الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن والغرب على طرفي نقيض، بين الحداثة وما بعد الحداثة

عمر أبو رصاع

2010 / 8 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تحت وطأة رعبه من النتائج المدمرة التي قد اكتنفت الحداثة والتقدم المنفلت من عقاله كتاب هيدغر عام 1966 ضمن مقالة نشرتها دير شبيغل (الصحيفة الاملانية) عبارته الشهيرة: " وحده إله جديد يمكن أن ينقذنا..وليس الإنسان"، إن هيدغر بطبيعة الحال لم يعني إلهاً بديلاً، إنما دفعه الخوف من الإنسان على الإنسان، ومن الحداثة وتوحش منتجاتها التي باتت ضرباً من العبث الخطير، فبعد تفكيك الدين وتفكيك الفلسفة لم يبقى إلا.. لا شيء.
كان مشروع التفكيك الفلسفي قد وصل إلى ذروته مع ديكارت ورسو وكانت، لقد كان عصر الأنوار عصراً للتفكيك، عصراً للتحرير المطلق، لقد كانوا كما نحن الآن مرعوبون تماماً من الأصولية الدينية وما أفرزته، ولهذا كان عصر الأنوار عصر اشتغال الفلاسفة بتفكيك وتعرية القرون الوسطى بما أنتجته من تراث كنسي لاهوتي كبل العقلانية وحال دون تقدمها، لتأتي بعد ذلك الفلسفات الوضعية وتصوغ منظوماتها الخاصة للجنس البشري من ديكارت إلى ماركس مروراً بكانط سبينوزا وهيغل وشيلنغ...الخ، لتأتي مرحلة تفكيك الفلسفة نفسها مع نيتشه حيث تم تفكيك الفلسفات الكبرى وبدا أن الوجود كله بات لا شيء غير المادة!
لقد فكك نيتشه الفلسفة نفسها، وحرر الروح المادية المتقدة من أي ضابط قد يكون محركاً أو ناظماً على الأقل لحركتها.
هذا التحرر أو الانفلات العملاق للعقلانية الأوربية من كل قيودها اللامادية، أبدع وأنتج الحداثة بكل ما حملته في طياتها من تقدم مادي مذهل للجنس البشري، تقدم حمل في ثناياه خطيئة جديدة تتمثل بتحويل الجنس البشري نفسه إلى عبادة التقدم اللامتناهي، لقد أصبح التطور والتقدم هدف لذاته، لتبدأ في مرحلة ما بعد الحداثة موجة جديدة من المراجعة الشاملة، التي أطلقها القلق من تلك الظاهرة الجنونية.
هكذا نحن وأوربا نقف على طرفي نقيض فبينما تحاول فلسفة أوربا الحديثة أن تقدم مراجعة نقدية قاسية للحداثة بكل ما تعنيه، تبدو مهمتنا شرقاً مختلفة، ويبدو ذلك الخطاب الفلسفي في نظرنا متناقضاً مع احتياجاتنا، فبينما معركتنا تهدف إلى إنتاج الحداثة ينهمك الغرب بتفكيكها!
لهذا وقف هيدغر متأملاً الحداثة مطلقاً عباراته الشهيرة تلك في لحظة قلق فلسفية "وحده إله جديد يستطيع إنقاذنا وليس الإنسان".
يزيد هذا من أزمة العقلانية العربية، لأن مهمة التفكيك التي هي ملقاة على عاتقها، تتطلب التعويل على الإنسان والعلم المادي والحداثة لإنجاز النقلة التي أحدثتها أوربا في مستويات مناهجها العقلية بمختلف أنواعها، فيما تبدو نذر الحداثة وسلبياتها عائقاً يرسم ملامح شبح الخوف فوق الرؤوس، ويصور لهذه العقلانية درجة بشاعة المشهد الحداثي عندما يتكشف عن الجشع المطلق الذي مارسته ولا زالت تمارسه، وهي تبدو مستعدة لابتلاع أي شيء حتى لا تتوقف عجلتها.
إنها أزمة تضعنا في مقابلة سؤال: كيف ننجز انتصار الحداثة الإنسانية عبر التفكيك، فيما العالم يراجع نتائجه بل أنه بدأ تفكيك التفكيك فعلاً؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟