الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الخامسة ، 62 للهجرة)

الطيب آيت حمودة

2010 / 9 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الغزوة الخامسة هي ردة فعل أموية إذ ( ولي يزيد بن معاوية على بلاد إفريقية والمغرب كله ، عقبة بن نافع الفهري ، وهي ولا يته الثانية على إفريقية )
[1] وحاول عقبة الإنتقام من خصمه أبا المهاجر دينار ، وإن كانت فترة حكمه قصيرة في مدتها(64/62) هجرية ، إلا أنها مليئة بالأحداث الجسام ، وأبانت عن خطأ استراتيجي واضح المعالم ، فما أن حط عقبة رحاله بالقيروان حتى عمد إلى تكبيل أبا المهاجر بالحديد ،وصادر ما معه من أموال ، وحتى صديقه آكسل الأمازيغي المسلم لم يشفع له إسلامه ، وهو الأجدر بالمعاملة الأحسن ، لأنه من المؤلفة قلوبهم ،وملكٌ لقومه ، وخرب تيكيروان ، وأعاد لقيروانه الساكنة والحياة ، ومن هنا يتضح أن عقبة بن نافع كان شاكيا وحريصا على رغبة الرجوع لقيادة الغزو في شمال إفريقيا ، وقدم وهو يحملُ في ذهنه دهماء الإنتقام ، والتعويض عما فاته من التوسع حتى يكون صاحب شارة الإمتياز أكثر من خصمه المهاجر دينار .
قدم عقبة إلى إفريقية والقيروان ومعه جيش عدته خمسة عشر ألفا ، من بينهم 25 رجلا من صحابة الرسول ،،زيادة عن الجيش الذي ورثه عن المهاجر دينار ، ويمكن تتبع نشاط عقبة في غزوه ، بداية من خروجه من القيروان ، ومقتله في تهودة ، وقراءة النتائج المتوخاة عن حملته الطويلة المستوحاة من أقوال المؤرخين الذين درسوا الظاهرة العُقبية فيما سيأتي .

*** غزو وإساءة .... و بلا منتهى ....
اتضح أن عقبة أحس بنقيصة ارتكبها في غزوته الأولى ، وهي ركونُه لبناء القيروان ، دون توسع يذكر ، وتعويضا عن ذلك جاء هذه المرة مشحونا برغبة جامحة لغزو كامل بلاد المغرب ومسحه ، لعل ذلك سيشفع له لدى الخليفة الأموي الدموي يزيد بن معاموية ، لهذا انطلق في غزوه من القيروان ومعه جيش كبير ، شارك فيه الأمازيغ من أوربة البرانس ، وسار باتجاه (باغايا) بعد أن ترك حامية من المسلمين تعدادها ستة آلاف مقاتل ، بقيادة زهير بن قيس البلوي بالقيروان ، مرورا ( بمسيلة ) وصولا إلى تيهرت التي خاض بها معركة قوية ضد الأمازيغ ومن ناصرهم من البزنطيين ،وفي ( بغايا) أساء عقبة لآكسل وأهانه بأن أمره بسلخ الغنم ، فقال له آكسل ، ( أصلح الله الأمير ، هؤلاء فتياني وغلماني يكفونني ، فنهره عقبة قائلا : قم ؟؟ ، فقام كسيلة مغضبا ....) قال أبو المهاجر لعقبة ( أصلح الله ألأمير ، ما هذا الذي صنعت ؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب ،كالأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن ، وأنت تجيء إلى رجل هو خيار قومه في دار عزه ، قريب عهد بالكفر ، فتفسد قلبه )[2] ويبدو أن آكسل(كسيلة) أدرك نوايا عقبة ولاحظ الفرق بين معاملة المهاجر ومعاملة عقبة للأمازيغ ، فأدرك أن الحل هو الإفلات من القيد ، ففر من المعسكر واعتصم بجبال أوراس ، وبدأ في تكوين نواة مقاومة ضد خصمه عقبة .
استمر عقبة زاحفا غربا ، غازيا للقرى والمدن ، يقتل بلا رحمة ،ولم تسلم من سيفه حتى القبائل التي سبق وأن أشهر ت إسلامها ، مثل قبائل أوربة ، فعند بلوغه طنجة ، نصحه ابو المهاجر دينار بعدم التعرض لقبائل أوربة البرنسية المسلمة ،لأنها أسلمت بإسلام كسيلة ، وليس هناك ما يدعوا إلى غزوها ، (فأبى عقبة أن ينتصح) ، ولعل هذا سببا كافيا لكسيلة للخروج عليه وترصده في الطريق، وتوالت الهزائم عل الأمازيغ ،وكثر فيهم القتل على أيدي المسلمين ، ورغبة منه في زيادة التوسع ترك أهل افريقية متحصنين بحصونهم ، وأوغل في الغرب يقتل ويأسر امة بعد أمة ، وطائفة بعد طائفة[3] ،ودلهُ يوليان على مواطن الأمازيغ فيما وراء جبال الأطلس ، فهزمهم هزيمة نكراء ، وطاردهم حتى درعة ، فقاتلهم قتالا عنيفا لم يشهد الأمازيغ مثل عنفه وشدته ، (ولما بلغ الماء بطن فرسه رفع يديه إلى السماء وقال : يارب لولا أن البحر منعني ، لمضيت في البلاد إلى مسلك القرنين مدافعا عن دينك ، مقاتلا من كفر بك )[4]، وأثناء رجوعه عن طريق الصحراء ترصد له آكسل في تهودة ، واقتتلا مبارزة ، وفيها قتل عقبة ومن معه ، ولم يسلم إلا القلة القليلة فداهم صاحب قفصة ، وبعث بهم إلى القيروان . ( فأنقلبت إفريقية نارا ، وعظم البلاء على المسلمين ) [5] ، وبمقتل عقبة في تهودة أنقلبت انتصارات المسلمين إلى هزيمة ، وأصبح القيروان مهددا ، ويذكر المؤرخون أن زهير بن قيس البلوي خليفة عقبة على القيروان أصابه هلع وخوف ، وطلب أحدهم الإنسحاب إلى مصر قائلا ( يا معشر المسلمين ، من أراد منكم القفول إلى مشرقه فليتبعني ، )[6] فاتبعه الناس ، فنزلوا ببرقة ليبيا مرابطون في انتظار ما ستسفر عنه مشاورات الخليفة عبد الملك بن مروان، وتقدم آكسل بجيشه نحو القيروان فسأله أهلهُ الآمان ، فأجابهم إلى ذلك ، (ودخل القيروان في 64 للهجرة ، وجلس في قصر الإمارة أميرا على المسلمين الأمازيغ ، ومن بقي في القيروان من العرب) ، وبذلك خرجت إفريقية من يد العرب بعد جهد غزو دام أربعين عاما ، غير أن الإسلام باق في صفوف الأمازيغ ومنهم آكسل ، فهي معارك قومية أكثر منها معارك دينية.
*** المتتبع لسلسلة المقالات حول الغزو العربي لشمال افريقيا لا شك وأن أمورا ارتسمت في ذهنه ، وأن أفكارا ترسخت في وجدانه ، ولا بأس من قراءة متأنية لوقائع غزوة عقبة بن نافع الفهري الثانية( 64/62 هجرية) ،وتبيان الفروق الجوهرية بين مفهومي الفتح والغزو .
1) الغزو يعني استعمال القوة والسيف في اخضاع الناس والمجتمعات ، ويذكره المعجم الوسيط ب( السير إلى قتال العدو ومحاربته في عقر داره )، هدفه عند بعض المسلمين ، نشر الإسلام وتطهير الأرض من الكفر والكافرين ؟؟ وقد عُرفت الأفعال الجهادية في عهد الرسل بالغزو أو الغزوات ، فكانت غزوة أحد ، وغزوة حنين ، وتبوك....وكلها غزوات أريقت فيها دماء ، باستثناء فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة الذي كان عملا سلميا فهو فتح أكثر منه غزو بحيث كان الشعار ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )، فكلما قال البعض بأنه فتح إسلامي مبين ، قلنا( لا) بل إنه غزو عربي مشين .
2)الفتح هو مصطلح مهذب وعاطفي للإحتلال ،وهو تخفيف من وقع وهول الغزو ، غير أنه غير صادق ، فهو حاضر حيث يتم تبليغ الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويختفي ويتنحى، تاركا مكانه لمصطلح (الغزو) عند الإحتكام للسيف وإراقة الدماء ، والأصل في الفتوح هو تبليغ الدين بالسبل السلمية ، ومن هنا فكل الفعل العربي الإسلامي في شمال افريقيا، منذ الغزوة الأولى هو فعل هجومي ( جهاد الطلب )، أستعملت فيه القوة والقتل والسبي ، فهو غزو أكثر منه فتح ، والقتال ليس وسيلة مثلى لنشر الإسلام ، أو لإخضاع الناس والمجتمعات لسلطان المسلمين ، و يفترض في المسلم مهما كان الحال أن لا يبدأ بالقتال .
3) من هنا يتبين أن غزوة عقبة الثانية أجهضت فعل العرب المسلمين على مدار الأربعين سنة الفائتة ،وأعادته إلى نقطت الصفر، لأنه تبنى جهاد الطلب دون ضوابطه ، فهو غاز أعمته العنصرية، وهو طالبُ حق لكنه أخطأه ، فقد أهدر جهد أبا المهاجر دينار السلمي كلية ، وأظهر وجها سلبيا للإسلام، في التعامل مع المؤلفة قلوبهم ، من قبائل البرانس ، وذاك ما سبب انقلابا في موقف الأمازيغ من مرحبين إلى مقاومين .
4) موت عقبة في تهودة ،وتراجع العرب المسلمين نحو الشرق ( برقة ) خوفا من تنامي خطر الأمازيغ بقيادة آكسل ، لا يعني انهيار الإسلام في تمازغا ، قدر ما يعني انهيار جبروت عروبي باسم الإسلام ،فالإسلام بقي محصنا في قبائل بترية من نفوسة ومصمودة وزناتة ، وقد سبق ( لصولات بن وزمار) المغراوي الأمازيغي منذ عهد الخليفة عثمان أن بحث عن الإسلام في منبعه ،وهي رسالة مفادها أننا في حاجة إلى الإسلام الحقيقي ، ولسنا بحاجة إلى حُراسه .
5) غزوات عقبة بن نافع الفهري في المغرب الأوسط ، وإقليم السوس ، هي غزوات فيها استعراض للقوة دون غاية تذكر، يحاصر مدينة أو قرية منقضا، يقتل ويسبي ويغنم ، ويترك في نفوس الناس ذكرا سيئا عن الإسلام الذي يجهلونه ، وإنما عرفوه من أفعال عقبة ومن معه ، دون ترسيخ قيم ثابتة معلومة في المكان ، ويغادر باتجاه أماكن أخرى لإعادة الإنقضاض عليها ، فلم يكن نشر الإسلام غاية واضحة في ذهنه ، فإن كان يطلب ذلك فقد أخطأ السبيل ، لأن نشر الإسلام يستلزم خطة وأسلوب ، كالتعرف على أهل البلد ، وعرض الإسلام ، والتخيير ، كما فعل أبا المهاجر دينار ، فهو لم يكن من أصحاب السياسات المرسومة المدبرة ، ولا الغايات البعيدة ، قدر ما وهو ولي صالح ، لا تدبير له ، وإنما يمضي في سبيل الله متوكلا عليه ، يدك قلاع المشركين ، ويلتمس الشهادة في سبيل ذلك ، ذاك ما يتضح من خلال خطبه الوعظية البعيدة عن رسم خطط القتال وأبعاده ومراميه ، فهو واعظ ديني أكثر منه قائد حملة للفتح الإسلامي .
6) فلو استكمل عقبة بن نافع خطة أبا المهاجر دينار السلمية مع آكسل( كسيلة)، لكان مقتصدا في الجهد والوقت ، فجسارته في الغزو ، هي التي كانت سببا في خسارة حلف الأمازيغ ، وانقلابهم من حلفاء إلى أعداء ، فاصبح المسلمون في نظر الأمازيغ بفعلته هم طلاب مغنم ودماء ، أي أنهم يحبون الحرب والسبي والتجارة بالبشر ، وكأن رزقهم تحت ظلال رماحهم ، وأنهم أُمروا لقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله .
7) حياة عقبة الجهادية تناولتها الألسن بالزيادة ، وأضافت لها تلوينات وخوارق لا يقبلها إلا السذج ، تلك التلوينات هي التي أثارت الدهشة والإعجاب لتترسخ في العقل الباطن ، وذاك ما فعله وشجعه الأتراك عندنا فيما بعد ، وظهرت القباب والأولياء تباعا ، واستمر الحال في عهد فرنسا ، لأن الفكر فيه تخدير للأمة ، وفيه مصالح تُجنى على حساب المجتمعات المخدرة النائمة .

خلاصة القول أن غزوة عقبة بن نافع الفهري الثانية والأخيرة...، كانت انتكاسة كبرى لجهود المسلمين السابقة ، وإجهاض لجهد أبي المهاجر دينار السلمي في نشر الإسلام ، و إهدارٌ للأربعين سنة من التواصل ، فأعاد عقبة الجُهد إلى نقطة الصفر، بخروج العرب المسلمين من إفريقية باتجاه (برقة)، لفترة زادت عن خمس سنوات ، كان فيها آكسل ( كسيلة ) سيد للموقف في إفريقية دون اضطراب يذكر ، في وقت كانت الخلافة الأموية بدمشق تحشد حشودها استعدادا لاسترجاع ما فقدته ، عبر حملات وغزوات أخرى جديدة متجددة .

الهوامش **********************
[1] ابن عذارى المراكشي ، البيان ...ج1 ص 23.
[2] نفس المصدر السابق ، ج1 ص 29.
[3]نفس المصدر السابق ج1 ، ص 26.
[4] ابن عبد الحكم ، فتوح المغرب ص 72.
[5] المالكي ، رياض النفوس، ص 28.
[6] ابن عبد الحكم ، فتوح المغرب .. ص 70








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فتح ام غزو?
محند ايزا ( 2010 / 9 / 3 - 16:24 )
لو كانت نية العربان حقا نشر الاسلام لارسلوا الى شمال افريقيا عوض جحافل الجند،متفقهيهم في الدين وتركوا للامازيغ حرية الاختيار.انهم كانوا اجلافا متعطشين للدماء وللايامى والسبي والسرقة والسيطرة على ارض الغير مستعملين الدين.الادهى في كل هذا هو ان عروبيو المغرب مازالوا يدرسون لابنائنا في المدارس هذا الغزو الهمجي على انها فتوحات اسلامية عظيمة.يزوّرون التاريخ رغم ان كل اجناس الارض تعرف الحقيقة.لا حدود لبلادتهم