الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السابعة، 74 للهجرة)

الطيب آيت حمودة

2010 / 9 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بمقتل زهير بن قيس البلوي في انطابلس( برقة)على يد البزنطيين ، ارتدت ورجعت جهود العرب المسلمين في غزوهم لشمالنا الإفريقي إلى نقطة الصفر ، فقد فقدوا السيطرة على إفريقية مجددا لخمس سنوات أخرى ، وعادوا إلى حالتهم الأولى كما كانوا قبل غزوة عبد الله بن ابي سرح لعام27 للهجرة ، وهو ما فتح أبواب التفكير للإنتقام من الأمازيغ ، الذين استبسلوا في المقاو مة والدفاع عن أرضهم وعرضهم ، وغدت ( برقة ) مركزا لاستقطاب العرب الفارين من إفريقية في غالب الأزمان .
***حسان بن النعمان .... وغزوة سابعة باسم الإسلام .
هو حسان بن النعمان بن عدي بن بكر بن مغيث بن عمر و بن مزيقيا بن عامر بن الأزد ( أزدي) ، ولاه الخليفة عبد الملك بن مروان على إمارة إفريقية بعد إقامة بمصر ، ولقبوه ( بالشيخ الأمين )و( كان أول أمير شامي يدخل إفريقية أيام الأمويين )[1] وأطلق يده في أموالها بقوله (إني قد اطلقت يدك في أموال مصر ، فاعط من معك ، ومن ورد عليك ، واعط الناسَ ، واخرج إلى بلاد افريقية على بركة الله وعونه ..)[2] ، وهو مايعني تعبئة عامة ، وشراء الذمم بالمال بالإغداق للمشاركة في الغزو وهي طبيعة معروفة لدى سلاطين الدولة الأموية ، كيف لا وأولهم معاوية هو القائل : ( إما أن ترضع معنا ، وإما أن ترتدع عنا )[3]، وقد تخيرهُ الخليفة ُ عبد الملك لإتمام فتح افريقية التي استعصى أمرها وطال الجهد فيها ردحا من الزمن زاد عن الخمسين سنة ونيفا دون أن ينتهي إلى نتيجة حاسمة كما وقع في مناطق أخرى كمصر والشام .
*سار حسان إلى إفريقية مسرعا لإعادة غزوها مجددا سنة 74 للهجرة [4] على رأس جيش جرار قوامه أربعين ألف ( فلم يدخل افريقية قط جيش مثله ) [5] وانضم إليه عدد آخر من المسلمين الأمازيغ بقيادة هلال بن ثروان اللواتي ، فسار حسان بهذا الجيش العرمرم نحو قرطاجنة فنزل بالقرب منها في مكان يعرف ب ( ترشيش) الموضع الحالي لمدينة تونس العاصمة ، وقدر حسان الإيقاع بالروم ، وحاصر مدينة قرطاجنة حصارا شديدا من جهة البر ، ودخلها عنوة بعد فرار معظم من كان بها عبر المراكب بحرا ، وتعرض من بقي منهم لسيوف العرب المسلمين ، (وخرب المدينة حتى صارت كأمس الغابر)[6]، اتجه بعدها إلى ( صطفورة ) غرب قرطاجنة لقتال الأمازيغ ومن معهم من البزنطيين ، وسحقهما سحقا وحمل ( عليهم اعنة خيله ، فما ترك من بلادهم موضعا إلا وطئه )، ثم انساح جهة القيروان لإراحة جنده ، ريثما يجهزعلى مواقع أخرى تتطلب الغزو والإبادة .
*** حسان و ديهيا ( الكاهنة) ... في مواجهة ..
سأل حسان جماعة من مسلمي الأمازيغ قائلا ( دلوني على أعظم من بقي من ملوك إفريقية ؟ ، فدلوه على امرأة تملك البربر تعرف ( بالكاهنة )، وجميع من بإفريقية من الروم منها خائفون ، وجميع البربر لها مطيعون .. )[7] سأل عنها لبدأ قتالها والهجوم على ديارها عن سابق إصرار وترصد ، كأنه لم يقرأ قوله تعالى :(فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم، وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا).[النساء:9 ]، إنها ( ديهيا ) أو( تيهيا ) كما يسميها أهلها ، هذه الشخصية التي أحاطها مؤرخوا العرب بشتى الأوصاف القدحية ، فجعلوها وثنية عابدة لصنم تحمله في ترحالها ، أو أنها يهودية ، وصاغوا لها عمرا مديدا ، وألبسوها لباس الكهنة والسحر ، وأنها قارئة الغيب ، ثم حاولوا اخضاعها لإديولجية التبعية بأمرها لولديها الإستسلام للعرب ، ونسجوا سيناريو محبك الإخراج بشأن المؤخاة بين ولدي ديهيا ، والسجين العربي خالد بن يزيد ،وقوٌلُوهَا مقولةً مفبركة ( فقد صرتم إخوة)[8] كل ذلك لترسيخ قناعتين في ألباب المتلقي، أولها دونية الملكة ودناءتها ، ثانيها رسم هالة من الرغبة في الإنضواء في الجنسية الجديدة(العربيةالإسلامية ) باعتبارها مخرجا آمنا ، ولو على حساب القيم التراثية المحلية ، وهي أساليب طالما روجها المنتصر ضد المنهزم .
* فديهيا هي بنت ماتية ،بن تيفان ، ملكة أوراس ، وقومها من جراوة ملوك البتر وزعمائهم ، تزعمت المقاومة الأمازيغية البترية ضد الغزاة العرب ، سار إليها حسان في جيش كثيف لم يسبق أن رأته أفريقية سابقا ، والتقيا قرب ( مسكيانة )[9] عام 75 للهجرة رجاحة ،وثبت الأمازيغُ في المعركة رغم قلتهم ، وتحمسوا تحمسا وطنيا زائدا ،فدارت الدائرة على العرب المسلمين ومن معهم ، ويصف ابن عذارى المعركة قائلا : ( فلما أصبح الصبح التقى الجمعان وصبرا الفريقان ،صبرا لم ينسبه أحد إلى بعضه فضلا عن كله،إلى أن انهزم حسان بن النعمان ومن معه من المسلمين الشجعان ، وقتلت الكاهنة العرب قتلا ذريعا ، وأسرت ثمانين ( 80) رجلا من أعيان أصحابه ، وسمي ذلك الوادي ( وادي العذاري )، واتبعته الكاهنة حتى خرج من عمل قابس )[10]ولاحقت فلوله حتى أخرجته من حدود إفريقية كلها . وسجل لها التاريخ موقفا مشرفا ومتسامحا تجاه ساكنة القيروان المسلمين ، فلم تهاجم المدينة، ولم تجعلها عاصمة لها كما فعل ( آكسل قبلها) الذي اتخذها عاصمة له بعد آمان لآهاليها ، وذاك قمة في التسامح مع الغير ، وبذلك برهنت (ديهيا ) عن حس إنساني قل مثيله في ذلك الزمان ، خاصة وأنها كافرة ، وهي مدركة بأنها ليست ضد الدين الجديد ، وإنما ضد الجبروت الغطرسة العربية ، التي أغارت على البلاد وقهرت العباد باسم تأويل فاسد لآيات الرحمن ، وبرهنت ثانية عن حسها الوطني بقولها ان الملوك يموتون و لا يستسلمون ، وهما صفتان لهما وزنهما وتقديرهما في ميزان المواطنة ، وهو ما حذا بأمازيغ أوراس تشييد معلم لها ( تمثال ) أقاموه لها في عرينها وموطنها ( ببغايا) من ولاية خنشلة المجاهدة ، في حين برهن أسيرها ( خالد بن يزيد) عن لؤم وخيانة لمن أحسن إليه ، فقدم استخبارات جوسسية لقائده عن مقدرات ديهيا القتالية ، وهو ما حفز حسان الرجوع مجددا بعد حشود أخرى، لغزو افريقية من جديد بذريعة الإنتقام .
*** غزوة ثانية لحسان .....أو غزوة رد الإعتبار لجيش لم يدخل إفريقية مثله قط .
بتراجع حسان نحو ضواحي برقة قابعا في قصوره ، ويذكر ابن عبد الحكم قائلا :(أفلت حسان ونفذ من مكانه إلى أنطابلس ، فنزل قصورا بحيز برقة ، فسميت قصور حسان ،)[11] التي بنيت كثكنات عسكرية لإيواء جند الغزو ، واستمر بقاءه هناك لخمس سنين كاملة [12] ينتظر المدد من الخليفة بدمشق ، والنظر في الأخبار التي ترده تباعا من جاسوسه ( خالد بن يزيد ) الذي أكرمته ( ديهيا ) وتبنته بعد أن أطلقت سراح أصحابه ، لكنه أبان عن لؤم فضربها بخنجر الخيانة ، بتقديم أسرار عسكرية لخصومها في الحرب ، وحرصت وهي الحريصة على فهم أسباب الغزو العربي من أفواه أسراها ، لأنها لم تكن تعلم شيئا عن هذا الدين ، وأدركت من خلال ما عرفته مع حدسها أن العرب ( ما يكادون ينزلون البلاد حتى تتوجه همتهم إلى المدائن ، والنواحي العامرة ، يبذلون وسعهم في الإستيلاء عليها ، فإذا تم لهم ذلك ، انقضوا على الخيرات والنفائس فانتهبوها ولم يخلفوا من ورائهم شيئا ، ثم ينصرفون بعد ذلك عن إفريقية كأنما يأتون لهذا وحده )[13] وهو ما دعاها إلى القول لذويها لما رأت ابطاء العرب عنها ،( إن العرب إنما يطلبون من إفريقية المدائن، والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي ، فلا نرى لكم إلى خراب بلاد إفريقية كلها حتى ييأس منها العرب ، فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر ، فوجهت قومها يقطعون الشجر ، ويهدمون الحصون ، فذكروا أن إفريقيا كانت ظلا واحدا )[14] ولعل في النظرة الموضوعية ما يسقط تهمة إحراق (ديهيا)للمزارع والأشجار وتخريب المدائن ، فالأمر فيه مبالغة وزيادة ، فالتاريخ لم يحدثنا عن مجاعات كانت سببها هذا الحرق العمدي لخيرات البلاد وأرزاق العباد ، فهي تدخل ضمن ما يسمى الحرب النفسية ضد الأمازيغ لتشويه أعمال هذه الملكة الوطنية التي دفعت بإخلاص عن بلادها .
* تهيأت فرص النجاح لحسان بن النعمان ، فزحف ثانية بجيشه الكبير على ( ديهيا ) في معقلها الذي غادرته لملاقاة الغزاة ، فالتقى الجمعان ( قرب قابس ) التونسية ، انتهت الواقعة بهزيمة (ديهيا) فتشتت جيشها ، وفرت بعد الهزيمة تريد جبال أوراس ، فطاردها حسان مرارا حتى قضى عليها عند بئر حمل اسمها ( بئر الكاهنة ) ، وبمقتلها اختفت مظاهر المقاومة وخلى الجو للعرب المسلمين ، فلم يبق سوى انهاء التواجد البزنطي من قرطاجنة ووضع معالم بناء مدينة عربية اسلامية جديدة ثانية بعد القيروان تحمل اسم تونس .
* إن غزوة حسان بن النعمان الثانية في 82 للهجرة ، تعد من أنجح الغزوات العربية لأنها تمكنت من تشبث العرب بالبلاد ، ورغبتهم الأكيدة في جعلها جزءا من الأمبراطورية العربية الإسلامية عن طريق استحداث إصلاحات في الجانب الإدري والمالي ، وتأسيس دار لصناعة السفن ، وهو ما يعني دخول شمال افريقيا حضرة الخلافة الإسلامية ، وبسبب خلافات بين حسان ،والوالي الأموي على مصر( عبد العزيز بن مروان ) الذي ضيق عليه لخلاف بينهما حول غنائم وتحف افريقية ، فقد تم عزله عن الولاية عام 85 للهجرة ، قائلا ( لا أولي لبني أمية أبدا)[15].
مفصل القول أن حملة حسان بن النعمان بضخامة جندها تعني حربا غير متكفائة بين غزاة مدججين بأسلحة ، حرفتهم القتال والقتل ، ضد( تيهيا ) الملكة المسالمة ، التي لولا هجوم العربان عليها لما تحركت ولما قاومت ، ويمكن وصف مقاومتها بالوطنية الخالصة ، فإذا كان حسان حارب لدينه ، فإن( ديهيا ) حاربت لأرضها ، وكلاهما أخلص لدوافعه ، وما استنتجه خلال بحثي المتواضع أن الأمازيغ لم يكونوا يوما ضد الدين الإسلامي وانتشاره بينهم ، وإنما كانوا ضد الأساليب المستعملة في إيصاله إليهم ، فلم يحدثنا التاريخ أن الأمازيغ أهانوا أو عذبوا أو أكرهوا مسلما من ذويهم لدينه ، على عكس العرب الذين طبقوا آية السيف بأبشع صورها ، فأبانوا وجها سلبيا للإسلام ، وهو ما أخر انتشاره في ربوع (تامزغا ) إلى أزيد من سبعين سنة ، عرفت البلاد فيه كرا وفرا لم يكن في الحسبان .

المراجع والهوامش**********************
[1] المالكي ، رياض النفوس ، ص 11.
[2] ابن عذارى المراكشي ، البيان ...ص 34.
[3] أبو حيان التوحيدي ، الإمتاع والمؤانسة.
[4] لم يتفق مؤرخوا العرب على تاريخ واحد لغزوة حسان بن النعمان، والراجح أنها في 74هجرية ..
[5]ابن الأثير ، أسد الغابة ...ج3 ، ص 113.
[6] ابن عذار المراكشي البيان ، ج1، ص35.
[7] ابن الأثير ، اسد الغابة ، ج4 ، ص 143.ابن عذارى المراكشي ، البيان ،ج1، ص 20.
[8] المالكي ، رياض النفوس ص 34.
[9] اختلاف كبير بين المؤرخين في تحديد موقع المعركة واسمها ، يذكره ابن عبد الحكم ( بنهر البلاء )،
والبكري ( بمسكيانة )، وابن الأثير ( نهر نيني). .
[10] ابن عذارى المراكشي ، البيان الغرب ، ج1، ص 21/20.
[11] ابن عبد الحكم ن فتوح المغرب .. ص 57.
[12] ابن عذارى المراكشي البيان ....،ج1، ص 36.
[13] حسين مؤنس ، فتح العرب للمغرب ، ص 251.
[14] النويري ، نهاية الإرب ص 75، ابن عذارى في بيانه .
[15] ابن عذارى ، البيان ، ج1، ص 39.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لآيت حمودة
مريا الهوني ( 2010 / 9 / 8 - 13:05 )
من خلال سلسلة المقالات غزو افريقيا تنبهت الى ان كل ما درسوه لنا في المدارس الرسمية عن هذه الفترة كان غير دقيق وغير صحيح


2 - متابع
الشهيد كسيلة ( 2010 / 9 / 9 - 03:51 )
وادي البلاء قيل أنه تحريف لاسمه المحلي ليوافق نطق العرب ومنه يسهل تحويل كلمة بلاء الى البلاء وهو المصيبة الكبرى
الوادي هو ذاته ولا يزال اسم نيني موجود الى اليوم تحمله قرية هي مقر بلدية اسمها واد نيني كما نراه في خريطة ميشلان وتكون المعركة قد جرت في الفضاء ما بين واد نيني وواد مسكينة القريب منه وهو فضاء يصلح للكر والفر لانه عبارة عن منطقة سهلية واسعة
كل الرواية العربية ملفقة ومزيفة والكاهنة لم تحرق ولم تدمر بل العرب هم الذين احرقوا ودمروا كل شيء بحثا عن الغنائم وانتقاما لما لحق بهم في هزيمتهم الاولى
ونحن نستغرب في كل مرة يتم تناول الموضوع يؤتى بهذه الرواية الاموية العربجية
التي تذكرنا بما فعلته الشرذمة الانقاذية التي تقتل ثم تطلق اعوانها في الاسواق للترويج بان القتل تم على يد الجيش


3 - Mr Hamouda, Tanit, Tanis,Tunes déesse berbère
YAN AMAZIGH ( 2010 / 9 / 9 - 12:58 )

Merci


4 - Ainsi Athéne de Naït la même déesse en Egypte
YAN AMAZIGH ( 2010 / 9 / 9 - 13:07 )

Merci


5 - الى السيد كسيلة تعليق2
ادريس ازيرار ( 2010 / 9 / 11 - 20:41 )
لقد فاجاني حقا تعليقك على المقالة السابقة للسيد الكاتب تحت عنوان ( لن يسمعك احد ) ولمست في ذلك التعليق رائحة الياس والاستسلام ..
يا سيدي مما اتفق عليه المناضلون الامازيغ هو انه يجب اعادة كتابة تاريخ شمال افريقيا ابان الغزوات العربية بشكل موضوعي وانتزاعه من ايادي عرباجية وهذا ما يقوم به السيد ايت حمودة وما احوجنا الى مثل هذه الاجتهادات
شكرا جزيلا اخي الطيب على هذا العمل القيم وانا شخصيا اتابع كتاباتك حتى ولو لم اعلق
اخوكم من المغرب


6 - مجهود كبير في جانب واحد
عقبة بن سعد ( 2012 / 9 / 27 - 09:47 )
هي دراسة على العموم جديرة بالاهتمام رغم احتوائها على بعض التحليلات الغريبة، لكنها اقتصرت فقط على الجانب السلبي للغزوات العربية، لسنا ندري ما السبب في ذلك، ياحبذا من الكاتب المحترم ان يزين المقال بشيئ من التوازن بين سلبيات وايجابيات الفتوح العربية
تحياتي

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟