الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 1

ابراهيم ازروال

2010 / 9 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



الجزء الأول

لعل من خصائص الإصلاحية الإسلامية الميل إلى استشكال الفروع دون الأصول ، والبحث عن المخارج الاحتيالية لتجاوز الاستعصاءات الهيرمينوطيقية والإبستمولوجية .فالذات الإصلاحية مسكونة بهم استنقاذ النواة الصلبة للاعتقاد ، ضدا على مقتضيات ومفاعيل التاريخ وتفاعلات الذوات الحضارية وتشابكات المصائر التاريخية .وفي هذا السياق ، تحمل مسؤولية التشوش النظري للأمة ، واضطراب عالمها الدلالي إلى الاغيار من جهة والى مكر الرتل الخامس وغفلة بعض ممثلي الذات من جهة أخرى .

يفتقر الخطاب الإصلاحي إلى الصرامة الفكرية والى التماسك المنهجي والى التناسق النظري ؛ فإرادة الاعتقاد تغلب إرادة المعرفة في المنظورية الفكرية الإصلاحية ،وتخضعها لمقاصدها الفكرانية البعيدة عن جوهريات الممارسة العلمية في الإنسانيات والاجتماعيات .فهو يتعامل تعاملا انتقائيا مع المنجز النقدي في الاركيولوجيا والتاريخ والهيرمينوطيقا وتاريخ الأديان المقارن ، ويكتفي ، غالبا ، باقتناص الخلاصات والاستنتاجات ، دون وضعها في سياقاتها النظرية والبحثية .كما أنه يقرأ المنظورية الهيرمينوطيقية التقليدية قراءة استنطاقية اتهامية ، دون البحث في ماجريات التفسير والتأويل التراثيين .فمن المحقق أن للهيرمينوطيقا التراثية سياقات تاريخية واجتماعية ، لا بد من مراعاتها في أي تناول نقدي لرؤاها النقدية.فالمفسر والمؤول ، لا يشتغلان على النصوص ، بمعزل عن الإشكاليات الإبستمولوجية والسوسيو- تاريخية للعصر الإسلامي .فبدون استحضار تاريخية الهيرمينوطيقا الإسلامية ، يصعب فهم المناهج والآليات والأطر التفسيرية المعتمدة لدى الأرثوذكسية الإسلامية .
إلا أن البقاء ضمن الحدود التأويلية للهيرمينوطيقا ، لا يكفي لإدراك إشكاليات نص تناصي تفاعلي مثل النص القرآني .فالواقع أن المفكر الإصلاحي ، يبدي جسارة كبرى في مخاصمة النصوص الثواني بدعوى تناص منتجها مع النصوص الكتابية ،و يظهر وداعة غير نقدية في تعامله مع النصوص المؤسسة ، مع أن النظر الموضوعي يقتضي الكشف عن كل التداخلات والاستيحاءات والتناصات الواقعة أو الممكنة بين النص المؤسس والنصوص الكتابية القانونية أو المنحولة .
كما أنه يبدي تجاوبا كبيرا مع نتائج النقد التاريخي للكتاب المقدس ، ومع الانتقادات الداحضة لصحته استنادا إلى أدلة تاريخية أو اركيولوجية. و لا يكشف هذا التجاوب ، عموما ، عن أية رغبة بحثية استكشافية أو عن أي انهمام عقلاني علمي باركيولوجيا المعرفة الكتابية أو بمورفولوجيا المقدس الإبراهيمي عموما .
فمما لا شك فيه ، أن المفكر الإصلاحي ، المنشغل بالنتائج والاستنتاجات دون الماجريات المعرفية أو المسالك النقدية أو السراديب التاريخية ، يتعامل على نحو غير نقدي مع النظريات النقدية المستلهمة ، ومع مأثورات ومرويات التراث المطعون فيها بدعوى تماهيها مع المتخيل الإسرائيلي .
تنهض الأطروحة الإصلاحية على انفصال الروح التوحيدية للإسلام عن المقدس اليهودي والمسيحي ، وعلى الأصالة التاريخية والأخلاقية للتاريخ القرآني بالقياس إلى التواريخ التوراتية والإنجيلية . فالإسلام لا يكتسب تفرده إلا بتصفيته النقدية للشبهات والشوائب التعديدية العالقة بالتواريخ الكتابية ، وبإعادته الروح الحنفية-الإسلامية إلى تلك التواريخ وربطها بالتاريخ القيامي المنتظر .وعليه ، فالانجاز الروحي للإسلام ، إنما يكمن في تنقية الرسالة الإسلامية الأصلية من أوشاب التاريخ الكتابي ومن العثرات التعديدية واللاأخلاقية للتواريخ المضافة إلى الخطاب النبوي المعياري .ليس الإسلام ، والحال هذه ، إلا صقلا لمرآة الحنيفية – الإسلام ، وإظهارا لماهية الحقيقة النبوية ،المطموسة تاريخيا بفعل تلويث اليهودية والمسيحية التعديدي والتشريكي والتحريفي للخطاب الأولي .
إلا أن المفكر الإصلاحي يصطدم بانطباع التراث التفسيري والتأويلي الإسلامي بالسمات الإسرائيلية والنصرانية ،وكأن المفسر لا يكفيه النص القرآني ، فيستعير الدلالات المخفية أو الضمنية من النص التوراتي والإنجيلي أو من النصوص التلمودية لفهم النص المعياري المنفصل عن الفضاء الفكري للنصوص الكتابية أصلا .فالاستعانة بالنصوص التوراتية أو الإنجيلية أو التلمودية ، خيانة للنص القرآني ولجوهر خطابه المستعيد للأصول الإبراهيمية والمؤصل للإيمانية المحمدية الناسخة . وهكذا ، يعود خطاب الغير ، ليستولي على المخيلة الإسلامية وليرخي سدول التعديد والتشريك على النصوص الثواني وعلى النصوص التفسيرية والتأويلية ، فيما يقترب من تراجيديا معرفية بلا حل تقريبا .ولعل مكر التاريخ يلبس هنا ، لبوس مكر المعرفة ، ويحقق أغراضه برونق تضامني، رغم الاختلاف المعلن بين المنحدرين من الدوحة الإبراهيمية الواحدة !
تميزت كتابات نضال عبد القادر الصالح بانكبابها على اللاتماسك الجوهري في المنظورية الإسلامية راهنا .لا يمكن بعد كل المستجدات المعرفية والتاريخية ، الاكتفاء بهناءة الخطاب السلفي ولا بحقائقه الأنثروبولوجية الباذخة .لا مناص إذن من استصلاح الوعي الإسلامي من جديد ، إن شاء الوعي الجمعي ، الانخراط النوعي في حضارة العصر ، وبناء ذلك الانخراط على أسس سيكولوجية وابستمولوجية و تاريخية متماسكة ، معرفيا ومنهجيا ، وملائمة لماهية النصوص المؤسسة . إلا أن العدة المنهجية والجهاز الابستمولوجي المعتمدين ، لا يطابقان المراد الفكراني السياسي .فثمة فجوة ابستيمية وانطولوجية رهيبة بين المنجز والمبتغى ، بين إرادة المعرفة وإرادة الكينونة ،يعجز الفاعل الاجتماعي التحديثي دوما عن تجاوزها وطي صفحتها المؤلمة وجدانيا وذهنيا .
يحاول المفكر الإصلاحي أن يظهر بمظهر المفكر الحديث المنشغل بالمستجدات المعرفية للعصر ، وبالنظر الاستشكالي للموروثات التراثية .فهو يقر بالقلق المعرفي لبعض ظواهر النصوص ، ومخالفة بعض منطوقاتها وحمولاتها الدلالية لنتائج البحث العلمي .والواقع أن المفكر الإصلاحي ، القائل بتأويل الظواهر القلقلة ، معرفيا وعلميا ،وباستشكال التراث التفسيري والتأويلي الإسلامي الكلاسيكي ، إنما يستعيد ضمنيا بعض المقولات الكلامية أو الكلامية – الفلسفية المتداولة لدى بعض المعتزلة والفلاسفة وخصوصا ابن رشد .
( لا يكفي اليوم أن نقول بظاهر النص المقدس ، ويجب أن لا يدفعنا خوفنا على قدسية وصفاء هذا النص إلى القبول قسرا بظاهر النص ، أو بقبول تفسير وشروحات السلف للنص ، فنضعه في إطار متحجر ضيق ونعرضه للتعارض مع المعلومات العلمية المتجددة على الدوام . إن التعارض الظاهر بين النص القرآني وبين الحقائق العلمية العصرية ليس ذنب النص القرآني وإنما ذنب قراءتنا الخاطئة له ، ويجب إعادة قراءته على ضوء عالمنا الفكري المعاصر ، وأدواته الجديدة . )
(-نضال عبد القادر الصالح – داء الفصام بين الديني والوطني – الإسرائيليات في التفسير القرآني على ضوء تاريخية التوراة – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2003- ص161).
يطالب الفكر الإصلاحي هنا ، بتفعيل التأويل ، لدرء كل تعارض قائم في المتاح المعرفي الراهن أو ممكن في المحتمل المعرفي المستقبلي بين منطوق النصوص الشرعية ونتائج المعارف العلمية ؛ فظواهر النصوص ما هي ، على التحقيق ، إلا الحجاب الشفيف الموضوع على بواطن دلالية لا يمكن أن تخالف المرسخات العلمية بأي معنى من المعاني.فالحداثة هي ما يحدد الإطار المعياري للنظر انطلاقا من هذا التصور .
إلا أن الخطاب المفعم بالطمأنينة اللاهوتية ،لم يورد حالات التخالف أو التعارض أو التصادم بين الظاهر القرآني ومستجدات الاركيولوجيا أو التاريخ .فهو يطالب باستعمال التأويل لإظهار الدلالة العميقة للنص المؤسس ، وتبديد كل مخالفة ممكنة بين النص القرآني والمنجز العلمي التاريخي أو الاركيولوجي ، إلا أنه يكتفي بقراءة ظواهر النصوص بمعزل عن أي تأويل ممكن . يترك التأويل مكانه للدلالة النصية الظاهرة ، فيما يمثل الوعد التأويلي ، ورقة للاستعمال ربما برسم المستقبل !
والأغرب في مسلكية المفكر الإصلاحي ، هو تجاهله الكلي لإمكان قراءة تأويلية لنصوص الكتاب المقدس .فكيف يجوز تأويل ظواهر النصوص القرآنية المتشابهة أو الملتبسة من منظور المنجزات العلمية ، ويستحيل تأويل نصوص التوراة والعهد القديم بناء على نفس الآليات التأويلية ؟ وكيف يدعو المفكر الإصلاحي للتأويل ، في غياب هيرمينوطقا عصرية ، متماسكة وخارجة عن الترميق التأويلي المعمول به هنا وهناك لاعتبارات مذهبية أو فكرانية أو سياسية أو مصلحية ذرائعية ؟ وهل يمكن الحديث عن التوراة والعهد القديم ،بمعزل عن المقاربات الأدبية والسيميائية والبلاغية والإيطيقية المنجزة استنادا إلى المادة الأسطورية لأسفار الكتاب المقدس ؟
فقد استفرغت الهيرمينوطيقا الغربية جهدها في التأويل وتلوين المعاني تفاديا للمخالفة والمناقضة والمباعدة بين النص التوراتي وبين المنجز العلمي ؛ وعملا بمعايير ما يمكن أن نسميه بالهيرمينوطيقا الوجودية ، تم تغليب المفاهيم الوجودية على المحتوى الموضوعي للمتصورات .فهل يمكن نقد الكتاب المقدس ، دون استشكال التأويلات التكييفية والترهينات التداولية والتسويغات المعيارية لرودولف بولتمن وبول ريكول ونورثروب فراي وهانز كينغ للفضاء الدلالي والبلاغي التوراتي ؟
يقول بولس نويا عن تجريد الدين عن الأسطورية في الفضاء الثقافي الغربي ما يلي :
( إذا قارنا ، مثلا، التوراة بالتراث الديني السومري –البابلي ، نجد أن إزالة الخرافة تبدأ في الصفحة الأولى من التوراة ، في قصة خلق العالم ، حيث يتجلى فعل اله شخصي يخلق من العدم عالما منفصلا عنه انفصلا جذريا . ويمكن القول أن شهادة التوراة بوحدانية الله تنزع بشكل جذري صبغة الخرافة عن تصورات الالوهة في العالم القديم . كذلك الأمر في العهد الجديد : فهو يزيل الصبغة الخرافية عن عقيدة النشور اليهودية .)
( - بولس نويا – تجريد الدين عن الأسطورية –مواقف – العدد : 15-1971-ص.31-32)
فنقد التوراة والعهد القديم بدون استحضار الهيرمينوطيقا الحديثة ، يفصح عن نزوع فكراني أو ثيولوجي – فكراني إلى نزع الصوابية الفكرية والايطيقية عن الآخر .فالتعامل التأويلي مع ظواهر القرآن والاكتفاء بظواهر نصوص التوراة والعهد القديم ، يكشفان عن لا تماسك جوهري في المنهج وفي الرؤية الفكرية وعن المحدودية الإبستمولوجية للفكر الإصلاحي تعيينا. فقد بلور الفكر الأوروبي ، إلى جانب النقدية الكتابية ، هيرمينوطيقا توراتية ،قائمة على التفسير الوجودي للنصوص ومراعاة الزمان الوجودي للمؤول الهيرمينوطيقي أو الوجودي أو الفينومينولوجي .ومن هنا ،لا يمكن الاكتفاء بنتائج النقدية الكتابية وتجنب القراءت التأويلية الهيرمينوطيقية ،طالما أن هذه الأخيرة ، حاولت تقديم إجابات فلسفية – ثيولوجية لقضايا تاريخية وثيولوجية وفلسفية وايطيقية كبرى ، في خضم الصراع بين الرؤية النفاتية – العدمية والرؤية الجوهرانية الباحثة عن المعنى النهائي .
فالقول بتأويل ظواهر النصوص يقتضي، منهجيا ، عدم حصره في القرآن ، والاستقراء النقدي للتأويلات المسيحية المنجزة في سياق الاحتراب الدلالي بين النقدية الكتابية والفلسفات الإيمانية المستلهمة للتوماوية الجديدة والوجودية الهايدغيرية والفينومينولوجيا الهوسرلية .... الخ .كما يقتضي بناء نظرية في التأويل ، لإظهار الإمكانيات النظرية والمفهومية والإجرائية للتأويل المقدم ، والتدليل على صلاحيتها في سياق التناهب بين التأويل التراثي والتأويل الهجين الجامع راهنا بين مفاهيم تراثية وإجراءات مستلة من الهيرمينوطيقات الغربية كما نجد عند محمد شحرور ونصر حامد أبوزيد وعبد الكريم سوروش مثلا .
وفي غياب تسويغ المطالبة بتأويل ظواهر النصوص والسكوت الكلي عن التراث التأويلي الغربي للتوراة والعهد القديم ، يترك الاستشكال مكانه للمسبقات الثيولوجية والفكرانية .
( إن قراءة النصوص التوراتية تكشف لنا عن حقيقة أن رموز بني إسرائيل والشخصيات الرئيسية في الرواية التوراتية تسلك سلوكا مخالفا لكل الأصول الأخلاقية حتى تلك المتبعة في ذلك الزمان ؛ و أننا إذا تتبعنا سير حياة رموز بني إسرائيل في التوراة ، سنجد تصرفها مخالفا للسلوك الأخلاقي المعترف به . )
(-نضال عبد القادر الصالح – داء الفصام بين الديني والوطني –ص.16)
وليس تحكيم الأخلاق ونقض المتن التوراتي بناء على النقد الأخلاقي بجديد في الكتابة العربية – الإسلامية ؛يقول ابن حزم ما يلي :
( وتالله ما رأيت أمة تقر بالنبوة وتنسب إلى الأنبياء ما ينسبه هؤلاء الأنذال الكفرة ، فتارة ينسبون إلى إبراهيم عليه السلام أنه تزوج أخته فولدت له إسحاق عليهما السلام . ثم ينسبون إلى " يعقوب " أنه تزوج امرأة فدست إليه أخرى ليست امرأته فولدت له أولادا منهم انتسل " موسى " و " هارون " و"داود"و"سليمان " وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام . )
(-ابن حزم – الفصل في الملل والأهواء والنحل – وضع حواشيه : احمد شمس الدين – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – الطبعة الثانية : 1999- الجزء الأول – الصفحة : 173) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان