الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجديد الديني ومواكبة العصر

ايمان محسن جاسم

2010 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لكل عصر احتياجاته ومفاهيمه وآلياته التي من خلالها يمكننا أن نعيش ونحقق ما نصبو إليه وفق التطورات التي تصاحبنا أو تفرض علينا نتيجة ظروف ربما تكون خارج إرادتنا والمجتمع العربي - الإسلامي واحد من المجتمعات التي تجد صعوبة كبيرة في التحول من حالة إلى أخرى ويحتاج لحقبة زمنية طويلة من أجل استيعاب هذا التحول والاندماج معه, رغم إن التحديث مرحلة ضمن مراحل تطور المجتمعات البشرية. في التاريخ الحديث، بدأت أولا في أوربا، وانتشرت فيما بعد في مختلف أرجاء العالم. شأنها في هذا شأن بقية المراحل التي سبقتها، خصوصا تلك التي تميزت ببناء حضارات. مع ملاحظة أن وسائل الانتقال التي توفرت لمرحلة التحديث كانت هي الأفضل من حيث تطورها ومقدرة انتقالها وسرعة الانتقال. لذلك يمكن القول أن انتشار التحديث جغرافيا كان أوسع من انتشار أية حركة اجتماعية أو مرحلة تطور أو تغير سبقتها لأن عملية التحديث أخذت بالتدرج ولم تكن بشكل مفاجئ، وإنما سبقتها مرحلة ساعدت كثيرا في بلورة مفاهيم هذا التحديث ومهدت له بالشكل الذي أصبحت معها عملية طرحه مسألة وقت ليس إلا، ونجد ذلك واضحا وجليا في الحضارة الفرعونية في مصر حيث كثرت الأسئلة حول عبادة الأصنام مع بروز تيارات داخل المتنفذين وأصحاب القرار من جدوى هذه الأصنام لكنها لم تكن معلنة بحكم إن الحاكم آنذاك هو نصف اله, ولكن وجود هذه الأسئلة مهدت لعملية رفض الصنم كآله وأن طالت هذه الفترة سنوات عديدة إلا إن نتائجها كانت إيجابية بحكم تدرجها الزمني والمنطقي واختيار الوقت المناسب لإعلان ذلك.

إذن هنالك مقومات يجب أن تتوفر كي تبدأ عملية التحديث ليس في المجال الديني فقط بل في كل مجالات الحياة وأبرز هذه المقومات هي التشكيك فيما نعتقد بها ثوابت ترسخت في ذاكرتنا الجمعية بحكم الموروث الثقافي أو المجتمعي وقد تكون خاطئة, فلا أحد كان يستسيغ فكرة كروية الأرض حين أعلنت في حينها, الشيء الآخر تهيئة الأرضية المناسبة لبناء فكري قائم على الاستنتاج والاستنباط بعيدا عن الحلول الجاهزة لأن الحداثة تتشكل نتيجة لتكاثر الأفكار الجديدة وانصهارها وكثرة مداولتها يمنحها فرصـة ان تطـرح على طاولة النقاش والبحث.

وفي عالمنا العربي والإسلامي ينظر للتحديث على إنه سلعة غربية رغم إنه نابع من مفاهيمنا التي نؤمن بها خاصة أن الدين الإسلامي الحنيف هو بحد ذاته ثورة على الأوضاع البالية في مختلف المجالات الاجتماعية منها والاقتصادية وهذا ما يدلل على أنه ثورة تحديثية إن صح التعبير, إلا إننا نجد من يقول بأن التحديث سلعة مستوردة وأفكار جاءت مع المفكرين والمصلحين في نهاية عهد الدولة العثمانية من أجل خلق مجتمع يشبه إلى حد كبير المجتمعات الأوربية المنهمكة في الماديات والبعيدة عن الروحيات, ويحاولون جهد الإمكان محاربة أية عملية تحديث في أي مجال من مجالات الحياة, بل يحاول البعض إرجاع عقارب الساعة لألف عام عبر إصدار فتاوي كثيرة تبعث عن السخرية في أغلبها ومنها ما لمسناه في العراق في السنوات الماضية عبر تحريم بيع الثلج لأنه لم يكن موجودا في صدر الإسلام والغريب في الأمر بأن هذه الفتاوي تنشر عبر شبكة الانترنت التي هي الأخرى لم تكن موجودة.

ما نريد أن نقوله إن عالمنا الإسلامي ومنذ قرون طويلة اكتفى بالمنجز الذي تحقق في سالف الزمان وأغلق جميع المنافذ أمام الأجيال الأخرى وكأنه يقول بعبارة أدق إلى هنا ويقف العقل!! متجاهلا عوامل عديدة في مقدمتها عملية التطور ذاتها معللا ذلك بأن أي حديث في الشأن يأتي من باب التحريف والبدع.

والمتابع لحركة التأريخ في العالم العربي والإسلامي سيجد بأن التغيير يأتي من الخارج بشكله الإيجابي أو السلبي, فنحن لا نبتكر لكننا نستورد, لا نضع الخطط بل نقلد، ولكننا وجدنا أنفسنا أمام خيار تجديد الأفكار خاصة ما يتعلق بالتجديد الديني والسبب في ذلك أيضا عامل خارجي بعد أن أصبح الإسلام هو الخطر كما يشاع في الغرب من خلال انتشار العنف كوسيلة تستخدمها المجاميع الإرهابية تحت يافطة الإسلام، وما يحدث من تجنيد لانتحاريين من كلا الجنسين وبالأخص النساء منهن ليس في العراق وحده بل حدث ذلك في روسيا قبل أشهر, هذا لم يـــأت مـن فــراغ بقــدر ما إن هنـالك فتاوي من رجال دين أو مدارس فكرية تنظر لهذا العمل تمنح هؤلاء مقــاعد في الجنــة وهي ترسل بهم إلى الجحيم.

هنا نجد بأن لا أحد يقنع بالموت تفجيرا ما لم تكن هنالك قناعات دينية وفتاوى دينية حتى وان كانت باطلة ومدسوسة على الدين الإسلامي غايتها الأساسية النيل من الدين أولا ومن حياة المواطنين ثانيا.

ومن هنا نجد بأن مسألة التحديث للمفاهيم الدينية وليس تحديث الدين لأن الدين يواكب العصر ولا يمكن أن يتناقض معه بأي حال من الأحوال يحتاج بالتأكيد اساليب فقهية تستنبط أحكاما بعيدة عن الموروث السابق أي مواكبة لروح العصر ومتجددة وبالتالي يتطلب وجود مدارس فكرية دينية باستطاعتها القيام بهذا الدور كما يجب بعيدا عن تأثيرات الموروث القديم, لذا نجد ثمة تحولا كبيرا حدث في المملكة العربية السعودية عبر إصدار فتوى تحرم وتجرم في نفس الوقت كافة أشكال الإرهاب والداعمين له, وأيضا ما صدر مؤخرا من أمر ملكي سعودي بتحديد الجهة التي تصدر الفتاوي بهيئة كبار العلماء, هذا التحديد بمثابة تجديد الغاية منه إعطاء رؤية صحيحة لواقع حال حسب العصر الحالي وليس قبل مئات السنين.

فالزمان والمكان في منظور المجتهد كما يؤكد ربيع سويدان “ هما الوعاءان اللذان يحتويان المجتمعات الإنسانية، “ وبالتالي فأن هذا يعني الأخذ بالتطورات ومواكبتهما, وقد تابعنا عبر حقب تاريخية كثيرة حركة المصلحين والمفكرين العرب والمسلمين في نهاية عصر الدولة العثمانية وبداية حركة التنوير في عالمنا العربي والإسلامي ومحاولة إيجاد مقاربات للواقع المعاش وظروفه ومكانه وزمانه.

لهذا نجد إن تشكيل معرفة دينية تواكب العصر يتطلب كما أشرنا إلى بناء فلسفة دينية تعطي للإنسان مكانته الطبيعية بما لا تجعل منه وسيلة للموت له وللآخرين والبحث عن الوسطية التي نجح المسلمون الأوائل من خلالها في نشر الدين الإسلامي روحيا قبل أن يكون جغرافيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب