الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتاج الفكرة والنسق الفكري

صاحب الربيعي

2010 / 9 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الأفكار لا تنتج من فراغ وإنما تنهل من الخزين الفكري الممتد من عمق التاريخ البشري فلا يصح القول وجود أفكاراً قديمة وأخرى جديدة إلا ببعدها الزمني فالأفكار القديمة قد تصلح للحاضر فيتلاشى بُعدها الزمني، وقد لا تصمد الأفكار الجديدة أمام عتبة المستقبل. فمن دون أن يمتلك الفرد خزيناً معرفياً لا يمكنه انتاج الأفكار لأنها عملية مزاوجة بين مكونات لجذر فكرة مستمدة من النسق الفكري، ومكون منتج جديد لخلق فكرة جديدة.
لا ترتبط قيمة الفكرة بالفترة الزمنية لانتاجها وإنما بماهيتها وما يمكن أن تقدمه من فائدة للمجتمع لأن غاية العلوم والثقافة الارتقاء بالجنس البشري إلى مراتب أعلى، فالاعتقاد الشخصي الموظف لبناء الفكرة لا يعدّ جهداً ذاتياً بحتاً وإنما جهداً مضافاً إلى جهود بُذلت عبر التاريخ لانتاج الأفكار الجديدة.
إن الفكرة المنتجة لا يمكن عدّها كائناً منفصلاً عن الكائنات الفكرية الأخرى وإلا فإنها تولد ميتة، فهي تستمد حياتها من صلاتها بأقرانها في المحيط لتكون جزءاً من النسق الفكري للإنسانية.
يقول (( جوزيا رويس )) : " إن فكرتي هي نتاج مخاض طويل من التفكير والاعتقاد الشخصي الذي استمد المعرفة من النسق الفكري للبشرية ".
لا يوجد فكر مستقل تماماً وغير منحاز، فالانحياز ليس تحزباً وإنما انتصاراً لرأي على حساب رأي آخر بعدّه مساهمة شخصية منتجة لحساب النسق الفكري العام وجزءاً منه. كما أن الفكرة المنتجة ليست كتلة صلبة لرأي محدد، وإنما مكونات فكرية تشكل بمجموعها ماهية الفكرة المنتجة وصلاتها مع أقرانها في المحيط. وفي المحصلة فإن مجموع الصلات تعدّ رابطاً وهمياً بينها وبين المحيط الذي لا يستهلك الأفكار وحسب، بل يظهر آراؤه المتباينة. وحينها أما يجري تجديدها وتطويرها، وإما أن تخلق مكونات جديدة تصلح لانتاج فكرة جديدة. وهكذا فإنها تعدّ سلسلة فكرية إنسانية غير منتهية الحلقات تضاف إليها حلقات جديدة في الحاضر ليستمر التطور والتحديث للارتقاء بالعنصر البشري لمراتب أعلى.
يعتقد (( جوزيا رويس )) " أن تاريخ الفكر بمثابة مدرسة فكرية إنسانية يتعلم الفرد منها صناعة عملياته الفكرية بنموذج إنساني وتزداد قدرته على تقييم العمل الإبداعي ".
هذا لا يعني أن كل الأفكار هي أفكاراً إنسانية تصب في خدمة الإنسان، فمنها أفكار شريرة تستمد من نفس النسق الفكري مستلزماتها المعرفية لتحطيم الإنسان لأن العالم قائم أساساً على ثنائية الخير والشر.
لذلك يجب التمييز بين الأفكار الخيرة والشريرة على الرغم من أنهما يستمدان مكوناتهما من النسق الفكري الضارب جذوره في عمق التاريخ البشري، فليس كل البشر ملائكة ولا كلهم شياطين. والحياة ذاتها لا تتبع نموذجاً واحداً في مسيرتها لاحتواءها نماذج متباينة من البشر لكل منهم حجم محدد من الرواسب الكامنة في الخير والشر. ومن ثم فإن حراكهم الفكري ينتج أفكاراً متباينة قد تكون خيرة على نحو محض أو شريرة على نحو كامل، لكن في الوقت ذاته قد تستخدم الفكرة الخيرة في عمل شرير وقد تستثمر الفكرة الشريرة في عمل خير.
يعتقد (( نيتشه )) " أن الفكر عرف قديماً بصورة إله، وفي زمن لاحق عرف بصورة إنسان، وفي الحاضر عرف بصورة وحش ".
ليس سهلاً تغيير الوقائع في المجتمع لأنها من خاصته وثوابته، والمساس بها يعدّ مساساً بقيمه وأعراف، وتتطلب عملية التغيير زمناً طويلاً لضمان عدم حدوث اضطرابات اجتماعية. وفي المقابل المجتمع يسجن الأفكار الحرة وراء القضبان ويفرض قيوداً لا حصر لها على تطبيقها أو تجديدها لذلك فإنها ليست حرة تماماً، فاللسلطة قيودها وللمجتمع تابوات لا حصر لها.
يقول (( جوزيا رويس )) : " إن لعالم الواقع قيوده السيئة، ولعالم الأفكار موانعه وسلاسله وقلاعه الحصينة التي يصعب اجتيازها ".
إن النسق الفكري للبشرية يحمل في داخله الشيء ونقيضه بعدّه خزاناً كبيراً للنتاجات الفكرية عبر مراحلها التاريخية لكنه يفتقد لمرشحات الفصل بين الأفكار الخيرة والأفكار الشريرة، فالمنتج الفكري أي كان سمته يودع في خزائن التاريخ المعرفي للبشرية ليكون نسقاً فكرياً يمتد من عمق الحضارة الإنسانية إلى حاضرها بعدّه تاريخاً وهوية حضارية للإنسان.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با