الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السادسة ، 69 للهجرة)

الطيب آيت حمودة

2010 / 9 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


اضطرب الحال في المشرق ، وانشغل بنو أمية في إخماد ثورة عبد الله بن الزبير في الحجاز، والتجأ عبد الملك بن مروان تكليف سيفه البتار.. ( الحجاج بن يوسف الثقفي) لإخماد ثورته ، فحاصر مكة وضربها بالمنجنيق ، وحز رأس عبد الله بن الزبير قرب أستار الكعبة ، وأرسله سريعا للخليفة بدمشق، يبشره بالإنتصار ، ليضاف رأسه إلى رؤوس المناوئين للدولة داخل خزانة خاصة داخل القصر تعرف (بخزانة الرؤوس) ، وبهذا النجاح تفرغ الخليفة للجبهة الغربية ، التي مني فيها جيش العرب بضربة قاصمة أعادته إلى الصفر ،وأخرجته من إفريقيا مدحورا ، بتراجع جندالعرب المسلمين مفزعوين أمام تقدم آكسل بجيشه نحو القيروان، فغادروها مكرهين باتجاه (برقة ) ، في انتظار المدد الذي لم يصلهم إلا بعد خمس سنين ، وبعد استتباب الأمر للخليفة عبد الملك المرواني .
**من هو زهير بن قيس البلوي :
يتسب الى ( بلى) وهي قبيلة قضاعة أبو شداد ، فيقال زهير بن قيس البلوي ، صحابي ، شارك في فتح مصر أيام عمرو بن العاص ، وكان ملازما لعقبة بن نافع ، الذي استخلفه على القيروان في حملته الثانية على إفريقية ، انسحب من القيروان بعد مقتل عقبة في تاهودة ، وأقام ببرقة ليبيا في انتظار أوامر الخلافة الأموية مدة خمس سنوات ،عينه الخليفة على إمارة إفريقية لغزوها والإنتقام من آكسل قائلا ( لا يصلح للطلب بثأر عقبة بن نافع من المشركين إلا من هو مثله ، وأعرف الناس بسيرته ، وأولاهم بطلب ثأره )[1] خاض معركة ناجحة ضد ( آكسل ) ، وتراجع إلى الشرق لأسباب مجهولة ، واصطدم أثناء تراجعه قاصدا مصر مع البزنطيين قرب برقة ، فقتل ودفن هناك مع كثير من أصحابه .
**الغزوة السادسة ... أو غزوة الإنتقام.
*لم أكن أتوقع بأن العرب المسلمين يبلغ بهم التهور إلى معالجة الخطأ بالخطأ ، أي أن يكون الإنتقام من ( آكسل ) الأمازيغي المسلم بتجهيزجيش ضخم من الأمازيغ المسلمين يقدر بألفي مقاتل [2] ومعهم العرب الوافدين والمقيمين في برقة ، وأمده الخليفةُ ُ زهيرًا بالخيل والرجال والأموال ، وحشد إليه وجوه العرب ، فوفدت القوات عليه تباعا ، وكان الإستعداد عظيما ، وانطلقت الحملة لغزو جديد متجدد مرورا بنفس المسلك الذي سبق وأن مرت عليه الغزوات السابقة ، قرب السواحل ، وتخلف وراء زهير في برقة ، عدد من العرب ( أصحاب الذراري والأثقال ) ، تخلفوا هناك ليروا مايكون من أمر زهير مع آكسل (كسيلة) ، فإن انتصر مضوا إلى إفريقية ، وإلا فهم على مقرب من مصر ، سهل عليهم إدراكها في حالة الهزيمة ، أفضى زهير إلى القيروان وعسكر بجواره دون أن يدخُله ، وقد يكون ذلك خوفا من كمين مرتقب ، ويبدوا أن البزنطيين المرابطين في بعض الثغور البحرية الشمالية كانوا ينتظرون ما ستسفر عليه المواجهة بين آكسل وزهير ، فمهما كانت نتيجتها فهي تخدمهم ، لأنها سبيل للتخلص من الإثنين .
* لما علم آكسل بتقدم الجيش العربي والإسلامي نحوه لقتاله ، شاور قيادته قائلا :( قد رأيت أن أرحل إلى ( ممش) فأنزلها ، فإن بالقيروان خلقا كثيرا من المسلمين ، ولهم علينا عهد فلا نغدر بهم ،ونخاف إن قاتلنا زهيرا أن سيثبت هؤلاء من ورائنا ،فإذا نزلنا ( ممش)أمناهم وقاتلنا زهيرا ، فإن ظفرنا بهم تبعناهم إلى طرابلس وقطعنا أثرهم من إفريقية ، وإن ظفروا بنا تعلقنا بالجبال ونجونا ، فأجابوه لذلك ، ورحل إلى ممش) [3] ويتضح من قول آكسل أنه في حالة دفاع شرعي وهو مسلم ، مصداقا لقوله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [4]، فهي حرابة أكثر منها جهاد في سبيل الله ، والتحم الجيشان في ممش المذكورة ( قرب قصر عبيدة ) ، واشتد القتال ، وكثر القتل في الجانبين ، وانجلت الحرب عن قتل كسيلة ( آكسل ) وجماعة من أصحابه ، وانهزم من بقي منهم ، فتبعهم الجبش العربي الإسلامي ، فقتلوا من أدركوه ، فذهب رجال البربر ( الأمازيغ) وأشرافهم وملوكهم في هذه الوقعة ، وعاد زهير إلى القيروان [5] ، وهذه المعركة خاضها الأمازيغ دون الروم ، ويذكر المالكي بأن ( العرب تمادت في طلبهم حتى سقوا خيلهم من ملويه) [6] ، أي أن هناك مطاردة لفلول الأمازيغ الفارين حتى حدود نهر ملوية ، وهذا الإنهزام كان شديد الأثر على الأمازيغ ،( ففي هذه الوقعة ( المعركة ) ذُل البربر ( الأمازيغ) وفنيت فرسانهم ورجالهم ، وخفت شوكتهم ) [7] وأصيبت العامة برعب كبير فلجأوا للإحتماء بالحصون والقلاع ، وهو ما يطابق ما تأثر له العرب بعد مقتل عقبة ومن معه في تهودة ، وفي كلتا الموقعتين سقط رجال أشراف ما كان ليسقطوا لو كان تغليب الحكمة وتطبيق أوامر الرحمن ، في حسن التعامل مع أهالي الأوطان التي تم غزوها .
* الحقائق المستقاة من أقوال المؤرخين تشير أن غزوة زهير بن قيس البلوي سنة 69 للهجرة ، هي غزوة من أجل رد الإعتبار للعرب، وهي موجهة بقصد الإنتقام من قتلة عقبة بن نافع ، فغاياتها دنيوية ، وصراع سلطوي سياسي ، بعيد كل البعد عن الدين ، وقد يكون من ورائها أهداف تأتي عرضا كاسترجاع النفوذ على القيروان ، واسترجاع مواقع كانت تحت قبضة العرب المسلمين، وأفضل تسمية لها هي غزوة الإنتقام .
*نجحت الحملة في تقسيم الأمازيغ الى فئتين ، فئة مسلمة رفعت السيف ضد الفئة الكافرة ، فتغلبت قيم الدين على قيم المواطنة ، فأصبح الأمازيغي المسلم يقاتل الأمازيغي الكافر، وهو ما يعني تمزيق الوحدة الوطنية بظهور قيم هواياتية جديدة على مسرح الأحداث ، تستبدل قيما راسخة في حب الوطن ، بقيم جديدة هي الحب في الله .... وهو ما خلق تذبذبا في الرأي وانقساما في المجتمع بين أمازيغ الشمال ( البرانس ) وأمازيغ الجنوب ( البتر) ، وإن كان كلاهما تبادلا مهمة مقاومة الغزو العربي بقيادة آكسل البرنسي ، وديهيا أو ( تيهيا) البترية لحين ، وهو ما يشير إليه المستشرق بروكلمان بقوله ( يتحتم على المسلم الأمازيغي أن يعلن العداوة على غير المسلمين( من قومه) باعتبار ذلك واجب ديني [8].
* بُعد نشر الإسلام اختفى كلية من أجندة الدولة الأموية ، وإن ظهر فهو يظهر ثانويا باهتا ، والحملة بقيادة زهير وحسب ما ذكره المؤرخ العربي نفسه ، لم تكن هادفة لإدخال المزيد من الأمازيغ في الديانة الإسلامية ، وإنما لترهيبهم وتمزيق وحدتهم ، وإخضاعهم لقوة السيف بملاحقتهم حتى حدود نهر ملوية للإنتقام من قتلة عقبة وأصحابه ، وقد وصموا الإسلام ولوثوه بإهانات جديدة بأن جعلوه ديانة انتقام لا ديانة تسامح .
*السؤال المحير في هذه الحملة هو :لماذا تراجع زهير بن قيس البلوي بجيشه نحو مصر بمجرد الإنتقام من آكسل ( كسيلة) وتشتيت جمعه في موقعة ( ممش) ، هل قتل كسيلة هو الهدف والغاية ؟ أم نشر الإسلام على نطاق أوسع في بلاد تامازغا ؟ أم أن التراجع يخفي وراءه تفسيرات أخرى ،منها الخوف من رفاهية وبذخ القيروان التي ستدفع زهيرا الى حياة الدعة والرفاهية أو قد تخلق له طموحا لتولي الولاية انتزاعا ، وهو القائل ( إنما قدمت للجهاد ، واخاف أن أميل إلى الدنيا فأهلك ، وكان عابد زاهدا )[9] فالرجل التقي الورع الذي جاء للجهاد في سبيل الله ، لم يبق أمامه بعد انجاز المهمة التي أوكلت إليه سوى الرجوع إلى مصر ؟ ، أو قد يكون خلافه مع والي مصر عبد العزيز بن مروان أخ الخليفة عبد الملك ضلعٌ في تراجعه بهذه السرعة ؟ ، أوقد يكون الخوف من ردة فعل أمازيغية جديدة ، قد تنتهي به إلى هلاك ،شبيه بهلاك صحبه عقبة ؟ ، إن هذه التساؤلات والتصورات قد تكون صحيحة في جوانب منها ، وقد تكون مجرد قراءات بدون معنى ، المهم أن المؤرخين لم يظهروا العلة ، وأن الفعل لا يتطابق مع حلم الدولة الأموية في الإنغراس السريع في القيروان ، لا تخاذها مركزا لانطلاق حملات الإغارة على بلاد الأمازيغ ، ولا يتجاوب مع الغاية الأساس في نشر الإسلام بالسبل السلمية ، كما فعل المهاجر دينار ، خاصة وأنه مؤهل بتقواه وورعه وتابعيته بأن يكون داع للديانة المسالمة في ربوع إفريقية ، فلو كان يبتغي الجهاد الحقيقيى، لبقي رابضا في القيروان مرسلا للفقهاء لمناطق الجوار ، ليعلم الناس مكنونات الإسلام بأبعاده ومراميه ، ودعواته للإخاء والتجانس والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات ، فجهاد السيف متروك للدفاع لا الهجوم ، ذاك هو الجهاد الأكبر في تقدير الكثير من دعاة الحق والحقيقة .

نافلة القول أن غزوة زهير بن قيس البلوي لعام 69 هجرية لأفريقية ، كانت قصيرة في مدتها ، كبيرة في قتالها وقتلها ،لا تختلف عن سابقتها ، أحدثت نكبة في صفوف المواطنين الأمازيغ الذين انصاعوا لفكر قتال ذويهم ، فتحول الدين عندهم من مصدر محبة ، إلى مصدر تنافر وتناكر وتقاتل ، فأصبح المواطنون الأمازيغ بين نيران العداوة الخارجية مستلهمون ، وما حققه زهير من انتصار لا يحسبُ نصرا للإسلام ،بقدر ما يحسب انتصارا للعربان ، الذين جعلوا للحملة غاية هي الانتقام ، وما وقع ويقع وهو تفنيد لغرس غُرس فينا من باب التعاطف يقول : أن الإسلام انتشر بيننا سلما لا كرها ، والتاريخ بشواهده يقول ( ما من بلد دخلها الغزاة العرب إلا وانتفضت عليهم مرة أو مرات ...) ؟ ويورد الطبري كثير من الشواهد الدالة عن ذلك في تاريخه ، ولعل في الإرتدادات والإنتفاضات المتكررة، ما يسفهُ خرافة انتشار الإسلام سلما في شمال إفريقيا .

المراجع والهوامش *************************.
[1] النويري ، نهاية الإرب ..، ص 73.
[2] المالكي ، رياض النفوس ، ص9.
[3] ابن الأثير ، أسد الغابة ، ج4 ، ص 44.
[4]سورةالبقرة ، الآية 190.
[5] النويري ، نهاية الإرب ، ص73.
[6] المالكي ، رياض النفوس ، ص 10.
[7]ابن خلدون ، العبر.... ج6 ، ص 142.
[8]كارل بروكلمان ، تاريخ الشعوب الإسلامية ، ص 78.
[9] ابن الأثير ، أسد الغابة ، ج4 ، ص 44.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لن يسمعك احد
الشهيد كسيلة ( 2010 / 9 / 5 - 18:39 )
الاخ ايت حمودة
لمن تكتب
ان كنت تكتب لاهلك في الجزائر فهم قسمان اغلبية مؤدلجة لا ترى ولا تبصر غير ما ينشره دعاتها وهم يمجدون اعمال الغزو الاعرابي ويعتبرونها مفاخر وزلفى تقربهم الى الله وهؤلاء سيناصبونك العداء
وان كنت تكتب للقلة القليلة من المستنيرين فهؤلاء تجاوزوا طريقة العتاب واللوم واعلان انهم ظلموا بالامس كما يظلمون الآن على يد شرذمة الانقاذ
وان كنت تبحث عن من يمكن ان تسميهم معتدلين فهؤلاء لا وجود لهم في بلدك
تحياتي


2 - الكتابة رغبة وحاجة .
الطيب آيت حمودة ( 2010 / 9 / 5 - 22:37 )
تحية لكسيلة على المرور .
*الكتابة عندنا ليست قسرا وإنما حبا في رؤية الأمور بمنظور فيه إنية وذاتية ، وهي ليست للمتنور ، لأن المتنور يقودُ ولا ينقاد ، وليست للمؤدلجة لأن هؤلاء انسبغوا بلون قاتم ، مكشر وا المخالب للقتل والقتال ، بارزو الأنياب لنهش اللحوم الآدمية .
* فالكتابة عندي إفصاح عن رأي ، ورد على المعوج من الفكر ، ومحاربة للطموس والتلوين الذي طال تاريخنا ، وقد يستفيد مما نكتب المتعطش للمعرفة الذي لا زال غضا لم يتمكن منه الإدلاج رساخة .
* وما دونته في هذه السلسلة هو محاولة مني لتفنيد رأي القائلين بأن انتشار الإسلام في شمالنا الإفريقي فتح سلمي ، وقالوا لو لم يكن فتحا لبرزت ارتدادات ومقاومات .. .وهاهي الحقائق التاريخية تثبت بما لا شك فيه أن التواجد الإسلامي عندنا كان عنيفا ودمويا وبالأساليب الإكراه والقسر .
ولا أدري إن كنت تريد أن نصوم عن الكلام ، كما صام الأجداد ذات زمان ، وتركوا فجوة في الذاكرة ملئت من غيرنا وفي غير صالحنا.
ثنميرث

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟