الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرقص قرب شجرة آدم - ج1

نضال فاضل كاني

2010 / 9 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اقتباس :
« إن الدراسة المتعددة الجوانب للظواهر تؤدي إلى اكتشاف قوانين جديدة ».
عالم الكيمياء الروسي ايفان
نظرية التطور لدارون ، هذه النظرية كنت اسمع أنها مثيرة للجدل ، وإنها نظرية مرفوضة دينيا وأخلاقيا بل وإنسانيا .. فما هي ؟ ولماذا يكفرها البعض ؟ وهل يجوز تسمية أولئك الذين يكفرون بالصندوقيين بامتياز ؟
فلنذكر شرحا مبسطا لها قرأته عنها في أحد مواقع الانترنت : مجمل النظرية تقوم على أن المخلوقات جميعها كانت بدايتها من خلية واحدة .
وأن هذه الخلية تكونت من الحساء العضوي نتيجة لتجمع مجموعة من جزيئات البروتين وبينها بقية العناصر الأخرى حيث أدت عوامل بيئية ومناخية (حرارة ، أمطار ، رعد ، صواعق ) إلى تجميع هذه الجزيئات في خلية واحدة هي الأميبا.
وأن جزيء البروتين تكون نتيجة لتجمع مجموعة من الأحماض الأمينية وترابطها بروابط أمينية وكبريتية وهيدروجينية مختلفة كذلك نتيجة لعوامل بيئية ومناخية مختلفة .
وأن الأحماض الأمينية تكونت بدورها نتيجة لاتحاد عناصر الكربون والنتروجين والهيدروجين والأكسجين .
وأن الخلية الأولى أخذت تنقسم وتتطور إلى مخلوقات ذات خليتين ثم إلى متعددة الخلايا وهكذا حتى ظهرت الحشرات والحيوانات والطيور والزواحف والثدييات ومن ضمنها الإنسان ، كما أن جزءًا آخر من الخلية انقسم وتطور إلى أنواع من الخمائر، والطحالب ، والأعشاب ، والنباتات الزهرية واللازهرية .
وأن الحيوانات في قمة تطورها أدت إلى ظهور الثدييات والتي مثلت القرود قمة سلسلة الحيوانات غير الناطقة.
وأن الإنسان هو نوع من الثدييات تطور ونشأ من القرود.
وأنه نتيجة لما يتميز به الإنسان المعاصر من عقل وتفكير، ومنطق وترجيح فإنه كانت هناك مرحلة بين القرود والإنسان سميت بالحلقة المفقودة.
وأن التطور في الإنسان أخذ منحى آخر وهو في العقل والذكاء والمنطق ولا يعتمد كثيرًا على الشكل والأعضاء.
وأن التطور البشري مستمر منذ وجود الإنسان الأول وأن هذا التطور صاحبه هجرات الأنواع البشرية المتطورة عن أسلافها إلى مناطق أخرى جديدة لتتكيف مع الأوضاع الجديدة.
وأن السلسلة البشرية تظهر تطورًا عقليٌّا وذهنيٌّا واستيعابيٌّا يزداد كلما ارتقى في سلم التطور البشري.
وأنه نتيجة لهذا التسلسل في التطور البشري فإن الأجناس في أسفل السلسلة أقرب للطباع الحيوانية من حيث الاعتماد على الوسائل البدائية والقوة البدنية والجسدية من الأجناس التي في أعلى السلسلة والتي تتميز بالاعتماد على استخدام العقل والمنطق وبالتالي فهي أكثر ذكاءً وإبداعًا وتخطيطًا وتنظيمًا ومدنية من الأجناس السفلي في السلسلة .
وأن معظم البشر الذين يقطنون العالم والذين هم من أصل القرود يتسلسلون بحسب قربهم لأصلهم الحيواني حيث إنهم يتدرجون في ست عشرة مرتبة ، يأتي الزنوج ، ثم الهنود ، ثم الماويون ثم العرب في أسفل السلسلة، والآريون في المرتبة العاشرة ، بينما يمثل الأوربيون ( البيض ) أعلى المراتب ( الخامسة عشرة والسادسة عشرة ) .
وأنه بعد المرتبة السادسة عشرة هناك مرحلة أكبر وأعلى قفزت في التطور البشري بدرجة عالية وتميزت بتفوقها وإبداعاتها في كل ما يتعلق بشؤون البشر من تخطيط وترتيب وتنظيم ومدنية وتحضر وتصنيع وتجارة واقتصاد وسياسة وتسليح وعسكرية ، وثقافية وفنية واجتماعية وتعرف هذه المجموعة ( بالجنس الخارق ) .
وأن الأجناس في أعلى السلسلة البشرية لها القدرة والتمكن من السيطرة والتوجيه والتسخير للأجناس التي هي دونها ، وكلما كان الفارق في السلسلة كبيرًا كلما كانت عملية السيطرة والتوجيه أسهل ، فمثلاً يستطيع الأوروبيون استعباد والسيطرة على الزنوج أكثر من سيطرتهم على الأوروبيين ، وهكذا فبعض الشعوب والأجناس عندها قابلية أن تكون مستعبدة ومسيطرٌ عليها بينما بعضها لديها القدرة على الاستعباد والسيطرة .
ومما تذكر بعض المصادر العلمية انه وبفضل كل من العلماء ( مندل وواطسون و كريك ) أمكن دعم النظرية التي قامت على الملاحظات العامة ، وذلك من خلال الحمض النووي الذي اثبت بحسب قولهم بأنه لم يمكن من التعرف على حدوث التطور فحسب ، وإنما أيضا على كيفية تشكيله وتغييره لمظهره . فعندما يجري تنشيط جينة وراثية ينتج عن ذلك بروتين معين في الخلية ، على سبيل المثال إذا تم تنشيط الجينة الخاصة ببروتين ( بي أم بي 4 ) يصبح منقار الطائر قصيرا وعريضا ، وعلى العكس ، إذا تم تنشيط جينة كالمادولين يصبح المنقار طويلا ورفيعا.
علاوة على هذا فإن الباحثين يعلمون اليوم أن الارتقاء لا ينشأ من خلال تغير الجينات ، وإنما من خلال ظهروها واختفائها ، وهذا التصور عن التغير الجيني يبين أيضا أنه لا توجد جينات بشرية خاصة . فنحن لدينا قرابة 21 ألف جينة ، بنفس العدد الموجود لدى الفأر، لهذا ليس هناك حاجة إلى جينات جديدة لتنشأ أنواع جديدة، إنما يجب فقط أن تمزج الجينات بشكل مختلف في كل مرة .
من هنا ظهرت نظرية ( السلف المشترك العام universal common descent ) وهذه النظرية تفترض أن جميع الأحياء الموجودة على سطح الأرض تنحدر من سلف مشترك وحيد عام أو لنقل حوض جيني أصلي وحيد .
في أيام داروين كانت الإثباتات على التشارك بالسمات يستند فقط إلى الملاحظات المرئية للتشابهات الشكلية ، مثل حقيقة أن جميع الطيور حتى التي لا تطير تملك أجنحة ، أما اليوم فهناك إثباتات أقوى تقوم على أساس علم الوراثة تؤكد وجود السلف المشترك . مثلا ، كل خلية حية تستخدم نفس الحمض النووي كمادة وراثية (DNA وRNA )، وتستخدم نفس الأحماض الأمينية كوحدات بناء للبروتينات.
إضافة لذلك فإن جميع الأحياء تستخدم نفس الشفرة الوراثية ( باختلافات ضئيلة ونادرة ) لترجمة الأحماض النووية إلى تسلسل الأحماض الأمينية الذي تشكل البروتينات في النهاية. هذه التماثل العام لهذه السمات المشتركة في خلايا جميع الكائنات الحية يطرح بقوة فرضية السلف الواحد للأحياء بحسب القائلين بها .
أنا حين أقرئ مثل هذه النصوص ذات المراجع العلمية ينتابني شعور بقبولها لأنها تبدوا معقولة ومنطقية إلى حدّ ما ، ولكن ما يجعلني أتردد في قبولها بشكل قطعي هو اللغط الذي يثار هنا أو هناك بين الحين والآخر حولها ، وما يعلق في ذهني ولا أشك أنه يعلق في ذهن الكثير من الناس ، أن سبب رفض هذه النظرية هو قولها بأن الإنسان تطور عن القرد الشمبانزي .
فإذا توقفت لبرهة مع سبب إنكارها لكونها تقول بأن القرد هو أصل الإنسان ، وبالطبع فهذا يتعارض مع الفهم الديني القائم على أساس خلق الإنسان من طين وأنه مكرم لقوله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ) فإن ذلك يثير استغرابي بشدة وذلك لأن أصل النظرية لا يقول نهائيا بأن القرد تطور فصار إنسانا ، بل تقول بأن هناك حلقة مفقودة بين القرد وهو أرقى كائن في عالم الحيوانات الثدية وبين الإنسان ، ولا يعلم لا دارون ولا سواه ما الذي حصل في هذه الحلقة المفقودة .
وإذا كان الأمر كذلك ، أفلا يعد إنكارها تحاملا غير مبرر أو على الأقل تحاملا قصير النظر ؟
صدق أينشتاين إذ قال : « أعنف معارضة تواجه الأفكار العظيمة هي تلك التي تصدر عن أصحاب العقول الضحلة والمتوسطة ».
بالنسبة لي أنني أميل للاكتشافات العلمية التي تناولتها وكالات الأنباء مؤخرا عن دراسة علماء كاليفورنيا بخصوص نظرية التطور ، ففيها شيء مميز يجعلها تتساوق مع ما سبق أن أشرنا له من تقارب في آراء الفلاسفة والصوفية والعلماء .. فمثلا وكالة ( الأشوسيتد برس ) قالت الآتي:
أعلن ( تيم وايت ) مدير مركز أبحاث تطور الإنسان بجامعة كاليفورنيا ببيركلي بالولايات المتحدة بأنه : بدلا من القول بأن الإنسان قد تطور من كائن شبيه بالقرد الشمبانزي ، الإكتشاف الجديد يدل على أن قرود الشمبانزي والإنسان قد تطورت منذ زمن بعيد جدا من نفس الأصل . أي أن كلا من الإنسان والشمبانزي ، قد تطور بمفرده بعد ذلك .
العظام المتحجرة المكتشفة منذ عام 1994م للمخلوقة الأنثى التي تسمى ( آردي )، تبين أنها ليست جدتنا ، بل هي أقرب شيء لجدتنا أمكننا الوصول إليه حتى الآن .
وهذا يعني أن فروع شجرة التطور التي تؤدي إلى الإنسان الحديث والقرود ، تقود إلى أصل واحد كان يعيش منذ 6 أو 7 مليون سنة .
ولقد بين ( تيم وايت ) أن ( تشارلس دارون ) الذي مهدت أبحاثه العلمية في القرن التاسع عشر إلى علم التطور ، كان حذرا بخصوص أصل الإنسان وأصل القرد ، فقد قال : « إننا يجب أن نكون حذرين . الطريقة الوحيدة لمعرفة الأصل الذي يجمعنا نحن وقرود الشمبانزي ، هي أن نواصل البحث عن هذا الأصل المشترك »، وهذا الأصل الذي لم يكتشفه سماه ( الحلقة المفقودة ) ، وقد تبين من خلال تفحص المخلوقة المكتشفة ( آردي ) أن هيكلها العظمي فيه قطع عظمية لا هي تشبه قطع الشمبانزي ولا تشبه الإنسان .
بلغة صريحة : هل نظرية التطور والمكتشفات العلمية الحديثة تقول بأن الإنسان أصله قرد ؟
الإجابة كما يقول ( محمد زكريا توفيق ) في مقاله ( قناة الجزيرة تكذب - العلم يثبت كل يوم صحة نظرية دارون ) : هي لا ، نحن لم نأت من قرود الشمبانزى أو الغوريلا . إنما نحن والشمبانزى والغوريلا قد أتينا من أصل واحد . قرود الشمبانزى ليست آباءنا , ولكن في نفس الوقت القرابة بيننا وبين الشمبانزى مذهلة .
فعلم التشريح يقول : لا فرق .
ومراحل تكوين الجنين تقول : الفرق ضئيل جدا.
والجينات تقول : تقريبا لا فرق .
ودرجة مقاومتنا للأمراض واحدة .
وأسلوبنا في تعدد الزوجات والسلوك الاجتماعي واحد .
وشراهتنا في حب السلطة وتكوين الثروة وتزوير الانتخابات واحدة ! .
هذا كلام معروف منذ سنين أن قرود الشمبانزي ليست هي جدودنا . وكان العلماء يعتقدون أن ( آردي ) قد تكون هي الجد المشترك الذي نبحث عنه أو ( الحلقة المفقودة ) . لكن أثبتت الدراسة المتأنية التي قام بها فريق علماء جامعة كاليفورنيا وجامعت كينت ، أن ( آردي ) ليست هي جدنا المشترك ، نحن وقرود الشمبانزي ، لكن هي قريبة جدا من الجد المشترك .
إن هذه النتيجة يمكن أن تكون مقدمة لحلحلة عدد من الإشكالات التي دوخت الفكر الإنساني لقرون طويلة من عمر البشرية ، فهي :
أولا : تعطي انطباعا يؤيد المقاربات الصوفية والفلسفية والعلمية القائلة بأن كل ما نراه من كثرة خلقية ، ظهر من شيء ما ، صفته الوحدة .
ثانيا : تؤيد النظريات العلمية ولا تتناقض مع المعتقدات الدينية .
على أني واستكمالا للموضوع من كل جوانبه سأذكر هنا نظرية أثارت فيّ الإعجاب والاستغراب في ذات الوقت ، فقد تنبئ واضع هذه النظرية وهو الدكتور ( محمد شحرور ) بأنه قد وصل فعلا لما يسمى بـ ( الحلقة المفقودة ) .
[ يتبع في الجزء الثاني ]
ـــــــــــــــ
• من كتابي ( التفكير خارج الصندوق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ياللصناديق
مازن فيصل البلداوي ( 2010 / 9 / 5 - 08:08 )
العزيز الوردة نضال المحترم
رائع وجميل تلكم الحقائق التي يعمل عليها الآخرون و(ربعنا) عليهم ان ينكروها فقط،هذا واجبهم،لا بل أستطاعتهم الوحيدة لأنهم داخل الصندوق! لاأدري لم لايفكر ان يخرج خارج الصندوق عسى ان يستطيع دحض هذا الكلام، فلو تمكن احد ما(افتراضا) ان يتكلم مع الجنين داخل رحم أمه قائلا بأنه سيخرج بعد فترة الى عالم جديد فيه شيء أسمه النور وفيه أشياء كثيرة مختلفة عمّا يحيط به، فهل تراه سيصدق ذلك؟؟

تحية واحترام

اخر الافلام

.. بعد أكثر من 8 أشهر من الحرب.. حماس تقر بتراجع شعبيتها| #غرفة


.. جحيم الفاشر ينتقل إلى محلية الطويلة ويتسبب في نزوح آلاف السو




.. الحرب الإسرائيلية تحرم سكان قطاع غزة من إحياء سنة ذبح الأضاح


.. نتنياهو: إسرائيل دفعت ثمنا يفطر القلب بفقدان ثمانية جنود في




.. أطفال غزة يقودون عربات خيول وحمير لإعالة أسرهم