الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخية ليلة القدر (1-2)

عبدالحكيم الفيتوري

2010 / 8 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تاريخية ليلة القدر (1-2)

تبدو فكرة الليلة المباركة أو الليلة المقدسة أو ليلة القدر بمختلف تسمياتها فكرة تضرب بجذورها في تربة الديانات السماوية وغيرها، حيث تدور في فلسفة الليلة المباركة؛ أنها ليلة خاصة من السنة، تنزلت فيها رسالة إلهية، أو ولد فيها نبي، وفي هذه الليلة يتم غفران ذنوب المصلين، ويتضاعف أجور عبادتهم في تلك الليلة المقدسة والمباركة.وتتفاوت الاديان في تحديد مواعيدها، وعلامات حضورها، وثواب قيامها، لكن يوجد شبه اتفاق كامل بين الاديان أن ثمة ليلة أو ليالي بمباركة ومقدسة ينبغي على المؤمنين الحرص عليها وتحريها والاكثار من العبادة فيها. كذلك يتفق اتباع الاديان على ضرورة اختلاق الميثولوجيا حول أهمية هذه الليلة وضرورة اعتقاد وجودها وامتدادها عبر التاريخ والجغرافية.
فمثلا تحتفل الصابئة اتباع نبي الله نوح ويحي عليهما السلام، والتي تعد من أقدم الديانات في المنطقة، بليلة القدر حيث تأتي هذه الليلة بعد صلاة الاكاليل والتي تقع بين يومي السادس والسابع من السنة الجديدة، ويقوم المؤمنون بالصلاة والذكر والدعاء في تلك الليلة حتى الصباح، فينال القائم الداعي الذاكر رضى ربه وتستجاب دعوته وتتحقق له مطالبه الدنيوية والأخروية.( انظر: منتديات الشامل، مقال بعنوان الصابئة المندائيون)
وفي ثوب اسطوري يقدم رئيس الطائفة المندائية في البصرة الشيخ رعد كباشي ليلة القدر بأنها ليلة بداية الخليقة فيقول: بهذه المناسبة العظيمة حيث تكون العالم المادي وتعتبر بداية السنة المندائية وهذه المناسبة عادةً تكون في العشرين من تموز ولكل أربعة سنوات وتعد هذه المناسبة ( بدأ الخليقة للعالم) عندما كانت الأرض في حينها الماء الغازية وليست لها حياة وبحكمة الخلق انزله جبرائيل وجعل فيها الحيوان ومن ثم نبينا آدم وحواء . لذلك تبدي اليوم الأول في الشهر المندائي ويكون عندنا كديانة مندائية ليلة القدر وتكون أبواب عالم النور مفتوحة للدعاء وهذه الليلة ايضاً تكون عيد للديانة المندائية ومن يوم 21 من تموز ولغاية 27 منه تبدأ عملية الخلق وعملية التكوين بها واليوم السادس والسابع تتدفق المياه الجارية وتصبح الحياة كاملة ولكن تحتاج إلى البشر ..
وتحت هذا الشكل من الميثولوجيا يزيد رموز كل ديانة مزيد من الفضائل والمميزات لاقناع الاتباع بتلك الخرافات، فمثلا الشيخ كباشي يحث الاتباع على القيام والصيام والذكر في هذه الليلة بالطريقة الوعظية المتبعة في الاديان؛ أيا تكن الطبيعة الحقيقية لتلك الديانة المندرجة في مدى التاريخ، فيقول:...وبعد مرور الكثير من الأزمنة خلق الله آدم وحواء وتكاثرت الذرية، وفي هذه المناسبة نحن نحتفل هذا اليوم وتكون نسبة الطهارة عالية جداً ونعمل على الثواب والنذور ونطلب المغفرة والرحمة وتعبر هذه(36) ساعة عبادة وصيام عن الطعام...
ثم طريقة الاعتماد على الروايات والاسانيد الدينية لتحريك مشاعر الاتباع نحو القيام والصيام فيقول: نص يتحدث في كتب الطائفة يقول:كل من يصتبغ في كنشوز دلي يوم التطهير ويلتزم بـ(36) ساعة سوف يمنح (60) رحمة ، وإذا مايلتزم سوف يمنح(60) عقوبة وسوف مأواه الظلام. (انظر مقال: صابئة البصرة تحتفل بمناسبة بداية السنة المندائية لمحمد جواد الدخيلي)
كذلك الديانة الايزيدية وهي ديانة متكونة من خليط سماوي وأرضي، وتعد الايزيدية من الديانات القديمة التي ظهرت في عهود ما قبل الاسلام، حيث يحتفل الايزيدون سنويا في منتصف شهر شعبان حسب التقويم الهجري، بقدوم ليلة ( بشفبرات) أي ليلة القدر حتى مطلع الفجر. فقد جاء على لسان مسؤول القسم الثقافي في مركز لالش الإيزيدي، شمو قاسم،قوله: إن الإيزيديين يحتفلون سنويا في منتصف شهر شعبان بحسب التقويم الهجري، بقدوم ليلة "بشفبرات" أي ليلة القدر، وهي إحدى المناسبات الاجتماعية المهمة للإيزيديين التي يتجمع فيها الشبان والشابات ويؤدون الأغاني والرقصات والألعاب الشعبية حتى مطلع الفجر، فضلاً عن إحضار أنواع مختلف من الأطعمة. ( انظر: السومرية نيوز مقال الايزيديون يحتفلون بشفبرات حتى مطلع الفجر).
ويعتبر معبد (لالش) المقدس عند الايزيدية عمره يزيد عن ستة آلاف سنة، به الكثير من أسرار الديانة والأثار التي يحتفظون بها، ويعتقدون أنها تعود لبداية الحياة على الأرض. يحوي المعبد الذي يحج إليه الايزيديون، ويقع في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراقي على نبع يؤمنون أن ماءه يعود للطوفان الذي حمل سفينة النبي "نوح"، ونبع آخر يسمونه "زمزم" وصخرة يقولون إنها جزء من القالب الذي صنع فيه "آدم" أبو البشر.( انظر: موقع جبلة.كوم)
ويبدو أن فكرة الليلة المقدسة كانت حاضرة في نصوص العهد القديم والجديد، ففي العهد القديم جاء ذكر الليلة المقدسة في قسم أخبار الأيام الثاني بعد أن ذكر دعوة سليمان قادته إلى الاجتماع في خيمة الاجتماع مسكن الله، يتوجه سلميان وجميع الذين معه إلى مذبح النحاس الذي في خيمة الاجتماع أمام الرب ويقدم عليه ألف محرقة.(وفي تلك الليلة تجلى الله لسليمان وقال له: أطلب ما تريد وأنا أعطيك.......فقال الله لسليمان: بما أنك هذا ما تريد، ولم تطلب غنى وثروة وكرامة ولا موت مبغضيك، ولا عمرا طويلا لك، بل طلبت لك الحكمة والمعرفة لتحكم شعبي الذي ملكتك عليه، فأنا أعطيك الحكمة والمعرفة وسأعطيك غنى وثروة وكرامة لم يكن مثلها للملوك من قبلك ولن يكون مثلها لأحد من بعدك. ( العهد القديم التوراة)
كذلك نجد في العهد الجديد (الانجيل) ثمة ليلة مقدسة أو ليالى مقدسة أكبرها واعظمها عند النصارى هي ليلة عيد ميلاد المسيح، الليلة التي سطع فيها نور الهداية والإيمان على البشرية كما يعتقد اتباع المسيح، بحيث تعتبر ليلة السلام، وليلة المسامحة، وليلة الغفران، وليلة الفرح والسعادة. وتحاط هذه الليلة بترنيمات التقديس التي تسمى بـ(نشيد الملائكة في الليلة المقدسة).وقد أحيطت ليلة ميلاد المسيح عند الاتباع بأساطير وخيالات كما في سائر الاديان، ومن هذه الاساطير اسطورة (بابا نويل) الذي يأتي في ليلة الميلاد بالخير والارزاق والهدايا لاتباع المسيح. وهكذا يستسلم الاتباع بفعل افتتانهم الذاتي بسحر الاساطير إلى فتنة أخرى تثيرها تعزيم الواعظ وأساليب الميثولوجيا في الحكايات، ويتحولون بدورهم إلى مصدقين بالمطلق لحكايات تدعو للشبهة وتثير اسئلة كثيرة صعبة على أصل الديانة جملة.
وهكذا تصور المؤمنون في كل الاديان أن ثمة ليلة مباركة مقدسة، وسبب تقديسها يعود إما إلى خلق آدم، أو ولادة رسول، أو اللقاء بالرب، أو نزول رسالة سماوية، ويتم أحياء هذه الليلة والاحتفال بها كل بطريقته من ناحية الطقوس والعبادات والأوقات، ولكن اللافت للنظر أن النص المؤسس الاسلامي حسم مواعيد وأوقات تلك الليالى بأنها في شهر رمضان، وهذا الحسم بدوره يضع الليالى المقدسة على المستوى الملّي محل اشكال ونظر لكونها جاءت من مصدر واحد، فقد جاء في القرآن أن شهر رمضان هو شهر أنزلت فيه الرسائل الإلهية، فقال تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن. وبينت الاحاديث تواريخ نزول القرآنات (الشيء الذي يقرأ) على الأنبياء بأنها في شهر رمضان، فقد جاء عن واثلة بن الأسقع، أن رسول الله قال أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان. (رواه أحمد، والبيهقي، والطبراني في الكبير، وابن عساكر، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سنده، وحسنه الألباني في سلسلة صحيح وضعيف الجامع الصغير).
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التوارث وتحسين ألأديان
شيرزاد همزاني ( 2010 / 8 / 28 - 00:01 )
تحياتي اخي كاتب المقال .. موضوع جميل وجدير بألأهتمام .. لا شك أن ألأديان تشترك في أصل منبتها من ألأساطير القديمة والملاحظ ان مدى نوعية ألأسطورة تتطور من جيل الى الجيل الذي يليه من ألأديان .فهي تتخذ صورة مادية الى حد كبير في ألأديان القديمة في حين أننا كلما تقدمنا للوقت الحاضر فأننا نرى أن ألأسطورة تتخذ شكلا رمزيا . أعتقد أن سبب ذلك هو تطور المجتمع البشري وعدم قدرة ألأسطورة الدينية على الثبات أمام تطور المجتمع ,العلم وألأسئلة - وهذا جزء مهم - التي تطرح والتي يعجز الدين - رضي الله عنه - عن الرد عليها .. تقبلوا فائق تقديري


2 - هذا خلط للامور
basem adeeb ( 2010 / 8 / 28 - 01:40 )
يوجد فرق كبير وشاسع بين الاحتفال بمناسبة معينة مثل ميلاد السيد المسيح وبين ليلة القدر عند المسلمين ارجوان تقرأ جيدا عن ليلة القدر فهي خرافة لا سند لها لكن ميلاد السيد المسيح فهو معجزة لها دلائل وبراهين فهناك خلط للامور في مقالكم بعيد عن الحقيقة لانك قارنت شئ محسوس وموجود وله دلائل بشئ خرافة لا اصل لها


3 - تحية الى كاتب المقال
عيسى إبراهيم كردستان سوريا ( 2010 / 8 / 28 - 12:45 )
شكرا يا استاذ عبدالحكيم على هذه التوضيحات وان دل هذا الشئ فانه دال على الخيال الواحد والمنبت الواحد لهذه الاديان...
ثانيا للاخ باسم ...كيف تقول الاولى خرافة والاخرى معجزة....المسلم ايضا يقول ليلة القدر معجزة....
فانا براي كلاهما خرافات،ولا يوجد اعجاز ولا اي شئ يدل على الاعجاز في القصتين،سوى الخيال الخصب والخرافة....


4 - الاستاذ شيرزاد همزاني
عبدالحكيم الفيتوري ( 2010 / 8 / 28 - 14:48 )
مداخلتك تكميلية للمقال ، وأنا اتفقك معك فيما قلته، ولك مني تحية تقدير واحترام


5 - basem adeeb الاستاذ
عبدالحكيم الفيتوري ( 2010 / 8 / 28 - 15:00 )
شكرا لمرورك وتعليقك، ولكن مطالعة سريعة لقصة الاحتفال بعيد المسيح بمعزل عن منطق التسليم والكهنوت كفيلة بأن تريك حقيقة خرافة ووثنية عيد الميلاد وقصة بابا نويل وملحقات ذلك. وتحياتي لك


6 - الاستاذ عيسى إبراهيم
عبدالحكيم الفيتوري ( 2010 / 8 / 28 - 15:05 )
الاستاذ الكريم عيسى إبراهيم ، شكرا لمرورك وتعليقك، كما أنني اتفق معك في ردك على الاستاذ باسم، لأن المشكلة التي يعاني منها اتباع الاديان مردها إلى جملة من الخيالات والاساطير التي صنعها رجال الدين عبر التاريخ التدافعي والملي والمذهبي. ولك مني جزيل الشكر والتقدير


7 - لنترك الحديث
عبد الرضا حمد جاسم ( 2010 / 8 / 28 - 19:34 )
تحيه وتقدير وثناء لهذه الأطلاله الضروره ....لنترك الحديث ونقول بما يعتقد أنه أنْزِلْ
ونقول كل التواريخ غير مؤكده باليله أعني بالضبط وهذا ما عليه الجميع قبلوا ام لا فا الكل لايعرفون أي ليله تلك لأنهم ببساطه لم يحفظوا التواريخ بالدقه التي تجعلهم يحددونها بالضبط
وكما أختلف الأقرب نسبياً وأعني الأسلام في ليالي عده ليحسمها في العشر الأواخر من رمضان وانا لا اعرف هل كان اهل مصر او ألقدس يسمون اشهرهم كما سماها المسلمون ليتحدد كل شيء في رمضان
مع الأحترام


8 - الاستاذ عبد الرضا حمد جاسم
عبدالحكيم الفيتوري ( 2010 / 8 / 28 - 23:13 )
سوف يأتي في الجزء الثاني من المقال ما اشرت إليه من اختلافات واسعة في تحديد ليلة القدر بل في اساب نزول سورة القدر إلى درجة تضع عقيدة ليلة القدر في مهب الرياح. تحية لك ودمت بخير

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج