوصيته..... وكل التقدير والاحترام لشخصكم مع الشكر الجزيل


2 - لم ينشر التعليق لمخالفته القواعد؟
عماد يوحنا ( 2010 / 8 / 26 - 22:48 )
للاسف انحيازكم واضح والنتيجة اي رد مهما كان مدعوم بالوثاق والحقائق يحذف.
ولايهمكم مصداقيتكم وموضوعيتكم.

الف رحمة على امانتكم ونزاهتكم وعدم انحيازكم


3 - اعطى مالقيصر لقيصر ومالله لله
حكيم العارف ( 2010 / 8 / 27 - 01:38 )
اعتقد ان مثل هذه العباره مايحتاج اليها المصريون للايمان بمبداء ان الدين لابد له ان يبتعد عن السياسه ليكون له احترامه وعلوه الدائم ...

ولكن المصيبه يا استاذ نهرو طنطاوي ان الاسلام هو دين ودوله ولولا السيف لانقرض الاسلام من زمان ....

اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran