الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توضيحات أخرى بخصوص ملف دكاترة قطاع التعليم المدرسي

علي أوعسري

2010 / 8 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


أقدمت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، في الآونة الأخيرة، على الإعلان عن أربعمائة منصب لإعادة إدماج أساتذة التعليم الإعدادي والثانوي من حاملي الماستر ودبلوم الدراسات العليا المعمقة في سلم 11. وإذا كان مفهوما من الوهلة الأولى أن الوزارة أقدمت على هذه الخطوة لتضع حدا لترقية حاملي الماستر ودبلوم الدراسات العليا المعمقة عن طريق الإضرابات التي كانت سببا مباشرا في ترقية العديد من أفواج هذه الفئة خلال السنين الأخيرة، إذا كان هذا مفهوما فانه من الطبيعي أن تثير هذه الخطوة ردود أفعال مشروعة خاصة من طرف الأفواج الحالية لهذه الفئة التي قد ترى في هذه الخطوة إجهازا على حق من حقوقها التاريخية في الترقي عن طريق الشهادات الجامعية المحصل عليها.
غير أن ما نلاحظه، باعتبارنا معنيين غير مباشرين بهذه الخطوة، هو عدم اشتراط الوزارة لأية أقدمية، سواء كانت أقدميه الدبلوم أو أقدميه العمل، كشرط ضروري لاجتياز المبارة، وهذا في حد ذاته مكسب للأخوة في هذه الفئة ينبغي الحفاظ عليه بشكل واقعي في ضل الشروط الجديدة التي تمر منها منظومة التربية والتكوين التي تعاني من اكراهات واختلالات كثيرة ومزمنة لا زالت ترهن مستقبل هذه المنظومة وتحد من صيرورتها منظومة طليعية وقاطرة للتنمية المجتمعية في بلادنا.
ليس المقام يسمح هنا باستعراض مكامن الاختلالات والاكراهات تلك، بل ما نود التطرق إليه من خلال هذا المقال هو توضيح بعض من هذه الاختلالات التي ترهن سلوك الوزارة وأيضا النقابات "الأكثر تمثيلية" كلما تعلق الأمر بملف دكاترة التعليم المدرسي الذي يشكل التحدي الأكبر للوزارة وللبرنامج الاستعجالي. غير خاف على أحد أن ملف الدكاترة ظل لردح من الزمن ذلك البعبع الذي يخيف الوزارة التي ما فتئت تختار منطق الهروب الى الأمام في تعاطيها مع هذا الملف المعقد اجتماعيا وحقوقيا وأكاديميا وتربويا وتدبيريا.
غير أن الوزارة للأسف – ومعها النقابات المحاورة في هذا الملف – ظلت عاجزة لحدود الآن، لاعتبارات علمية وتربوية وديمقراطية وسياسية لا مجال للخوض فيها في هذا المقام، عن تناول هذا الملف على قاعدة الاستحقاق والكفاءة وتكافؤ الفرص، وبذلك فان الوزارة ومعها النقابات المحاورة، التي تفتقد لرؤية شمولية وإستراتيجية بخصوص الدكتوراه والبحث العلمي بسبب من طبيعة تكوين تركيبتها البشرية، لم ترق الى مستوى التعامل مع هذا الملف الحساس من خارج تلك الاختلالات المزمنة التي تعيق تطوير منظومة التربية والتكوين وفق إقرار مبدأ الاستحقاق والكفاءة.
لذا ليس غريبا أن تنزلق النقابات المحاورة في هذا الملف الى قبول ذلك الحل التجزيئى المجحف في حق الدكاترة الذين افنوا زهرة شبابهم في التحصيل العلمي والبحث العلمي. فبسبب من غياب القدرة/الأهلية الأكاديمية في صفوف النقابات المحاورة في ملف الدكاترة، وما يترتب عن ذلك من عدم فهم/تفهم الخصوصيات المحيطة بهذا الملف، بسبب من غياب هذه الأهلية، ترى كيف تتعامل هذه النقابات مع ملف الدكاترة كواحد من الملفات المعروضة في "الحوار الاجتماعي" وكأننا بهذا الملف ملف للترقية وليس ملفا يخص مصير البحث العلمي ببلادنا، إن لم نقل أن هذا الملف يعكس أزمة الجامعة المغربية بكل مكوناتها ويضعها موضع مساءلة مجتمعية وتاريخية خاصة في الشق المتعلق بدورها في البحث العلمي.
معنى هذا أن هذه النقابات التعليمية، في رؤيتها الضيقة لهذا الملف، وفي عجزها الأكاديمي والاستراتيجي، عن تفهم العلاقة العضوية بين الدكتوراه والبحث العلمي، صارت تتناول هذا الملف بشكل تبسيطي وسطحي ينم عن فقرها وتخلفها عن التطورات التي لحقت منظومة التربية والتكوين جراء دخول أفواج معتبرة من الدكاترة الى ميدان الممارسة في إطار التعليم المدرسي. في هذه النقطة بالذات كنا قد أكدنا في مقالات سابقة أنه من الضروري أن تنخرط نقابات التعليم العالي، بصفتها النقابات المؤهلة لمناقشة قضايا الدكاترة والبحث العلمي ببلادنا، ولأنها تتحمل المسؤولية الأخلاقية فيما آلت إليه أوضاع الدكاترة سواء كانوا معطلين أو ممارسين في قطاع التعليم المدرسي، ولأن السياق العام الانتقالي الراهن الذي فيه تجري عملية إلحاق بعض مؤسسات قطاع التعليم المدرسي الى الجامعة يسمح موضوعيا بإعادة إدماج الدكاترة في هذه المؤسسات التي ستكون لها الصفة الجامعية مستقبلا.
لا يمكن لفاقد الشيء أن يعطيك إياه!، وهنا نشير صراحة الى النقابات التعليمية العاجزة عن تفهم حيثيات ملف الدكاترة؛ غير أن أي تناول موضوعي للمأزق الذي فيه يوجد ملف الدكاترة في اللحظة الراهنة لا بد وان يشير الى مسؤولية الدكاترة أيضا في مآل ملفهم، وهنا تتحمل الفئة الأولى من الدكاترة – على اعتبار أن الدكاترة فئتان وليس فئة منسجمة كما وضحنا ذلك في مقالنا السابق- الذين كانوا يمارسون التعليم المدرسي قبل حصولهم عن الدكتوراه كامل المسؤولية في ما آلت إليه أوضاع باقي الدكاترة بما فيها الفئة الثانية التي جاءت الى قطاع التعليم المدرسي مكرهة بعد سنين من الاعتصامات.
إن الفئة الأولى من الدكاترة، سواء المنضوية في إطار الهيأة الوطنية التابعة للاتحاد المغربي للشغل، أو في إطار العصبة الوطنية التابعة للاتحاد الوطني للشغل، أو في التنسيقية التي تجمع أطرافا معينة وتقصي أطرافا أخرى، إن هذه الفئة من الدكاترة ظلت عاجزة بسبب من مسارها المهني والنقابي، المختلف عن مسار الفئة الثانية، عن الدفاع عن ملف الدكاترة في إطار الحفاظ عن استقلالية معينة وضرورية عن النقابات التابعة لها، مما فوت عليها فرصة اتخاذ القرارات المستقلة الملائمة والمعبرة عن تطلعات الدكاترة، خاصة وأن مثل تلك القرارات كانت محل إجماع ودعم كافة الدكاترة؛ إنها بذلك انزاحت الى حسابات سياسوية ونقابوية وتنظيمية ليس ملف الدكاترة بقادر عن تحملها.
بمعنى آخر لم تستطع الهيأة والعصبة وأيضا المنسقية وضع ملف الدكاترة في موقعه الطبيعي المستقل عن الحسابات السياسوية والنقابوية للنقابات المحاورة "الأكثر تمثيلية"؛ كان ينبغي، حتى يحل هذا الملف حلا شموليا، نقل المعركة النضالية الى أفق آخر وبدعم من جميع الأطراف النقابية والحزبية والجامعية التي تتحمل المسؤولية التاريخية والسياسية في خلق هذه الوضعية المأساوية التي يعيشها الدكاترة اليوم. أما أن تظل مكونات المنسقية تحت وصاية الأطراف النقابية، فهذا ما أوصل ملف الدكاترة الى هذا الحل المشؤوم الذي يختزل مطلب أستاذ باحث الى نوع من الترقية، هذا دون استحضار التعويض عن الضرر الذي لحق الدكاترة، وخاصة الفئة الثانية التي عانت من الاعتصام طويلا والتي هي اليوم خارج هذا الحل المشؤوم الذي تواطأت فيه الوزارة مع النقابات المحاورة، أو قل للدقة استغلت الوزارة عجز وتخلف النقابات لتمرير مطلب أستاذ باحث في شكل ترقية استثنائية على قاعدة "الأقدمية" وليس على قاعدة المؤهلات العلمية التي ينبغي توفرها في كل أستاذ باحث.
إن إتباع تنظيمات الدكاترة، سواء الهيأة أو العصبة أو المنسقية لشكل تنظيمي كلاسيكي يعطي الأولوية للاكراهات والحسابات الضيقة للمركزيات النقابية على حساب وحدة وعدالة ملف الدكاترة، إن عدم قدرة هذه التنظيمات على نهج نضال مستقل نابع من حاجيات ومتطلبات وآمال الدكاترة، على شاكلة نقابة المفتشين أو فئات أخرى مثل حاملي الشهادات العليا، إن كل هذا جعل الدكاترة في وضع مأزقي لا يمكن تجاوزه إلا بعقد لقاء وطني وإتباع أشكال تنظيمية مرنة في إطار خطة إستراتيجية وإعلامية تتغيى عقد ندوة وطنية-دولية، على اعتبار أن للمخطط الاستعجالي شركاء دوليين، حول رصد الاختلالات التي تعرفها منظومة التربية والتكوين والتي هي بالذات تحول دون إعطاء الكفاءات الوطنية المكانة اللائقة بها. إذا لم يتحقق هذا المسعى النوعي، وإذا ظل ملف الدكاترة حبيس الرؤية الضيقة والكلاسيكية للنقابات التي هي في صالح الوزارة، فان هذا الملف سيظل يراوح مكانه، وهو ما يفتح الطريق نحو اللجوء الى القضاء لرفع الضرر الذي قد يلحق، بشكل خاص، الفئة الثانية من الدكاترة.
نستخلص من كل ما سبق أن الوزارة – ومعها تلك النقابات – ضلت الى حدود الآن عاجزة عن تفهم تعقيدات ملف الدكاترة في كل جوانبه التي ذكرناها أعلاه؛ ذلك أن الوزارة والنقابات ماضية – حسب بلاغ للهيأة - في الإعلان عن مبارة لإدماج حوالي 440من دكاترة القطاع المدرسي في إطار أستاذ باحث بعد إجراء "مقابلات" ليست مشروطة بالكفاءة العلمية والأكاديمية التي ينبغي أن تتوفر في الأستاذ الباحث، ما دامت تلك "المقابلات" مشروطة ب"الاقدمية" التي ستكون – أو ربما كانت- موضع "توافق" الوزارة والنقابات المحاورة في هذا الملف من أجل "إدماج" يراعي التوازنات المطلوبة وفق المحاصصة النقابية.
في ضوء ما تقدم، كيف سيمكن للوزارة والنقابات إقناع الرأي العام، وليس فقط الدكاترة، بصوابية هذا "التوافق" الذي، أولا، لا يأخذ بعين الاعتبار المؤهلات العلمية التي ينبغي توفرها في الأساتذة الباحثين، ثم ثانيا يكيل بمكيالين من حيث أن ذلك التوافق المبني على اعتماد الاقدمية في إدماج الدكاترة، لم يعمل به في ملف فئات أخرى، من قبيل المبارة الأخيرة التي أعلنت عنها الوزارة – ولا شك بتنسيق مع النقابات- لإدماج حاملي الماستر ودبلوم الدراسات العليا المعمقة والتي جاءت لا تشترط الاقدمية كشرط لإجراء المبارة. انه العبث الذي لا شك أنه سيعمق الاختلالات التدبيرية للوزارة الوصية على منظومة التربية والتكوين التي باعتبارها ثاني الأولويات في بلادنا تتطلب تدبيرا ديمقراطيا وليس حلقيا، خاصة وأن مبالغ مالية كبيرة لن يجود بها الزمان مرة ثانية قد رصدت في إطار المخطط الاستعجالي لتطوير منظومة التربية والتكوين، وهو تطوير لن يتحقق من دون إنصاف الكفاءات الوطنية عامة والدكاترة خاصة.
إن سياسة الكيل بمكيالين، سواء من طرف الوزارة أو من طرف النقابات المحاورة، مرفوض جملة وتفصيلا، وستكون له عواقب وخيمة، إن هذه السياسة المتجاوزة تنم عن عدم إدراك عميق بملف الدكاترة الذي يعكس أزمة، أو قل مأزق، منظومة التربية والتكوين ببلادنا. ان هذا الكيل بمكيالين من شأنه إن اعتمد في ملف الدكاترة أن يفتح باب جهنم على كل من سولت له نفسه، ومن أي موقع كان، التوقيع على ما يلزم الدكاترة بأية أقدمية. أما السبيل الوحيد لضمان حل مقبول ومنصف لجميع الدكاترة فهو اتخاذ قرار شجاع من طرف الوزارة لإدماج كل الدكاترة، خاصة وأن هذا الإدماج لن يكلف الوزارة خلق مناصب مالية جديدة في تسوية هذا الملف، وحتى إذا كانت المقابلة ضرورية فينبغي أن تفتح أمام عموم الدكاترة بدون قيد أو شرط إلا إذا كانت هذه الشروط تعني المؤهلات العلمية التي تعكسها البحوث العلمية المنجزة وليس فقط دبلوم الدكتوراه المجرد من أي بحث علمي رصين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عبث والله عبث
محمد يوحنا ابن يعقوب ( 2010 / 8 / 30 - 19:15 )
دولة الفرص و اللامنطق.السماح لفئات دون اخرى لمتابعة الدراسة العليا.اين هو تكافؤ الفرص.توظيف مباشر للموجزين في السلم العاشرو رفض ادماج من استغل الفرصة و تابع دراسته حتى حصل على الاجازة في نفس السلم.اين التحفيز.عبث و الله عبث.النقابات لا تحرك ساكنا.

اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا