الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألطقسيّون

جمان حلاّوي

2010 / 9 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الطقس وكما يعرفه الأستاذ فراس السوّاح على ( انه مجموعة من الإجراءات والحركات الجسدية التي تأتي استجابة للتجربة الدينية الداخلية , وتهدف إلى عقد صلة مع العوالم القدسية ) لذا يكون المقصود من الطقس هو المفهوم السلوكي الذي يبرر حركة المعتقد والذي يفهم على انه موقفا ذهنيا .
إن تحول المعتقد الذهني إلى فعل حركي هو احد الأوجه الحقيقية لتحول الممارسة الذهنية إلى رد فعل ترميزي لمواجهة المؤثر، وتكون بأشكال مطلبيه آنية تحمل النهج السحري ، أو بصيغة الشكر والامتنان والتي تحمل الطابع الديني لأله مشخص داخل الذهن لأسترضاءه ولا تحمل النهج ألمطلبي الآني .
فالطقس هو الوسيلة الإرادية الارضائية للوصول إلى الهدف المنشــود وتحقيقه إلا وهو الفكر الديني،
وبالتالي فهو فعل إنساني استجابة لأمر ديني معتقد به كغاية أسمى للوصول إليها
ومن هنا يظهر التشخيص الخاطئ وتبدأ المشكلة حيث ينحرف خط التحليل العلمي للإشكالية عن مساره المنطقي وتزداد زاوية الانحراف وتتعمق الفجوة فيتم تفسير الطقس لا كما يمارس حقيقة منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا ، فالهدف المنشود وبسبب من ضيق أفق ومحدودية االفكر المقولب للفكر الديني وبالمقابل احتياج الانسان للفعل المادي المباشر جعل الهدف المنشود وسيلة لتحقيق الغاية الملموسة والتي تشفي وتشبع إلا وهي ممارسة الطقس ، فالأخير أضحى هدفا يقودهم إليه الفكر الديني !!
فحجاج بيوت المعبودين وفي كل الأديان ،واللاطمون وضاربوا الزنجيل والماشون فوق الجمر المشتعل وتعليق الجسد بالسنارات والدروشة وطبّاروا الجبهة بالبلطلات ، كل هؤلاء إذ يمارسون هذا الطقس ليس لتحقيق هدف ديني من خلال فكر ديني مقرّ أصلا بل على العكس فالهدف الديني الذي استلمته حواسهم في أماكن العبادة قبل الانطلاق لممارسة الطقس أصبح وسيلة لخروجهم وممارستهم لهذا الطقس ، وبالتالي فالأخير أضحى هدفا مطلبيا" ،وإن لم يمارس فلا قيمة للفكر الديني على الإطلاق !
وان لم يفهم الفكر الديني فلا ضرر من أن يكون الفعل الطقسي هو الوسيلة وهو الغاية في تحقيق المطلوب من الفعل المحسوس في إيذاء الجسد والشعور التلذذي من هذا الإيذاء.
ودائما" يكون الطقس فعلا" محسوسا" بسبب من أن الإنسان اللاواعي وغير المطلع على الفلسفات الجدلية والآراء المطروحة للنقاش والعلوم التجريبية والتقدم الإنساني الحضاري واعتماد المنطق ودراسة التطور الديالكتيكي للوجود والمجتمع ، وعدم الركون إلى الغيبيات المغلقة التي يكون النقاش في صحتها خطا" احمر ، هذا الإنسان ومن فراغه الذهني يبحث ويبغي دائما حصوله على ذلك الشعور و الإحساس المادي بالمقدّس في جعله ذا مكانه مادية هو الآخر من خلال مسكه كأن يقطع مصمما" مسافات شاسعة لمجرد الإمساك ببيت المعبود مباشرة واحتكاك يده وجسده فيه ، أو بقبر احد الأولياء وهو المهم والضروري في الشعور الحسي هذا إذ أن التفكير فيه عن بعد وشرح مضامينه كجزء من الفكر الديني خاصته لا يجدي نفعا إطلاقا"، هذا الفعل المحسوس باللمس يعطيه مخرجا" ومتنفسا" أكثر بكثير من الإلمام بالفكر الديني الذي هو الأعم والذي تكون هذه الممارسات الطقسية جزء صغير جدا بالنسبة إليه .
حين كان الفكر الديني يغذي الممارسات الطقسية في اللمس أو الفعل الاحتكاكي أو الحركة الجسدية في الرقص أو تقديم القرابين كان المعبود مدروكا" حسيا" له وجود مادي يمكن لمسه وتقبيله وشمّه وحمله والنظر إليه وتحديد حجمه وموقعه .. الخ كالأصنام والطواطم أو الكائنات الحية كالأشجار والأبقار أو أشخاص حتى كالملوك الآلهة المتجسدة في شخص الفرعون نفسه ،
لكن بعد أن تحول الفكر الديني إلى الفكر الغيبي وجعل المعبود غير مدرَك حسيا" لا شكل له ولا حجم وهو غير مادي وخارج الوجود المادي جعل العابد معطيا" حجما اكبر للممارسة الطقسية ، وجعل المعبود والذي هو الأعم وسيلة لتحقيق الطقس.
من هنا نتوصل إلى أن الحاجة الفعلية للإنسان البدائي أو الإنسان غير المتعلم في الوقت الحاضر هو الإشباع الجسدي في تحقيق الألم المطلوب أو التفريغ الذهني المتأزم جنسيا"والمضغوط عليه محيطيا" في ممارسات طقسية علنية أمام خليط المشاهدين المندمجين طقسيا" .
إن هذا الكلام لا ينطبق فقط على الإنسان البدائي من خلال الرقص الطقسي الفاضح في إتمام عملية جنسية متكاملة أمام المذبح بل حتى الوقت الحاضر فأن تعرية الجسد المعروق الراجف انفعالا" وتجريحه بسلاسل الزنجيل ليتفصّد منه الدم أمام جمهور الناس الخدرين بفعل الطقس الصادي كونهم المحرك النفسي لهذا الفعل ، والمازوخي بالنسبة لضارب الزنجيل ما هو إلا تكملة للطقس الجنسي إمام المذبح .
ولتتحول أنظار الطقسيّون من معبدوهم الأعم كونه غيرمدرك وغير مرئي وغير مجسّد إلى رب آخر موجود ماديا" فعلا" أو من خلال قبره أو طوطم يمثله ، ليمنح مكارم ومعجزات خيالية تفوق الربّ الأصلي المفترض ليطلق عليه صفات مباركة مفعمة بالتبعية كالوليّ أو الإمام وبالتالي تتم ممارسة الطقس من خلال جعله وسيلة كإعطائه صفة الشهيد والمظلوم صاحبَ حقٍّ أخذ منه قسرا" ،فيلطم أمام حضرته وتدمى الأجساد وتلطخ الرؤوس بالأطيان وتمارس انفعالات ذات حركات ولمحات جسدية طقسية كما انسان الكهوف !
فالإنسان بطبعه طقسيا" حين يحج ملاصقا مباشرة لمكان المعبود الذي صنعه وليس التفكير فيه عن بعد ، ويجتمع كل حجاج الأديان في هذا الطقس التلاصقي ، حتى وصل التطرف إلى جعل بيوتا" للآلهة وهم الذين يدّعون أن لا حدّ يحدّ هذا المعبود ولا مكان من الممكن أن يجمعه ، والمضحك في الأمر أن بعض الحجاج الطقسيون المتجهين إلى بيت المعبود تراهم لا يهتمون لمعبودهم لأنهم يريدون شيئا" ملموسا" يروه ويحددوا حجمه ووجوده ، فيفرّغون كوامنهم بالبكاء في حضرته فتراهم يهتمون بقبور الأولياء والأئمة في مقبرة البقيع على سبيل المثال من الذين ماتوا من اجل إعلاء فكرة المعبود ويتبركون بها ويقرؤون عليها الأدعية وطلب الشفاعة أكثر من اهتمامهم وطلبهم الشفاعة والغفران من بيت المعبود الأعم , وأنهم يبحثون عن الشق في جدار بيت المعبود كونه يحمل ذكرى ولادة إمام داخله أكثر من اهتمامهم بالمكان المقدس نفسه وبحجره الأسود ألنيزكي والذي هو أساس القصة الأسطورية بأكملها . هذا الكلام جاء نقلا" عن أكثر من شاهد عيان!!
من هنا نتوصل إلى أن الفكر الديني ومنذ ظهوره لم ينتج الطقس المكمل لمبادئه والذي تأتّى استجابة للتجربة الدينية الداخلية كما يفسره الأستاذ فراس السوّاح بل العكس هو الصحيح والأعم فالطقس السحري لدى الإنسان البدائي ومطلبه في تنفيذ الحاجة آنيا" انتقل بعد تحقيق ما مطلوب إلى فعل امتنان فتحول الفكر السحري بمرور الزمن إلى امتنان ؛ أي عبادة وركوع ورضوخ والتوجه نحو واهب الحاجة من خلال الطقس السحري فظهر الدين كتتمة لحقبة الممارسة السحرية , ونلاحظ هنا أن أساس الفكر الديني هو فعل طقسي جسدي فالمسألة دائما" متعلقة باحتياج الإنسان ومصب رغبته وكان الجنس عاملا رئيسيا" في كل الممارسات الطقسية السحرية وما تلاها من تعبد ديني وكما أسلفت ، ولا أريد أن انتقل إلى تحول الفكر الديني من إشباع جسدي عاطفي إلى فكر استغلالي من خلال ظهور الزراعة وسيطرة الأب الأكبر وأبناءه على الحقول واستغلال الأسرى والعبيد في الإنتاج الزراعي وجعل الأب خليفة الرب المفترَض على الأرض للسيطرة على مجريات الأمور وإعطاء الشرعية لسلطته فهذا الكلام قد تطرقت له في أكثر من مناسبة ضمن مقالاتي السابقة في (الحوار المتمدن ) في انتقال مفهوم الفكر الديني إلى فكر استغلالي في مرحلة الزراعة والإقطاع ليكون فكر الطبقة الإقطاعية في القمع والزجر وملاحقة العلماء والأحرار وإبادتهم من خلال الكنيسة ومحاكم التفتيش التي تمثل العصا الغليظة للطبقة الحاكمة المستغـِّلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي