الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعاة الفضائيات والدعوة إلى التقمص وتناسخ الشخصيات

نهرو عبد الصبور طنطاوي

2010 / 9 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من العقائد الدينية لدى الديانة الهندوسية عقيدة (التقمص) أو (تناسخ الأرواح)، هذه العقيدة مؤداها أن الأرواح خالدة لا تفنى ولا تبيد ولا تموت بموت الإنسان، بل يعتقد أتباع الديانة الهندوسية أن الروح بموت الإنسان ينتقل من جسده إلى جسد آخر أي إلى مولود جديد فيحل فيه ويتقمصه، فروحك قبل أن تولد كان في أجساد أخرى كثيرة قبلك وظل ينتقل من جسد إلى جسد حتى جاء إليك، وسوف ينتقل منك بعد موتك إلى جسد مولود جديد وهكذا أبد الدهر، فالروح لديهم أبدي الوجود، وهذا الانتقال للروح وتناسخه وتقمصه من جسد لآخر وفق عقائد الهندوس يتم لغاية ألا وهي أن الأرواح تتدرج في الرقي والكمال في انتقالها من جسد لآخر حتى تصل في نهاية المطاف إلى صف الروحانيات المتجردة والكائنات الملائكية فيحظى عند ذلك بالخلاص والسعادة الأبدية أو ما يسمى (النيرفانا).

وقد يسأل سائل: ما علاقة عقيدة التقمص والتناسخ هذه بدعاة الفضائيات الدينية الآن؟؟، أقول: إن دعاة الفضائيات الدينية من خلال تقديم فتاواهم وأحاديثهم التليفزيونية للناس لا يقدمون الحكم الديني المجرد أثناء إفتائهم الناس وأثناء جوابهم على أسئلتهم، إنما يقوم دعاة الدين في الإعلام الديني اليوم بتقديم الحكم الديني مرفقا به السمات والقدرات الشخصية للداعية أو المفتي أو الشيخ نفسه مع الحكم الديني، بحيث يتم إيهام المشاهد واستدراجه دون وعي منه ليتقمص شخصية الشيخ أو المفتي أو الداعية دون أدنى انتباه للفصل بين الحكم الديني المجرد وبين طغيان السمات الشخصية للداعية أو الشيخ أو المفتي على منطوق الفتوى أو الحكم الديني بحيث يصبح المشاهد غير مستطيع الفصل أو التمييز بين الحكم الديني المجرد وبين السمات الشخصية للداعية أو الشيخ أو المفتي، فيقوم المشاهد بتقمص السمات الشخصية للداعية واستنساخ شخصيته دون وعي من الداعية أو المشاهد، فتمتلئ الدنيا بنسخ مكررة من الشيوخ والدعاة كما هو مشاهد اليوم في كل مكان من بلاد المسلمين، ومن ثم يتم القضاء على التنوع والاختلاف اللذين هما إكسير الحياة وسر بقائها.

وكي أزيد الأمر إيضاحا أقول: إن دعاة الدين اليوم في الإعلام الديني يتحدثون إلى الناس ويجيبون على أسئلتهم من خلال واقع الدعاة أنفسهم لا من خلال واقع الناس الحقيقي الذي يعيشون فيه، متغافلين تماما عن تجريد الدلالة الحقيقية للحكم الديني أو النص الديني، بمعنى أن الداعية حين يقوم بإجلاء الحكم الديني للمشاهدين يقوم بإلزام المشاهد وتكليفه بكيفية وطريقة تطبيق النص الديني المجرد فيتوهم المشاهد أن طريقة تطبيق النص التي تلقاها من الداعية هي والنص سواء ولا يمكنه الفصل بينهما، فيتلقى المشاهد من الداعية ليس حكما دينيا مجردا في واقعة ما وحسب، بل يتلقى مع الحكم الديني طريقة وكيفية تطبيق الحكم، وفي هذه الحال يعتقد المشاهد ويرسخ في وعيه أن طريقة التطبيق التي ألزمه بها الداعية لا يمكن العدول عنها لأن الشيخ أوهمه عن قصد أو غير قصد أن طريقة تطبيق الحكم هذه هي والحكم سواء، ولها نفس قدسية الحكم الديني ولها نفس إلزامية الحكم الديني وأن الحكم الديني لا يصلح تطبيقه إلا بهذه الكيفية.

وما لا ينتبه له كل من الداعية أو المشاهد هو أن طرق تطبيق الأحكام تلك التي يلزم بها الدعاة الناس قد تتناسب مع المشاهدين وقد لا تتناسب معهم، لأنه ربما يكون لدى الناس طرقا أخرى تتناسب وتتلائم مع ظروفهم وواقعهم غير تلك التي ألزمهم بها الدعاة، ما يترك للمشاهدين خيارات أخرى لتنفيذ الحكم، حتى لا يصبح الناس بين خيارين أحلاهما مر، الأول: إما الالتزام بالطرق التي أخبرهم بها الدعاة وقد لا تتوافق مع واقعهم وظروفهم، والخيار الآخر ترك العمل بالحكم نهائيا، وعندئذ يقع الناس فريسة لآلام الشعور بالإثم والذنب وتأنيب الضمير لعدم امتثالهم بالحكم الديني، وبهذه الطريقة يجني الدعاة على الناس ويتركونهم في حيرة واضطراب دون أن يشعروا بجرم ما يفعلون، وبالتالي فهم لا يفيدون الناس ولا يريحونهم ولا يقدمون لهم أية حلول لمشاكلهم، بل إنهم يزيدون مشاكل الناس تعقيدا وألما وحيرة، ومن أكبر البراهين على ذلك أن السائل لو قام بالاتصال على شيخ آخر أو استمع لداعية آخر فسيجد جوابا مختلفا يحمل طريقة مختلفة لتطبيق الحكم بل ربما يجد حكما آخر ومختلفا عما سمعه من قبل، مما يزعزع مكانة الدين وأهميته في نفوس الناس، ويكفي هذا جرما وخطيئة في حق الناس.

فقد نرى مثلا شيخا يتحدث عن حرمة النظر إلى النساء وينهر الشباب ويبكتهم ويبالغ في تخويفهم من عاقبة عدم غض البصر، في حين أن الشيخ أو الداعية لا ينتبه إلى ما يجبر الشباب على عدم غض البصر وهو أن معظم الشباب عاطل عن العمل بل عاطل عن الحياة ولا يجد حتى قوت يومه والشيخ لا يأخذ هذه الأشياء بعين الاعتبار، وبالتالي فلا يرى الشباب غير مستطيع لإشباع الرغبة الجنسية بطرق مشروعة، وبالتالي فالشيخ يتعامى عن أن الشباب ينظر إلى النساء ويقعون في التحرش بهن بسبب حرمانهم، والأغرب بل ما يثير الدهشة في الوقت نفسه أن الشيخ الذي يصرخ في الشباب ويطالبهم بغض البصر متزوج بأربع نساء يتنقل بينهن كالعصفور كل حين على غصن بل يكاد يتجشأ شبعا من ممارسة الجنس، وبالتالي فالشيخ أو الداعية لا ينتبه أنه يصرخ في شباب محروم جائع فقير معدم. ومن المشروع أن يتبادر إلى ذهني الآن سؤال مشروع ألا وهو: هل لو كان الشيخ أو الداعية يعيش نفس ظروف الشباب البائس المعدم ويعاني نفس الحرمان هل كان الشيخ سيستمع لمن يصرخ فيه ويأمره بغض البصر؟.

إذاً فعلى دعاة الدين أن يفصلوا تماما بين تبيين الحكم الديني المجرد وتوضيحه للناس وبين إلزام الناس بطرق وسبل تطبيق الحكم الديني، لربما ما صلح للشيخ أو الداعية في التطبيق والالتزام لا يصلح لمن هو ليس في نفس ظروفهم وواقعهم.

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
موبايل/ 0164355385_ 002
إيميل: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القدوه فى الاسلام
على سالم ( 2010 / 9 / 6 - 22:18 )
الاستاذ نهرو ,مقالتك تلقى الاضواء على نفاق شيوخ الاسلام وانحلالهم الخلقى وانى اسوق لك مثل من شيوخ الفته والقلقاس الا وهو الشيخ المبجل يوسف القرضاوى,هل تعلم ان هذا الشيخ وبعد ان وصل الى ارزل العمر لايزال يلحس العضو التناسلى لزوجته الطفله الجزائريه والتى تصغره بستين عاما,الا يخجل هذا الشيخ المتصابى من نفسه,شيوخ الفضائيات منافقين ومنحلين اخلاقيا وفى نفس الوقت يكتنزوا الاموال والذهب والفضه وكذبه وشرورهم عظيمه على المجتمع والواجب فضحهم وتعريتهم وايداعهم السجون


2 - ماهو الحل يا استاذ نهرو
حكيم العارف ( 2010 / 9 / 7 - 03:54 )
مقال هام ومفيد للشباب حتى لايستمعوا لكلام الشيوخ الدجاليين ....

ومن الشيوخ انفسهم من يستخدم شهوة الشاب للجنس واغراؤه بالحور العين وتفجيره لمكان يبيت عداوه للشيخ نفسه ... وبهذا يكون قد ضرب عصفورين بحجر ..

اذا استخدام الفتاوى فى الاداره لن تقيد الناس الذين يعملون عقولهم ويفكرون ....

ولكن. ماهو الحل يا استاذ نهرو .....


3 - تجارة الفتاوي والدين
فواز محمد ( 2010 / 9 / 7 - 14:34 )
تحياتنا للكاتب امام التطور التكنالوجي ما فات هؤلاء الشيوخ بالدجل على الناس بشتى الطرق ووجدوا الفضائيات توفر لهم اسليب جمع المال بوسيلة عصرية وسهلة ومضمونة وفورية من الاعلانات ورسائل اس .ام .اس ...دشداشة اسلامية...عطر اسلامي...الخ وهناك قنوات الطب النبوي وليس النووي فيها يعرض شتى الخلطات ولا تعرف ما هو تأثيرها السلبي بالاضافة معالجة السحر والكثير يطول شرحه وتعداده كله استغلال لسذاجة الناس وابتزازهم انها با ختصار اكاذيب اسلامية من شيوخ يهدفون المال ومتع الحياة احدهم مشهور تزوج 18 مرة

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | عمليات نوعية وغير مسبوقة للمقاومة الإسلامية في


.. «توأم الروح والتفوق» ظاهرة مشرقة بخريجي 2024




.. تغطية خاصة | إيهود باراك: في ظل قيادة نتنياهو نحن أقرب إلى ا


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان ترفع مستوى الإسناد




.. لماذا تخشى الكنيسة الكاثوليكية الذكاء الاصطناعي؟