الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوبيا المستقبل .. والمنفذ الروحي للضوء في آخر النفق

نضال فاضل كاني

2010 / 8 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كثيرٌ منّا تحدوه الرغبة في استشراف المستقبل والإطلاع عليه مع إنها رغبة قد تكون مقرونة بالوجل وتوجّس الخيفة وبخاصة اذا كنا مؤمنين بما تخبئه الأقدار لنا من نكبات او بلايا ، ولعل هذه الرغبة تكون مشوبة بشهوة الإطلاع على النواحي المشرقة في المستقبل والتي نحلم ان يكون كما نشتهي او كي نستزيد من الخير فيه .
هذه الخواطر اذا ما جالت في صدري ينذرني عقلي بأنها اقتربت كثيرا من الخط الأحمر الذي لا ينبغي مسه او الاقتراب منه والا تعرض الإيمان لخطر الدخول في مرحلة الشبهه وهي أشبه بنقطة الانقلاب الفاصلة بين التحدب والتقعر فلا هي هذا ولا هي ذاك والخطوة التالية تحدد المصير فأن اخترتَ العودة احتضنك أهل الإيمان والا فالطرف الأخر في الانتظار .
الغيب وعلم المستقبليات ، بقدر ما تهفوا إليه نفوسنا تتردد عنه عقولنا وهذه الحالة أثارت فيّ الاستغراب فغمرتني لحظة تأمل يندر ان تمنحني إياها شواغل الحياة ، فرأيت فيها ان الخلط واللبس لم يتركا بابا الا واقفلاه ولا شباكا الا وأغلقاه حتى صار التابو ديدننا فيما نعلم وما ينبغي ان نعلم .. والويل كل الويل لمن يراجع ما سبق ان قرر قبل قرون كرتين لأنه لابد ان يرجع خاسئا وهو حسير .
لا يعلم الغيب الا الله .. قل الروح من امر ربي.. الإيمان تسليم فحسب .. القدر طلسم .. المستقبل بيد الله حصرا .. الوحي بين السماء والأرض انقطع وانتهى واجب الأمين جبريل بنـزول آخر آية الكتاب الخاتم .. الخ
هذه الخطوط الحمراء وأمثالها ، بخزينها المعرفي وبتراكم الشروحات عليها تكلست في ذهنية المجتمع المقلِد حتى استمكنت لنفسها في النفوس مكانة المسلمات ، وولّدت مع تعاقب الأزمان حجبا عقدية ترهب الباحث وتصده عن التفكير بعلم او معرفة لها علاقة بالمستقبليات ، فأن فعل فهو أما سيتنكر للمسلمات التي لا مندوحة عنها او سينتهي به الأمر إلى عالم الأساطير والخرافات او..
لقد رسم ذلك وبمعونة من مؤثرات سياسية خارجية حدودا ضيقة جدا لمساحة التفكر الذي أمر به الدين في عدد كبير من نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، تلك الحدود التي تم حصرها بما يقع عليه النظر من آيات الآفاق ولا تتجاوز ما يلمس من آيات الأنفس ، ليدور فلك المعرفة الإسلامية في إطار عالم الإعجاز القرآني والنبوي وربطهما بما تصل إليه المكتشفات العلمية ، وما يثير الاستغراب هو اننا لم نسمع او نرى مكتشفا إسلاميا انطلق من قاعدة النصوص الدينية ليصل إلى الحقيقية العلمية ، واكتفى جميع المنظرين بإبراز ملامح الإشارات الإلهية لتلك المكتشفات ، والأغرب من ذلك رفع البعض الآخر لشعارات ( اسلمة العلوم ) في محاولة غير معقولة ولا مقبولة لإثبات الترابط بين الدين والحياة ، وهو ما أعطى نتائج عكسية لأنه ليس أكثر من سباحة ضد التيار ..
اذا كانت الرسالة الإسلامية صالحة للتعامل مع الدين والدنيا فذلك لا يعني حصر الفكر الديني في ركن العلوم الفقهية والكلامية وأخواتها فحسب بل هو أوسع من ذلك إذ يفترض به ان تفتح مراكز بحثية علمية متخصصة في شتى مجالات العلوم التي تطرق القرآن الكريم والسنة المطهرة لذكرها والسعي للاستفادة من الإشارات الواردة فيهما لاكتشاف الحقائق العلمية والسعي إلى الاستفادة منها في تطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
كان الصوفية قد حرروا أنفسهم من هذا القيد الفكري وانطلقوا على خط آخر اختاروه لأنفسهم أطلقوا عليه اسم ( الطريق الروحي ) وقد أثمر تحررهم ذاك ثروة أدبيه متميزة ومنفردة في الثقافة الإسلامية لا يمكن تجاهلها لأنها لم تترك فرعا من فروع الأدب الشعري او النثري إلا وشملته بإبداعات يمكن وصف قسم كبير منها انه تجاوز الخطوط الحمراء التي وقف غيرهم على حدودها ، كما أثمر ثروة تربوية كبيرة في مجال سياسة النفوس وتربية الأخلاق وتهذيبها ، وكذلك وضع عدد كبير من قواعد علم النفس وطرق معالجتها ، ولو أنهم حاولوا توظيف هذا التجاوز المعرفي في المجال العلمي لكانت انجازت العالم الإسلامي الآن تقف كثقل رابع أمام ثالوث أوربا وأمريكا واليابان في مجال التقدم التكنولوجي والتقاني والطبي ..الخ .
لهذا نعتقد بأن التغيير ممكن اذا رفع حجاب ( لا ) عن التفكير ، وأطلق العنان للروح في التعبير ( اي تخليص النفوس من علائق الأوهام ) ، فوقتها يمكن القول أننا بدأنا نرى الضوء في آخر النفق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - على الطريق الصحيح
مازن البلداوي ( 2010 / 8 / 31 - 10:24 )
العزيز نضال المحترم
نلتق للمرة الثانية على المحبة والأحترام
كل ماذكرت هو صحيح قلبا وقالبا،والخطوط الحمراء كما تعلم هي من يجعل هذه الأمة تبقى تراوح،وبالتالي فان السطر الأخير من مقالك هو الوحيد القادر لفك شفرة التخلف والجهل القابع على ذهن المساكين
الا ان الأمر يحتاج لمواجهة على ارض الواقع،لأن كما تعلم فأن الكتابات تبقى حبيسة الأوراق ان لم تصل لمسامع الناس كي يعقلوها وينطلقوا منها لأزالة صدأ الــ (لا) المقيتة

شكرا لك وتمنياتي بالتوفيق
تحياتي


2 - حرية التفكير أولاً
رعد الحافظ ( 2010 / 8 / 31 - 11:45 )
دعوة عقلانية واقعية لخروجنا من هذا البؤس الذي وضعنا أنفسنا فيه لقرون طويلة
نعم , رفع أغطية العقل ومانعات التفكير وحذف اللاءات وتقليل التابوهات , هو الحل
لأنّهُ كيف نستطيع أن نفكّر ونبدع وكل الطرق مسدودة في وجهنا ؟
وبالطبع مالم نوفّر حرية التفكير أولاً ونسعى لتحقيقها
فسوف نفشل في الحصول على باقي الحريات التي تعتمد الفعل والتنفيذ
***
بالنسبة لي كل المفاهيم العتيقة يمكن إستبدالها بأخرى حداثية تناسب عصرنا المنفتح هذا
حتى الصلاة / فهي تعني الدعاء ويمكن تفسير آية وأقيموا الصلاة , بالطريقة التالية
قوموا بالدعاء في صدوركم وإطلبوا التوفيق من الله كي ترتقي وتطمئن أرواحكم
ويمكن تعميم ذلك النهج مع معظم النصوص المقدسة للخروج من المأزق التأريخي
تحياتي للكاتب , وكذلك للصديق مازن البلداوي


3 - شكراً جزيلاً
شامل عبد العزيز ( 2010 / 8 / 31 - 12:31 )
تحياتي وتقديري كما قال الأخ مازن .. السطر الأخير من المقالة هو لفك الشفرة .. تشخيص دقيق لواقع امتد طويلاً .. لا يجوز ان يكون هناك خطوط حمراء ولكن وفي نفس الوقت تجاوز هذه الخطوط بطريقة علمية بعيدة عن الاستهجان وإنما نقد الأفكار لا بد ان يكون ضمن الأصول .. نحتاج لتشخيص دقيق لواقعنا ثم الإنطلاق منه بعد توضيح مكمن الخلل والخطر الذي يلف مجتمعاتنا بالكامل
خالص شكري وتقديري


4 - تحية وشكر
نضال فاضل ( 2010 / 9 / 1 - 11:52 )
الأخوة الأعزاء
مازن البلداوي ، رعد الحافظ ، شامل عبد العزيز
اشكركم على المرور على المقال وابداء الرأي مع خالص التمنيات بالتوفيق للجميع ، وان كنت لا انسى ان اعرب عن تحفظي حول موضوع استبدال مفهوم الصلاة بمجرد الدعاء وهو رأي سبق ان تناوله كتاب مثل الصادق النيهوم وعبد المجيد الشرفي وغيرهم مع احترامي لرأيهم جميعا ، مرة اخرى أجدد شكري وتقدير

اخر الافلام

.. طهران تزيد قدراتها على تخصيب اليورانيوم وفرنسا وألمانيا وبري


.. معركة رفح.. تقديرات بأن تنتهي العملية العسكرية خلال أسبوعين|




.. مظاهرة في تل أبيب تطالب بوقف إطلاق النار في غزة


.. حجاج بيت الله الحرام يتوجهون إلى منى لرمي جمرة العقبة في يوم




.. أهالي قطاع غزة يحيون عيد الأضحى وسط قصف الاحتلال المستمر منذ